مقالات مختارة

الكيلومتر الأخير في الباغوز

1300x600

مئات الأمتار المربعة في ريف دير الزور، هي ما بقيت كأراض يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد ثلاث سنوات من إعلانه قيام دولته في العراق والشام، في هذه البقعة الأخيرة التي يحاصر فيها المئات من مقاتلي التنظيم، تدور مفاوضات حثيثة، يسعى من خلالها التنظيم إلى تأمين ممر آمن إلى بادية تدمر، لعله ينقذ ما تبقى من عناصره ويمنحهم أرضا جديدة ومساحة جديدة، لكن قبول التحالف الدولي وقوات قسد بهذا الممر الآمن يبقى خيارا مستبعدا، خاصة أن أنباء كثيرة كانت قد راجت عن تحقيق هذا الاتفاق بين التنظيم وقوات قسد، قبل أن تكذبها أصوات الطائرات الأمريكية التي قصفت مواقع التنظيم السابقة في بلدة المراشدة، لتجبره على الانزواء في مخيم الشيخ حمد في الباغوز.


المعلومات الواردة من أقرباء عناصر التنظيم، تقول إن المقاتلين الجهاديين في حالة يرثى لها، نسبة المصابين عالية، الغذاء شحيح، والمدنيون يعانون الأمرين. درجت عناصر التنظيم على الاتصال بأقربائهم وأسرهم خارج المنطقة المحاصرة، لإبلاغهم آخر الأخبار لديهم، وفي بعض الأحيان لـ«توديعهم» إذا توقعوا هجوما جديدا لقوات قسد، ومن ضمن المعلومات التي قالها أحد العناصر من المحاصرين لشقيق له، إن فرصة حصولهم على ممر آمن ضئيلة، وإن التفاهمات كانت تهدف لضمان معاملة العائلات والنساء والاطفال معاملة جيدة، ولكن أهم ما قاله هذا العنصر في تنظيم «الدولة» لشقيقه، إنهم اعتبروا قيام قسد بتسليم عدد من معتقلي التنظيم الذين سبقوا أن استسلموا لقسد، وتسليمهم إلى السلطات الحكومية العراقية، بمنزلة نقض للاتفاق بين الجانبين، وهذا هو السبب الذي دعا مقاتلي التنظيم المتبقين إلى إيقاف عملية استسلامهم لقسد، إذ إنهم يخشون سجون الحكومة العراقية ومعاملة الأجهزة الأمنية العراقية، لدرجة أن كثيرا من المقاتلين يفضلون القتال حتى الموت على أن يسلموا لحكومة بغداد.


يروي شقيق لأحد المقاتلين المحاصرين، أن هناك عناصر من التنظيم باتوا يتغذون على محلول «الماء والسكر»، وأن أحدهم يقول: «متى يجون حتى نخلص»، بمعنى أنهم يريدون قدوم قوات قسد للمعركة الأخيرة، وإن أدت لمقتلهم. تسريب صوتي من داخل الكيلومتر الأخير، قد يعطي صورة أخرى لملامح المشهد الأخير لتنظيم «الدولة» في أيامه الأخيرة، إذ أذاع حديثا لمسؤول في التنظيم، من الجنسية المغربية، بدا أنه يطلع مجموعة من زملائه في التنظيم على آخر تطورات المفاوضات، ويرمز القيادي المغربي إلى قضية علاج الجرحى الأسرى، الذين يسلمون أنفسهم، وأن العائلات التي سلمت نفسها ستعامل بشكل جيد، كان يكرر تعبير (هكذا يقول الكفار) في دلالة على عدم ثقته بوعود قوات قسد، وكان لافتا تبدل لهجته ولكنته إلى العراقية واستعماله بعض الكلمات العراقية خلال الحديث، دلالة على تأثره بكثرة العراقيين المتبقين في تلك المنطقة المحاصرة.


من الواضح أن التنظيم، سيفقد هذه البقعة الأخيرة، خلال الأيام المقبلة، وأن دولته تعرضت لضربة قاصمة، يصعب أن تتلاشى آثارها قبل سنوات، لكن ستبقى قوة للتنظيم في انتشار أفكاره ووجود خلايا له وعناصر مهيئة فكريا للانضمام له في مناطق العرب السنة في العراق وسوريا، وستبقى شعبية التنظيم تتغذى على السعار الطائفي من قبل مليشيات حكومتي بغداد ودمشق ضد معارضيها السنة، خصوصا مع هزالة القوى المعارضة وهشاشة فكرها، ما يعني محدودية البدائل التي يمكن أن تحل مكانه وتؤدي دورا مناهضا لبغداد ودمشق في هذا الصراع، الذي يبدو أنه قد حسم لصالح المحور الإيراني، لكن النار التي بقيت في الرماد قد تندلع عاتية لدى أي تحفيز في السنوات المقبلة.

 

عن صحيفة القدس العربي