اقتصاد عربي

ضغوط حكومية مستمرة لخفض أسعار الوقود.. ماذا يريد المغاربة؟

الحكومة حررت قطاع الطاقة في كانون الأول/ ديسمبر 2015 ورفعت الدعم عنه- جيتي

انخفاض أسعار النفط العالمية لا يسعد المغاربة، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار بالسوق المحلية منذ حررت الحكومة القطاع في كانون الأول/ ديسمبر 2015 ورفعت الدعم عنه.

وتعهدت الحكومة المغربية مرارا بالتدخل لدى شركات الوقود لخفض الأسعار لكن التخفيضات لم تتجاوز النصف درهم (حوالي خمسة سنتات أمريكية) للتر.

وقال وزير الحكامة والشؤون العامة المغربي لحسن الداودي الأسبوع الماضي في مجلس المستشارين - الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي -: "سعر البترول يتراجع، وفي أواخر الشهر يجب أن ينعكس ذلك على المغرب وإذا لم تتراجع الأسعار، فإن التسقيف هو الحل"، مشيرا إلى تدخل الحكومة لوضع سقف لأرباح الشركات والموزعين.


والمغرب هو خامس أكبر مستهلك للنفط في افريقيا.

بداية الأزمة

وبدأت مشكلة أسعار الوقود في المغرب، الذي يستورد تقريبا كل حاجاته من الطاقة، مع تحرير الحكومة للقطاع في 2015 ورفع الدعم عنه في إطار خطة لإصلاح صندوق المقاصة (صندوق الدعم) الذي كان يعاني من عجز كبير.

يدعم صندوق المقاصة أسعار مواد أخرى كالزيت والسكر والدقيق وغاز البوتان (المستخدم في الطهي).

وأصبح صندوق المقاصة عبئا لا يطاق على ميزانية الدولة مع ارتفاع أسعار النفط العالمية في 2006 و2007 حين زادت ميزانيته من ما بين ثلاثة وخمسة مليارات درهم في مطلع الألفية إلى 15 مليار درهم في 2007 ثم إلى 32 مليار درهم في 2008 و52 مليار درهم في 2011 و56 مليار درهم في 2012.

وخصصت الدولة للصندوق في ميزانية 2018 مبلغ 13.7 مليار درهم وتقول إن إصلاح الصندوق مكنها من تقليص تكاليف الدعم أكثر من 70 بالمئة.

وتلقي الحكومة باللوم على شركات الوقود في ارتفاع أسعاره حيث يتجاوز حاليا سعر لتر البنزين العشرة دراهم في حين يزيد سعر زيت الغاز على التسعة دراهم بقليل.

وبدأت الشركات تخفيضات محدودة منذ أول كانون الأول / ديسمبر بعد إجراء الحكومة لقاءات مع الشركات.

هامش الربح


وقال الداودي: "الحمد لله الأسعار اليوم انخفضت. المشكل في هامش الربح الذي حدده أصحاب الشركات، في مرحلة كبروا هوامش ربحهم، بعد تهديدهم بالتسقيف تراجعوا وخفضوا من الأسعار، ولكن هذا لا يعني أن المشكل انتهى".

وأضاف: "نحن معنيون بتسقيف الأرباح، أما الأسعار فهي دولية. نحن مهمتنا ألا يرتفع هامش ربح الشركات، ونحن دخلنا معهم في حوار من أجل الإتفاق على هامش ربح معين وفي حالة عدم الالتزام سنطبق التسقيف".

وامتنع عدد من الشركات عن التعليق. وقال عادل الزيادي رئيس تجمع البتروليين المغاربة بعد الاجتماع الذي عقده الوزير الداودي مع ممثلي شركات القطاع في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن ملف المحروقات "بات سياسيا ونحن نريد أن يخرج من السياسة لأننا لا نمارسها بل نقوم باستثمارات وفي عنقنا مسؤولية تزويد السوق".

وأضاف: "شركات المحروقات تقوم بتخفيض الأسعار في السوق الوطنية تلقائيا بعد انخفاضها في السوق الدولية".

كان النائب البرلماني عبد الله بوانو عن حزب العدالة والتنمية -الشريك الرئيسي في الائتلاف الحكومي - قاد لجنة استطلاعية العام الماضي عن أرباح شركات الوقود بعد استياء شعبي لاستمرار ارتفاع الأسعار في المغرب بالرغم من انخفاضها في الأسواق العالمية.

وأعطى بوانو في تصريحات صحافية مثالا بشركة توزيع واحدة تضاعفت أرباحها في المغرب من 2015 إلى 2016 من 300 مليون درهم إلى 900 مليون درهم.

وأضاف: "من أصل 20 شركة محروقات في المغرب 11 تستورد وأربع شركات تستحوذ على 70 بالمئة من السوق".

وتابع: "هناك هامش ربح كبير جدا.. نحن أمام عشرات المليارات من الربح.. هناك شركات تضاعف ربحها 996 في المئة، تقريبا ألف في المئة".

توقف الإنتاج

ويرى فاعلون أنه بالإضافة إلى التحرير فإن توقف الإنتاج بشركة سامير للتكرير في صيف 2015 عقب إفلاس الشركة المملوكة للملياردير السعودي محمد حسين العامودي قد أدى لتفاقم الوضع.

وسامير التي خصخصتها الدولة في 1997 هي شركة تكرير النفط الوحيدة في المغرب.

وبلغت ديون الشركة أكثر من أربعة مليارات دولار، وصدر قرار قضائي ببيع المصفاة التي تبلغ طاقتها 200 ألف برميل يوميا.

وهناك صعوبات في بيع المصفاة بسبب تقادم المعدات ورحيل بعض العاملين المؤهلين.

لكن الحسين اليماني المسؤول النقابي في المصفاة ومنسق "الجبهة المحلية لإنقاذ مصفاة سامير" يرى أن الدولة لم تقدم الضمانات الكافية للمستثمرين عن طريق وضع استراتيجية واضحة في قطاع الوقود.

وأضاف: "قطاع المحروقات في المغرب فيه فوضى ونهب للمواطنين".

استثمارات ضخمة

وقال "اليماني" تعليقا على عدم الاستقرار على مشتر لسامير بعد ثلاثة أعوام من قرار تصفيتها قضائياً: "الدولة لم تحدد استراتيجتها في هذا القطاع لأن الاستثمارات ثقيلة، تصل إلى أربعة مليارات دولار، أظن أن المسطرة القضائية استنفدت ما لديها، الكرة اليوم في يد الدولة، هي من يجب أن تقدم ما يكفي من الضمانات والتشجيعات للاستثمار في هذا المجال."

واعتبر اليماني: "رفع الدعم عن المحروقات وتحرير الأسعار وتوقف شركة سامير عن العمل في نفس الفترة ليس وليد الصدفة وليس بريئاً".

وقال: "حل مشكل سامير لن يكون إلا بقرار سياسي".

من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي محمد الشيكر أن "اقتصاد الريع في قطاع المحروقات توسع أكثر خاصة مع إغلاق سامير وأصبحت الشركات تطبق الأسعار التي تريدها في ظل غياب المنافسة".

وأضاف متحدثا لرويترز: "الدولة تلوح بالتسقيف ولم تطبقه لأن الشركات ليست المستفيد الوحيد وإنما الدولة. هذه الأخيرة أيضا هي أكبر المستفيدين بسبب الضرائب لأن اللتر الواحد من المحروقات فيه 44 في المئة من الضرائب لصالح الدولة".

 

وتابع: "منذ البداية اعتبرنا أن خصخصة شركة سامير كان خاطئا لأنها كانت شركة استراتيجية".