بورتريه

بن صالح.. رجل الرئيس في مهمة التسعين يوما

بن صالح
يعد من الموالين القدامى للرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وعضوا بارزا في المؤسسة الحاكمة، وعادة ما قام بتمثيل الرئيس "المريض" في المناسبات الرسمية، ودعم محاولة بوتفليقة الفاشلة لـ"عهدة خامسة".

يصفه موظفون عملوا معه  في مجلس "الأمة" بأنه رجل "دائم الابتسام إجمالا"، لكنه قادر على أن يكون "بغاية القسوة".

ويؤكد معارضون أنه "لا يملك موهبة خاصة في الخطابة"، وأن وفاءه للنظام وبعده عن الأضواء ساهما في إبقائه في السلطة فترة طويلة.

هو جزء من النظام الجزائري الذي يطالب الجزائريون بانتهائه وخروج رموزه من الحكم.

وضعته وظيفته التي تقلدها بدعم من الرئيس بوتفليقة في مهمة رئيس الدولة بالنيابة بعد استقالة رئيس الجمهورية.

وتقول الصحافة الجزائرية عنه إنه "يعرف كيف يكون مفيدا في الأوقات المناسبة، ولا يتكلم إلا لماما عن مسائل متعلقة بإدارة شؤون الدولة".

عبد القادر بن صالح، المحارب القديم، من مواليد عام 1941 في تلمسان القريبة من الحدود المغربية، بينما تشير مصادر جزائرية أخرى إلى أنه من مواليد عام 1942 بالقرب من سطيف. التحق بصفوف "جيش التحرير الوطني" الذي كان يقاتل الاستعمار الفرنسي ما بين عامي 1954 و1962، وهو في عمر الـ18 عاما، وكان مسؤول الدعاية السياسية.

غادر الجزائر غداة الاستقلال  في عام 1962، ليكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة دمشق، قبل عودته إلى الجزائر في عام 1967 للعمل صحافيا في يومية "الشعب" الرسمية.

وبعد مسيرة في الصحافة الحكومية، انتخب بن صالح نائبا في "المجلس الشعبي الوطني" للمرة الأولى في عام 1977. ثم أعيد انتخابه مرتين، كما أنه تولى مسؤولية رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس لمدة عشر سنوات.

وفيما بعد سيدخل بن صالح مرحلة العمل الدبلوماسي القصيرة، حين عين سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وديبلوماسيا في السفارة الجزائرية بمصر، ثم مديرا للإعلام وناطقا رسميا باسم وزارة الشؤون الخارجية في عام 1993.

ومع دخول الجزائر "العشرية السوداء" أصبح بن صالح رئيسا لـ"المجلس الوطني الانتقالي" الذي أنشئ بعد حل البرلمان وإلغاء الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".

وسيكون  فيما بعد من مؤسسي حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يتزعمه رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى، وسيفوز الحزب بالانتخابات التشريعية، ليعود مرة أخرى نائبا ورئيسا للمجلس "الشعبي الوطني" الذي تحول إلى "الغرفة الأولى" للبرلمان بعد إنشاء مجلس "الأمة" في دستور 1996.

بعد نحو خمس سنوات، سيعينه بوتفليقة عضوا في مجلس الأمة ضمن "الثلث الرئاسي" في مقابلة الثلثين الآخرين اللذين يتم اختيار أعضائهما بالاقتراع غير المباشر. وانتقل بذلك من رئاسة "الغرفة السفلى" إلى رئاسة "الغرفة العليا" في عام 2002، بعد وفاة محمد الشريف مساعده، وهو المنصب الذي يشغله إلى اليوم، والذي يجعل منه الرجل الثاني للدولة.

وبحسب الدستور الجزائري، فإن رئيس "مجلس الأمة" يخلف رئيس الجمهورية في حالات الوفاة أو الاستقالة أو المرض الخطير والمزمن. ويتولى في هذه الحالة رئيس "مجلس الأمة" مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

ويدور منذ سنوات جدل في الجزائر حول شرعية تولي بن صالح للرئاسة بالنيابة، وتقول المعارضة بأنه مغربي الجنسية أصلا وجنس في سنوات الستينيات، وهذا مانع لتولي الرئاسة في الدستور الجزائري. لكن بن صالح يؤكد أنه جزائري المولد والجنسية، كما جاء في سيرته الرسمية المنشورة في موقع "مجلس الأمة".

ومع ذلك تذكر صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية أنه من أصل مغربي، وأنه اكتسب الجنسية الجزائرية بالتجنس في  عام 1965 وعمره 24 عاما.

وسيكون من مهام  بن صالح في  الفترة الانتقالية تنظيم انتخابات رئاسية في بلد يشهد منذ أكثر من شهر حركة احتجاجات غير مسبوقة من متظاهرين يصرون على رحيل كل النظام الذي يعد بن صالح جزءا منه منذ أكثر من أربعين عاما، ولن تتوقف المطالب باستقالة الرئيس بوتفليقة فقط.

الرئيس الذي كان من ضمن "المجاهدين الجزائريين" الذين صنعوا استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي، لكنه انتهى تماما مثل الرئيس المصري محمد حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدن بن علي، باستقالة اضطرارية وهو جالس على كرسيه المتحرك، يوقع على استقالته ليعلن نهاية ولايته الرابعة.

استقالة ربما لم يكن مستعدا لها؛ فقد جاءت بعد ساعة واحدة فقط من كلمة قائد الأركان الجزائري أحمد قايد صالح، التي شدد على أنه "لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102".

استقالة ، جاءت بـضغط  أشبه بالتهديد من الجيش، بعد أن تجاهل المجلس الدستوري برئاسة الطيب بلعيز، أحد المقربين والمخلصين للرئيس المستقيل، دعوة الجيش إعلان "عجز الرئيس".

وكان أكثر ما أثار غضب قايد صالح، محاولة شقيق الرئيس المستقيل سعيد بوتفليقة، المناورة والتحالف مع قائد المخابرات السابق محمد مدين المدعو بالجنرال توفيق، والاستعانة بالرئيس السابق اليامين زروال، للالتفاف على مقترح تشكيل هيئة رئاسية تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن "الاستقالة المترددة" التي قوبلت باحتفالات صاخبة من المحتجين في الشوارع، لن تكون نهاية الثورة الجزائرية، التي ربما تكون قد بدأت للتو.

وتتحدث نخب جزائرية عن احتمالية استقالة رئيس "مجلس الأمة" بن صالح وترشحه للانتخابات، لكن من المستبعد أن يقدم على هذه  الخطوة  فهو، بحسب سياسيين جزائريين، شخصية مرفوضة لدى الشعب بأن يقود المرحلة الانتقالية فكيف بأن يترشح لانتخابات الرئاسة، وهو لن يحظى بقبول لدى الجزائريين الذين ثاروا على النظام الحالي.

ويرفض كثيرون تشبيه ما يحصل في الجزائر بالتجربة المصرية، فالجيش الجزائري "متخندق مع الشعب بخندق واحد، وإن المؤسسة العسكرية أثبتت أنها مع الشعب الجزائري وأنها تستحق الثقة" بحسب خبراء.

وسط فرحة الجزائريين بانتصارهم باستقالة بوتفليقة، تظهر مخاوف من سيطرة الجيش على المشهد السياسي في البلاد، وهي مخاوف مشروعة، فالسيناريو الكارثي في مصر سيكون خيارا سوداويا لن يحقق الاستقرار أو الأمن أو الرخاء الاقتصادي في البلاد.

ويقدم خبراء سياسيون وعسكريون نصائح للجيش بترك الجزائريين ليقرروا مستقبلهم دون تدخل والاكتفاء بالمهام المنصوص عليها للجيش في الدستور.

وفي منظومة الحكم في الجزائر، كما في باقي الوطن العربي، فإن كبار ضباط الجيش هم وحدهم القادرون على ضمان الحفاظ على النظام العام وملء الفراغ السياسي.

ويتفق عدد كبير من المحللين على أن الترشح للرئاسة في الجزائر يستند فعليا إلى الخيارات التي يتخذها الجيش والأجهزة الأمنية، ورجال الأعمال الذين أصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير، فضلا عن الشركاء الدوليين.

هل يرفض بن صالح المهمة الانتقالية ويستقيل ليترشح لمنصب الرئيس، وبالتالي يتولى المرحلة الانتقالية رئيس المجلس الدستوري، أم يعيد حساباته بدقة، فهو لن يلقى أي قبول من الجزائريين الذين لن يوقفوا  ثورتهم إلا بعملية تغيير كاملة للنظام ورموزه، كما يبدو من هتافاتهم.