ملفات وتقارير

ما الذي ستحصل عليه "قسد" من مفاوضاتها مع نظام الأسد؟

القوات الكردية تفاوض النظام على تسلم مناطق نفوذها في محاولة لمنع القوات التركية من دخولها- جيتي

جاء قرار الرئيس الأمريكي بسحب قوات بلاده من سوريا ثقيلا على الحليف الرئيس لها في سوريا والمتمثل في قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي وجدت نفسها فجأة مكشوفة الظهر، ومدفوعة نحو مفاوضات "صعبة" مع النظام تفاديا لهجوم تركي وشيك.

ويبدي النظام تعنتا واضحا في الاستجابة لشروط "قسد" مقابل تسلمه مناطق سيطرتها ونفوذها في الممتد من شرق الفرات إلى غرب نهر دجلة، حيث كشفت آخر جولة مفاوضات عقدت بين الجانبين، رفض النظام لمعظم الشروط  التي قدمتها "قسد"، خاصة ما يتعلق بالمحاصصة وتقاسم النفوذ، مستفيدا بذلك من انكشاف قوات قسد، وبقائها وحيدة في مواجهة "المخلب التركي". بحسب ما ورد من أنباء.

ودفع تعنت النظام السوري قيادة قسد إلى التوجه لتوسيط روسيا في محاولة للضغط على النظام وتحقيق ما يمكن تحقيقه، حيث كشف مسؤول في "الإدارة الذاتية" التابعة لقسد عن تقديمها خارطة طريق بشأن اتفاق مع النظام السوري خلال اجتماع جرى مؤخرا مع مسؤولين روس.


وقال بدران جيا كرد لوكالة رويترز، إن روسيا وافقت على التوسط، معتبرًا أن الكرد يرون أن روسيا تحاول فتح آفاق جديدة مع النظام.


وبدأت المفاوضات بين "قسد" والنظام السوري عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من شرق سوريا، منتصف الشهر الماضي.


وعقب ذلك بدأت القوات الكردية التفاوض مع النظام من أجل دخول قواته إلى مدينة منبج في محاولة لمنع القوات التركية من دخولها.


ويعمل الجيش التركي على استقدام تعزيزات إلى محيط منبج، تمهيدا لشن عملية عسكرية فيها ضد قوات " قسد" والمتحالفين معه، .بهدف ابعادهم من الشريط الحدودي.


الكاتب والمحلل السياسي سعد وفائي قال إن المفاوضات بين "قسد" والنظام السوري ستأتي بنتيجة صفرية، لأن الأخير لن يعطي لأي طرف أي مكاسب، مشيرا إلى أن الجماعات الكردية المسلحة تعي ذلك جيدا.

وقال وفائي في حديث لـ"عربي21" إن الجماعات الكردية خاصة تلك التي تناصب أنقرة العداء، تعرف جيادا ان النظام خانها وغدر بها أكثر من مرة ، وأن لن يمنحها أي مكاسب أو امتيازات في الشمال في أي اتفاق سيبرم بينهما سواء كان الاتفاق ثنائيا مباشرا أو برعاية روسية.

وأضاف المحلل السياسي أن المجموعة العربية (مصر والإمارات ودول أخرى) تسعى إلى تأهيل النظام السوري للقيام بمهمة وظيفية تتمثل في عزل تركيا عن عمقها في الإسلامي في الشرق والتي تتمثل منطقة الجزيرة العربية بشكل عام، ولذلك تقوم بدفع النظام للتفاوض مع "قسد" كي تتشكل جبهة ضد تركيا في المنطقة، مستغلة تحالفها مع واشنطن في تسويق النظام من جديد.

ورأى وفائي أن المفاوضات بين الجانبين لن تنجح ليس فقط نتيجة ضعف قوات قسد على ضوء انسحاب حليفها الرئيس الجيش الأمريكي، لكن السبب الرئيس أن تركيا دولة صاعدة في المنطقة ويحسب لها حساب، ولذلك أي اتفاق من أي نوع لن يكون بموافقتها؛ مصيره الفشل.

 

اقرأ أيضا: مصدر خاص بـ"عربي21" ينفي انسحاب "قسد" من منبج

وحول رفض واشنطن للمفاوضات بين النظام و"قسد" قال المحلل السياسي، إن أمريكا تعطي أضواء خضراء من تحت الطاولة، ولكنها في العلن تطلب من حليفها (قسد) عدم التوصل مع النظام لأي اتفاق، حتى لا تظهر وكأنها تتبنى اعادة تأهيل النظام.


"ورغم أن واشنطن تصرح بأنها لا تريد للأسد أن يستمر في الحكم، تحت ذريعة منع تمدد النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة، إلا أنها في ذات الوقت تدعم بقائه بسياساتها المبطنة، وصرحت غير مرة أنها تقبل بوجود الأسد خلال مرحلة انتقالية". بحسب وفائي الذي رأى أن تصريح أمريكا بالرفض للمفاوضات يأتي من قبيل حفظ ماء الوجه، وهي ليست جدية بمعنى أنها لن تعارض أو تعاقب حليفتها "قسد حال توصلت لاتفاق مع نظام الأسد".

من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد العزير إن قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية شكل صفعة قوية للأكراد، دفعها للسير في مسار منافي للثورة مرتين، في الأولى انقلبت على المعارضة لتحقيق مكاسبها، وفي الثانية ارتمت في أحضان النظام لوقف الهجوم التركي المرتقب.

وأضاف في مقال له نشرته "عربي21" أن أحد نتائج الدعم الأمريكي لـ "وحدات حماية الشعب" تمثل في نشوء حالة من العمى السياسي، فلم تدرك القوى الكردية حقائق التاريخ والجغرافيا، ونسوا أو تناسوا أن الجغرافيا السياسية تفرض سطوتها في نهاية المطاف، وأن المصالح الأمريكية العليا ستتحطم على الصخرة التركية بحكم الموقع الجغرافي الهام لها.

وكان من نتيجة ذلك أن خسر الأكراد ثقة المعارضة لأن "الاتحاد الديمقراطي" وأجنحته العسكرية رفضوا دعم الثورة وفضلوا المصالح الكردية الضيقة على المشروع الثوري، كما خسروا ثقة النظام لأنهم لم يتماهوا معه تماما. بحسب عبد العزيز.

وأردف: "لا نعرف بالضبط كيف ستنتهي الأمور في شرق الفرات، لكن الأكيد أن مرحلة القوة الكردية قد دخلت في نهايتها وإن احتفظوا بأسلحتهم، فالخسارة التي تلقوها ليست خسارة عسكرية فحسب، إنها خسارة دولة عظمى تخلت عنهم ولو جزئيا لاعتبارات دولية كبرى".

واعتبر أنه في جميع السيناريوهات المطروحة، سواء وصل النظام إلى الحدود مع تركيا أو قامت تركيا بشن عملية عسكرية، فإن الأكراد أمام مرحلة جديدة: خسارة في الأرض وخسارة في السياسة، وخسارة في الأيديولوجيا.

 

اقرأ أيضا: هل سيقبل الأسد بضم "قسد" إلى جيشه؟.. خبراء يجيبون

وحول المشروع الكردي بإقامة دولة قومية، قال عبد العزيز "إن الأكراد لم يعوا أن قضيتهم محكومة بالجغرافيا الميؤوس منها، وأن الدول الإقليمية الأربع التي يتوزعون فيها (تركيا، سورية، العراق، إيران) لا تسمح بقيام دولة كردية أو حكم ذاتي أقرب إلى الدولة، وما جرى في العراق لا يتكرر في مكان آخر لخصوصية التجربة العراقية.

وأضاف عبد العزيز قائلا: "بقد أخطأ "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يشكل القوة السياسية الكبرى للأكراد السوريين مرات عديدة: أولا حين رفض الانضواء تحت الثورة السورية ونيل حقوقه ضمن حقوق المواطنة الجامعة، وأخطأ ثانيا حين مارس عملية تغيير ديمغرافي بالقوة في مناطق ذات إرث عربي عميق، وثالثا حين أصر على إقامة فدرالية في بيئة محلية وإقليمية لا تسمحان بإقامتها".