قضايا وآراء

إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث بالقاهرة.. عليك أن تعرف ماذا بكاراكاس

1300x600
منذ أيام قليله حدث انقلاب في فنزويلا، وقام زعيم المعارضة خوان غوايدو، وهو رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، هناك بتنصيب نفسه رئيسا للدولة، ووعد بإجراء انتخابات مبكرة، مع العلم أن الرئيس الفنزويلي مادورا لم ينه سوى أقل من عام من مدته الانتخابية التي تستمر خمس سنوات، وهي الولاية الثانية، حيث تم انتخابه عام 2013 بعد وفاة الرئيس السابق هوغو تشافيز.

وفي نفس اليوم، بادر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالتصريح بتأييد زعيم المعارضة كرئيس مؤقت للبلاد، وطالب دول العالم بأن تحذو حذو بلاده وتعترف بالرئيس المنقلب، بل وقامت الولايات المتحدة بتقديم طلب لعقد جلسة خاصة واستثنائية لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأوضاع في فنزويلا. وبالفعل تم عقد الجلسة علنية وحضرها الوزير الأمريكي، وتراشق الوزير مع المندوب الروسي في المجلس حول الأحداث الجارية في فنزويلا. كما نالت الصين نصيبها من الهجوم الأمريكي عندما اتهمها بومبيو (مع روسيا) بدعم نظام فاشل في فنزويلا. وفي نفس الوقت قامت الدول الأوربية بمنح الحكومة الفنزويلية ثمانية أيام للإعلان عن انتخابات مبكرة، وإلا فإنها ستعترف بالمنقلب غوايدو رئيسا للبلاد.

إن ما يحدث وحدث في فنزويلا منذ أيام قليلة يعتبر نموذجا لما حدث أو يحدث أو سيحدث في أي بقعة من بقاع الأرض التي نعيش عليها الآن، سواء في القاهرة أو في دمشق أو في جاكارتا أو في الخرطوم أو في لاجوس أو في سانتيجو أو في الرياض أو في غيرها.. ولكني اخترت القاهرة في العنوان بمناسبة مرور ثماني سنوات على 25 يناير، وما زلنا نطالع العديد من الأحاديث والمقالات عن تلك الأحداث، ونقيم ما حدث خلال تلك الأيام الثمانية عشر التي عايشها المصريون، وأنه لو حدث ولم تغادر الجماهير الميدان!!! أو لو إن كانت هناك قيادة لتلك الجماهير!!! أو أنه كان من الضروري إفساح المجال للشباب لكي تعود الروح لمصر!!! أو أن الشعب المصري في حاجة إلى الوعي وأن الوعى مفقود!!! وغير ذلك الكثير والكثير من الاحتمالات التي يتم طرحها، وأنه لو تحقق أحدها لما كانت مصر على ما هي عليه الآن من استبداد وظلم وفقر وتبعيه.

وكما ذكرت، فإنه يمكن تطبيق هذا كله على ما يحدث في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن، وفي الكثير من الدول التي مرت بما يطلق عليه بالربيع العربي. وهي كانت المنطقة الساخنة عالميا والمليئة بالأحداث المتتالية خلال العقدين الماضيين، ومع بداية الألفية الجديدة ومنذ ما حدث في برج التجارة العالمي عام 2001، وما تلاها في أفغانستان والعراق وباقي أنحاء الشرق الأوسط الجديد.

إن مقولة حسنى البورظان (الفنان نهاد قلعي) في مسلسل صح النوم (وهو كان المؤلف) مع الممثل دريد لحام كانت سابقة لزمانها، وقد ذكرت في مقال سابق أنها كانت نموذجا لاستشراف المستقبل، عندما كان يقول أنك إذا "أردت أن تعرف ماذا يحدث في البرازيل فعليك أن تعرف ماذا يحدث في إيطاليا". وإذا كانت المقولة عام 1972 توقع واستشراف فإنها الآن حقيقة واقعة، لأن العالم كله أصبح قريه صغيره بل أصغر من ذلك في تقديري، حيث أصبحنا نعيش في قارب واحد وليس قرية، وهذا القارب وكل ركابه يتأثرون بأفعال وتصرفات أي من هؤلاء الركاب مهما كان حجمها، صغيرة أو كبيرة، فما بالنا بالركاب الأساسيين في القارب؟! والأمثلة كثيره على ذلك، فما حدث في برج التجارة العالمي تأثر به العالم أجمع، بل أصبح يوم الحادي عشر من سبتمبر تاريخا تؤرخ به الأحداث، كأن يقال: قبل أو بعد الحادي عشر من سبتمبر. كما أننا جميعنا نتذكر الأزمة المالية التي عصفت ببورصة نيويورك في نهاية عام 2008، وكيف تأثر العالم أجمع بهذه الأزمة، حتى أن إمارة دبي عاشت مرحلة من الإفلاس وقامت ببيع كل ما تملكه، حتى ناطحات السحاب، للكبرى أبو طبي، رغما عنها لتسديد ديونها، ناهيك عن الجوانب البيئية والمناخية والتي ثبت أن بعض التصرفات في العديد من الدول المتقدمة تؤثر بلا شك على مختلف مناطق العالم وتسبب ظاهرة التغير المناخي، وغيرها الكثير.

ومن هنا، يمكن القول أن التعامل مع الأحداث بشكل جزئي لا يجدي ويعتبر درجة من درجات قصر النظر؛ لأن العالم الآن لم يعد مثل ما كان يحدث في القرن الماضي من خلال تناول مشكلة قُطر معين، ويتم تقديم حلول لهذه المشكلة في ذلك القطر، ومن ثم يتم تطبيق تلك الحلول وتنفيذها بنجاح دون تدخل أطراف أخرى. فعلى سبيل المثال،  خلال مشكلة المسلمين في الهند في منتصف القرن الماضي، رأت المملكة المتحدة ومعها قيادات المسلمين في الهند وقتها أن الحل في فصل المسلمين وإنشاء دولة جديدة اسمها باكستان بطرفيها الشرقي والغربي، تضم المسلمين (مع العلم أن هذه الدولة الجديدة كانت تملك مقومات فشلها منذ اللحظة الأولى). ثم في أوائل السبعينات من نفس القرن رأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تقسيم باكستان إلى دولتين، هما باكستان وبنجلاديش، وتم ذلك وقتها. ولكننا الآن نرى مشكلة أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية وحركة طالبان والعلاقة مع الحكومة الأفغانية، فتجد أن دولا لم تكن تذكر على الخريطة العالمية حتى السبعينيات من القرن الماضي، تقوم بالتدخل في المشكلة وتستضيف وفودا من الطرفين سعيا لحل المشكلة. وبالطبع، لا نجد حلا وتستمر المشكلة. وهناك العديد من المشاكل العالمية تسير بنفس النمط، والذي يؤكد أن أي مشكلة لا تتأثر بمحيطها المحلي فقط، بل تتشعب مؤثراتها لتشمل مناطق متباعدة كما بين البرازيل وإيطاليا.

لذلك، فإنني أتوقف كثيرا عندما أجد من يعتقد أن حل المشكلة في مصر (أيضا لأجل مناسبة ذكرى 25 يناير) تتوقف على توحيد واصطفاف قوى المعارضة بتنوعها المختلف (إسلامية ليبرالية علمانية..)، في الخارج أو الداخل، بل كل فترة من الزمن هناك من ينادي بتكوين جمعية وطنية أخري أو مجلس ثوري جديد. أيضا عندما ينادي البعض بأن حل المشكلة السورية يكمن في خروج مليشيات حزب الله والقوات الإيرانية من سوريا، أو عندا مناقشة المشكلة الليبية يقول البعض إن حلها يكمن في خروج العميل حفتر من الصورة أو في تجميع القوى المسلحة الداعمة لمسار الثوار، وكذلك الحال في المشكلة اليمنية عندما يرى البعض أنه يمكن حل المشكلة باعتراف الحوثيين بحكومة منصور هادي، ونفس المنهج في التعامل نراه عند تناول العديد من المشكلات التي يواجهها العالم في منطقتنا العربية الإسلامية أو مناطق أخرى منه.. لأنه كما ذكرت، فإن الحلول الجزئية تنم عن عدم إدراك لإبعاد الصورة الكاملة، وهذا في تقديري أول مراحل الفشل التي نعاني منها على كل المستويات وفي كافة الملفات والقضايا.

وختاما، فإنه من الضروري أن ندرك أن حل المشاكل التي نعاني منها يحتم علينا أن نرى المشهد بكل أبعاده، وأن نعتاد أن ننظر أبعد قليلا من أسفل أقدامنا. إن استخدام نفس المنهج في التعامل، وهو التعامل الجزئي لن يحقق شيئا، ولو استمر استخدام هذا الأسلوب في التعامل عشرات السنين. فالعالم الغربي الآن يبحث في معامله ومراكز أبحاثه العلمية عن كيفية هزيمة الموت، ويجرى التجارب عن كيفية أن يمتد عمر الإنسان إلى مئات السنين، كما كان في عصر سيدنا نوح الذي استمر بالدعوة لمدة 950 عاما، بينما نحن ما نزال نبحث عن كيفية علاج الأطفال في اليمن وفي مصر وفي لبنان وسوريا وغيرها، حيث يعانون الفقر والجوع والمرض، مع أننا نمتلك أدوات مشروع حضاري يحقق لنا وللعالم أجمع الحرية والعدل والسعادة في كافة مناحي الحياة، بل ويمكن تقديم القدوة لذلك. فهل نثق في أنفسنا وفي مشروعنا ونتقدم به؟؟ أم أننا سوف ننتظر لما سوف يحدث في كاراكاس حتى نعرف ماذا سوف يحدث في القاهرة؟

والله المستعان وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.