كتاب عربي 21

مدح إسرائيل بما يشبه الذم

1300x600

تسابقت وسائل الإعلام العربية قبل أيام قليلة، لبث خبر مطالبة الشرطة الإسرائيلية بمقاضاة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو (وبالطبع كان هناك من أشاروا إلى الرجل بالـ "نتن" ياهو، وهم يحسبون بذلك أنهم مسحوا به الأرض).

وأصل الحكاية، هو أن الشرطة الإسرائيلية أوصت يوم الأحد الماضي، بتوجيه اتهامات بالرشوة إلى نتنياهو، وكانت الشرطة قد سبق لها أن أوصت ثلاث مرات بتقديمه للمحاكمة بتهمة قبول رشى من رجال أعمال، وتقديم رشى لصحيفة كي تهاجم حزبا منافسا لحزبه (ليكود)، وتحدّ من توزيع صحيفة ظلت تنتقده بلا هوادة.

 

إقرأ أيضا: الشرطة الإسرائيلية توصي بتوجيه اتهامات بالرشوة إلى نتنياهو

في يوليو/تموز 2002 أودع أرييه درعي، مؤسس حزب شاس الديني، ووزير أسبق للداخلية، ثلاث سنوات في السجن بتهمة الفساد، وأرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل في الفترة من 2001 حتى 2005 خضع للتحقيق لمدة ثلاث سنوات في فضيحة فساد تتعلق بمخالفات في تمويل حملته الانتخابية لرئاسة حزب الليكود عام 1999، ثم قرر الإدعاء عدم كفاية الأدلة وأغلق ملف القضية، لكنه وجه الاتهامات في نفس تلك القضية إلى نجله الأصغر العضو في الكنيست "عمري"، وحكم عليه في 15 فبراير/شباط 2006 بالسجن لمدة تسعة شهور، وغرامة مالية بثلاثمئة ألف شيكل (65 ألف دولار).


تولى إيهود أولمرت رئاسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من 2006 إلى 2009. وبدأت محاكمته في 25 سبتمبر/أيلول 2009 على خلفية اتهامات بالفساد، وحكم عليه في 13 مايو/أيار 2014 بالسجن ست سنوات لقبوله رشى متعلقة بفضيحة عقارية ضخمة في القدس المحتلة، وبدفع غرامة قدرها مليون شيكل (290 ألف دولار)، وذلك بعد ستة أسابيع من إدانته بتهمة الرشوة في قضيتين عندما كان رئيسا لبلدية القدس.

 

إقرأ أيضا: الاحتلال يفرج عن أولمرت بعد سجنه أكثر من سنة بقضية فساد

وزير العمل والصحة الأسبق من حزب "شاس"، شلومو بن إيزري، قضى أربعة أعوام في السجن بتهمة الرشوة والاختلاس، وبعد ذلك قرر اعتزال الحياة السياسية، واعتزل وزير البنى التحتية السابق غونين سيغف من حزب تسوميت اليميني العمل العام، واختفى بعد قضائه خمسة أعوام خلف القضبان لإدانته بتهريب حبوب الهلوسة المخدرة من الخارج.

انتخب موشيه كتساف رئيسا لإسرائيل في أول أغسطس/آب 2000 خلفا لعزرا وايزمان وأجبر كتساف على الاستقالة من منصبه عام 2007، عقب فضيحة تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي، وإساءة استغلال الصلاحية والميزانية العامة.
 
وهناك سليفان شالوم وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الأسبق، والذي استقال من منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2015 وتخلى عن منصبه في الكنيست على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسي بسيدات عملن تحت إمرته، كما أن هناك الكثير من قضايا التحرش الجنسي التي اتهم بها حاخامات مشهورون، أبرزهم الحاخام إليعازر برلند الذي هرب من إسرائيل حتى لا تتم ملاحقته على خلفية قضايا تحرش بقاصرات.

وتناولت الصحافة العربية أخبار هؤلاء الفاسدين بالكثير من التشفي ولسان حالها يقول: انظروا إلى إسرائيل التي يزعم الغرب أنها منارة للديمقراطية والمؤسسية وقد نخر الفساد في مفاصلها"، ولا شك عندي وعند غيري في أن مؤسسة الحكم الإسرائيلية تضم عددا كبيرا من الفاسدين والمفسدين، ولكنني استهجن احتفاء الإعلام العربي بتلك الفضائح، فمن حيث لا ندري نقوم بمدح نظام الحكم في إسرائيل بتناقل أخبار كهذه، لأن نظاما يحاسب أكبر رأس في البلاد بمنطق لا كبير فوق القانون، هو ما تفتقر إليه بلداننا.

يحضرني هنا المثل السوداني القائل بأن الجمل لا يرى اعوجاج رقبته، ويقال عن المَعيب الذي يروج لعيوب الآخرين وينشرها على الملأ؛ أرمي إلى القول بأن عضوية مجلس الوزراء في أي بلد عربي تكفل حصانة من المساءلة والنقد لـ "العضو" مهما فسد وفشل.

أعود إلى نتنياهو: ماذا كان رد فعله على الاتهامات التي وجهتها إليه الشرطة يوم الأحد الماضي؟ قال إن الحكاية فيها "إن"، لأن مفتش عام الشرطة كان في طريقه إلى التقاعد في اليوم التالي (الاثنين)، والتعجيلُ بتحريك ملف القضية دليل على أنه أراد أن يكيد له قبل الخروج نهائيا من مسرح العمل الشرطي، ثم ناشد نتنياهو مفتش عام الشرطة الجديد العمل على تحسين أداء الشرطة ورفع كفاءتها.

وغاية قولي هي: إن في إسرائيل نظاما قضائيا وعدليا يسعى لضمان خضوع الجميع لحكم القانون، بينما عندنا فوضى عدلية تجعل أقلية فوق القانون، بينما عموم الشعب تحت سنابك تلك الأقلية، وعلينا أن "نختشي على دمِّنا" ونكف عن الابتهاج  كلما مثل مسؤول إسرائيلي أمام القضاء متهما في أمر يُجَرِّمه القانون.

وعلينا التركيز على جرائم الدولة الإسرائيلية، وليس الأفراد الإسرائيليين مهما علا شأنهم في مدارج السلطة التنفيذية، فلإسرائيل ملف مخزٍ في التعامل مع الفلسطينيين واللبنانيين، فمثل الولايات المتحدة فإنها تطبق معايير التعامل الإنساني المتحضر فقط مع مواطنيها، وتمارس العنف المفرط الأهوج بحق أي شخص أو مجموعة من دول جوارها ترى أنه يهدد أمنها، حتى لو لم يكن ذلك التهديد حقيقيا (وحقيقة لم يعد هناك اليوم تهديد وجودي لإسرائيل).

أقول هذا وأنا مدرك لحقيقة أن قضية فلسطين، التي بسببها يُفترض أن العرب يعادون إسرائيل، لم تعد قضية عربية (من الناحية الرسمية)، بل قضية فلسطينية، أي تهم الفلسطينيين وحدهم، بعد أن نفضت جميع الدول العربية يدها منها، ولكن ما زالت قلوب المواطنين العرب على فلسطين، ولكن نصرة الحق الفلسطيني تبدأ بنصرة الحق "الوطني"، بمعنى أن على مواطني كل بلد عربي تنظيف بلدهم، وصولا إلى محاكمة رؤساء الحكومات والوزراء إذا أخطأوا وأفسدوا.

والشاهد هو أن التهليل لمثول كل إسرائيلي أمام القضاء بتهمة الفساد او إساءة استخدام السلطة مدح بما يشبه الذم فيما قاله لنا من درسونا معلّبات علم البلاغة.

 

إقرأ أيضا: الشرطة الإسرائيلية توصي بمحاكمة نتنياهو.. هل يستقيل؟