صحافة دولية

فايننشال تايمز: نموذج دبي يواجه أزمة فما هو الحل؟

فايننشال تايمز: يبدو أن نموذج دبي الحالي لم يعد قابلا للحياة- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها في دبي، سايمون كير، يشير فيه لمخاوف الإمارة من نهاية نموذجها القائم على فكرة "ابن وسيأتون إليك"، ويتساءل عما إذا كان الاقتصاد القائم على سوق العقارات المتقلب قادرا على إصلاح نفسه. 

 

ويبدأ كير تقريره بالحديث عن المشروع الإنشائي الذي تعمل عليه الإمارة في خور دبي، وهو بناء برج عال، يتفوق على برج خليفة حامل اللقب العالمي بصفته أطول بناية في العالم، الذي سيحتوي على مساكن فارهة. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه تم تصميم هذا البرج المستقبلي على شكل صاروخ، وسيكون أعلى بقليل من برج خليفة، وقد تم وضع الشقق الفارهة للبيع قبل الانتهاء من المشروع، حيث عرضت الشقة بغرفة واحدة بقيمة مليون درهم إماراتي (272 ألف دولار)، لافتا إلى أن العرض شهد "إقبالا متميزا". 

وتفيد الصحيفة بأن خطة البناء تقوم على تحويل خور دبي، البالغة مساحته 6 كيلومترات مربعة، إلى مكان يستوعب 200 ألف ساكن، وهو مثال واضح على فكرة "ابن وسيأتون"، وهو النموذج الذي خدم حكام دبي بشكل جيد خلال العقود الأربعة الماضية، ويقوم على بناء عمارات في الصحراء أو في الأراضي المستعادة من البحر، وإنشاء بنايات فارهة تتوفر فيها أرقى وسائل الراحة، وبعد ذلك الجلوس براحة وانتظار أبناء العمالة الأجنبية الأثرياء ليتسابقوا على اقتناص شقة فيها. 

 

ويعلق الكاتب قائلا: "يبدو أن هذا النموذج لم يعد قابلا للحياة، فالرافعات تنتشر في كل مكان في دبي لكنها تبدو ساكنة، وسط التراجع الحاد الثاني خلال عقد من الزمان". 

 

ويستدرك التقرير بأنه رغم بدء العمل على بناء برج خور دبي قبل عامين، إلا أنه أساساته هي التي تم وضعها فقط، ولم يحدد بعد موعد لإكماله، فيما انخفضت أسعار العقارات بنسبة 25% منذ عام 2014، وقلل المتعهدون من عدد الموظفين، وأخروا دفع المستحق عليهم للمزودين. 

 

وتلفت الصحيفة إلى أن الآباء يتحدثون عن تراجع أعداد الطلاب في مدارس أبنائهم، مشيرة إلى أن النمو المحلي العام انخفض بنسبة 1.9% العام الماضي، ما يعد أدنى تراجع للإمارة منذ عام 2010. 

 

وينقل كير عن مدير شركة، قوله: "هناك حاجة لإعادة تشكيل النظام التجاري بأكمله"، مرجحا ازدياد العسر أمام شركات الإمارة هذا العام، وأضاف أن "الكلفة عالية جدا للحفاظ على هذا المستوى من النشاط". 

 

وينوه التقرير إلى أن حكام دبي، الذين لم ينتقدوا إلا في النادر النموذج التجاري الذي حول البلاد وجعلها مركزا تجاريا وماليا وسياحيا في المنطقة، يوافقون على هذا الوضع، مشيرا إلى أن حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قام بعقد سلسلة من اللقاءات مع مديري الشركات الكبرى، وناقش معهم سبل تقوية الاقتصاد، مثل تخفيض رسوم خصخصة الكيانات الخاضعة للدولة؛ من أجل إحياء الأسواق المالية الساكنة. 

 

وتكشف الصحيفة عن أن مجلس المديرين في دبي استعان باستراتيجيي "أند" الفرع التابع لشركة "بي دبليو سي"؛ لتحويل بعض الأفكار إلى سياسة، وقال مستشار" "قصد من لقاءات عصف الدماغ المساعدة في فهم التحديات والحصول على أفكار للقطاع الخاص.. يعلم مجلس المديرين التنفيذيين أن هناك ضغوطا".

 

ويبين الكاتب أن الهدف في الوقت الحالي، الذي تشهد فيه البلاد تخفيضا في القوة العاملة، خاصة بين عمال المكاتب، هو تقوية النمو السكاني، خاصة بين العمالة الأجنبية الغنية، وتوفير حس بالانتماء للعمالة الوافدة، ودفعها للاستثمار الطويل، خاصة أنها تشكل نسبة 92% من عدد سكان الإمارة البالغ 3.2 مليون نسمة، ولا يحق لهم الإقامة في الإمارة في حال خسروا وظائفهم. 

 

ويذكر التقرير أن المشاركين في اللقاءات حثوا الحكومة على منح المستثمرين مزيدا من الأمن، من خلال برامج إقامة طويل المدى، فمن الناحية التقليدية كانت هناك دورة عالية من العمالة الوافدة التي تعيش في دبي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تزايد أعداد العمالة في البقاء في دبي لوقت أطول.

 

وتشير الصحيفة إلى أنه لمواجهة زيادة كلفة المعيشة فإن دبي قررت تجميد الرسوم المدرسية ورسوم الخدمات الحكومية لأجل غير مسمى، وقال وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الدولية عبد الله آل صالح في الأسبوع الماضي، إنه سيتم منح تأشيرات طويلة الأمد "لتعزيز الثقة". 

 

ويقول كير إن هناك خطة للسماح للأجانب بملكية شركات مئة بالمئة خارج المناطق التجارية، التي تستثني في الوقت الحالي الحصول على وكيل تجاري، وهو توجه جديد لتحسين المناخ التجاري والتقليل من النفقات، مشيرا إلى تحذير المسؤولين في دبي من أن نجاعة هذه الإجراءات تحتاج لوقت. 

 

ويلفت التقرير إلى أن البعض تساءل عن استماع الحكومة لهم ولمظاهر قلقهم، وقال أحد من حضروا اللقاءات: "بدا وكأننا نتحدث بلغة مختلفة.. نتحدث عن استثمارات طويلة الأمد ونمو لكنهم لا ينظرون أبعد من المخاطر الأمنية". 

 

وتفيد الصحيفة بأن منح الأجانب حقوقا أكبر أمر لم يحظ تقليديا بشعبية داخل المجتمع المحافظ في دبي، البالغ عددهم 250 ألف نسمة، فيخشى البعض من خسارة السلطة والسيطرة، فيما تخشى السلطات الأمنية من استيراد المشكلات الجيوسياسية لدبي الآمنة، لافتة إلى قول مصرفي مقيم في الإمارات إن "هذه التغيرات غير كافية.. نريد قصة جديدة". 

 

ويبين الكاتب أن "هذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها نموذج دبي الاقتصادي للتغيير، فهذه المدينة قامت على أساس التجارة المفتوحة والتواصل العالمي، إلا أنها وجدت نفسها وسط الأزمة المالية العالمية، وواجهت مخاطر أن تكون ضحية أولى للأزمة لكنها تجاوزت العاصفة، وهذا بفضل 20 مليار دولار قدمتها أبو ظبي، العاصمة الغنية بالنفط وأقوى وأثرى إمارة بين الإمارات السبع". 

 

ويجد التقرير أن الأزمة كشفت عن اعتماد دبي المفرط على القروض، ففي عام 2009 عانت من ديون بقيمة 109 مليارات، وأجبرت الشركات المملوكة من الدولة على إعادة ترتيب نفسها، مشيرا إلى أن الأزمة أدت إلى نقاش حول فطم الإمارة عن الاعتماد على دورة سوق العقارات، إلى جانب نقاش بشأن حكم رشيد وشفافية. 

 

وتنوه الصحيفة إلى أن حكام الإمارة طبقوا إصلاحات مالية وفي سوق العقارات، التي وإن كانت متعاطفة مع القطاع المالي إلا أنها حاولت إعادة ترتيب الديون.

 

ويشير كير إلى أن ثورات الربيع العربي عام 2011 منحت دبي فرصة لتقدم نفسها على أنها واحدة من المجتمعات الأكثر انفتاحا وليبرالية وملجأ للهاربين من الحروب الأهلية، أو المتهربين من دفع الضريبة، لافتا إلى أنه مع أنه لا يوجد في دبي إلا نفط قليل، إلا أن دورها كونها منطقة لإعادة تدوير البترودولارات يعني أنها تعمل بالترادف مع جيرانها المصدرين للنفط. 

 

ويلفت التقرير إلى أن زيادة أسعار النفط بعد الربيع العربي أدت إلى مساعدة المدينة- الدولة، وفي الوقت ذاته أدى حصول الإمارة في عام 2013 على حق استضافة "إكسبو 2020" إلى زيادة في مجال البناء، مشيرا إلى أن إكسبو، الذي يعتقد المنظمون أنه سيجذب 25 مليون زائر، يقام على مساحة 1082 فدان، بما فيها 370 فدانا ستخصص للإقامة والضيافة والمحاور اللوجستية.  

 

وتستدرك الصحيفة بأن تراجع أسعار النفط خلال الأشهر الـ12 الماضية أدت إلى انكماش كبير في معظم الخليج، وقررت الحكومات في المنطقة، بما فيها الإمارات، تخفيض النفقات وفرض الضريبة، فيما عانى القطاع الخاص من زيادة الرسوم الحكومية.

 

ويقول الكاتب إن التغير في الديناميات الإقليمية فرض على دبي خيارات لم تكن تريدها، فقرارات السياسة الخارجية لأبو ظبي أجبرت دبي على الاختيار بين السياسة والتجارة، مشيرا إلى أن قرار حصار قطر، الذي قادته الإمارات والسعودية، أجبر الدوحة على تجميد حساباتها في الإمارات، بالإضافة إلى أن تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران أضر بحركة الشحن التجاري في منطقة جبل علي، فيما أثر التدخل الإماراتي في اليمن على سمعة الإمارة، وكلف البلاد مليارات الدولارات. 

 

ويشير التقرير إلى أن أصحاب الأعمال يخشون من أن هذه العوامل مجتمعة تخلق مناخا مسمما يشكل خطرا أكبر من ذلك الذي مثلته الأزمة المالية العالمية عام 2008.

 

وبحسب الصحيفة، فإن المبيعات من السيارات إلى الملابس تراجعت بنسبة 50%، فيما هناك توقعات بأن تتراجع بنسبة الثلث خلال العامين الماضيين، لافتة إلى أن أصحاب الفنادق يقومون بتخفيض أسعار الفنادق في ظل بطء في حركة السياحة. 

 

ويذكر كير أن المطاعم أغلقت أبوابها، حيث حل محل الأثرياء الأجانب من هم أقل خبرة، الذين يقومون بتوفير المال بسبب الأجور المتدنية التي يحصلون عليها، مشيرا إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات التي تتخذ من دبي مقرا لها، تقوم بالتخلص من العمالة التابعة لها، أو نقل عملياتها للأسواق الأوسع، مثل مصر والسعودية، كما فعلت شركة بيبسي كولا، التي تخلت عن نسبة 30% من قوتها العاملة. 

 

وينقل التقرير عن شريف المليجي، من شركة بيبسي المحلية، قوله إن "التجارة الدولية واجهت ضربة، ولهذا تقوم بنقل موظفيها"، في إشارة للضريبة التي فرضت على المشروبات الغازية، التي أدت إلى تراجع المبيعات منذ عام 2017. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مدير الاستراتيجيات في الشركة الهندسية الأمريكية "إيكوم" ديفيد كليفتون، قوله: "يمكنك التوفير في المدرسة والسكن وتحويل العمل لمحلي"، وتخلصت الشركة خلال الأعوام الماضية من حوالي 150 ألف وظيفة تتعلق بالإنشاءات. 

 

ويفيد الكاتب بأن رحيل العمالة الوافدة يزيد من متاعب النمو في دبي، الذي وصل لأدنى درجاته منذ عام 2010، وقال مسؤول في الإمارة: "قبل عقد كانت الحكومة تواجه مشكلة لكن القطاع الخاص لم يتأثر.. الآن يتأثر القطاع الخاص أكثر". 

 

ويؤكد التقرير أن دبي ينسب إليها النجاح في تطوير أكثر الاقتصاديات تنوعا في المنطقة، حيث قامت أولا على التجارة والنقل، ثم تحولت للسياحة والتصنيع والمال، لكنها ظلت تعتمد على قطاع العقارات، الذي يشكل ثلث أو ربع الناتج المحلي. 

 

وتلفت الصحيفة إلى أن الباحثة في شركة "جي أل أل" دانا سلبك، تتوقع استمرار الانخفاض في سوق العقارات هذا العام، وإن بشكل أبطأ، وقالت إن نصف 60 ألف وحدة سكنية تحت الإنشاء سيتم تسليمها هذا العام.

 

ويستدرك كير بأنه في الوقت الذي تقول فيه سلبك إن الطلب الذي ولدته التحضيرات لـ"أكسبو 2020" سيعطي السوق الاستقرار، إلا أن المدير التنفيذي لـ"بي أن سي نتوورك" أفين غيدواني، يقول إن المشاريع المعلقة قد زادت إلى 980 مشروعا بنسبة 28% تحت الإنشاء. 

 

وبحسب التقرير، فإن الكيانات المرتبطة بحكومة دبي تدفع ديونا منذ سنوات، ولا تزال مدينة بقيمة 122.5 مليار دولار، أي ما يوازي نسبة 110% من الناتج المحلي العام، مشيرا إلى أنه مع أن دبي أثبتت خطأ المتشككين في الماضي، وظلت بمساعدة من جارتها أبو ظبي المركز التجاري الذي لا ينافس في المنطقة والرابط للأسواق في آسيا، إلا أن مديري الشركات يرون أن على الحكومة مضاعفة جهودها لتحسين الوضع، وتخفيض الكلفة المفروضة على التجارات الصغيرة، وإعادة قدرة الإمارة على جذب الشركات الكبرى. 

 

وتجد الصحيفة أن التحدي الأكبر هو وقف التراجع في سوق العقارات، في ظل دفع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم باتجاه بناء المشاريع الكبرى، التي ميزت دبي عن غيرها، لافتة إلى أنه بالنسبة للبعض فإن أي تغير سيكون متأخرا.

وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول مدير بارز: "أنا ذاهب إلى الصين، فهذا المكان ميت.. هذا المكان جيد للتقاعد، لكن أمامي عقدا من الزمان للعمل".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)