قضايا وآراء

إسرائيل… الانتخابات التاسعة منذ أوسلو

1300x600

الانتخابات التي جرت في إسرائيل أول أمس الثلاثاء هي التاسعة منذ اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، مقابل مرتين فقط جرت فلسطينياً، كما العادة فإنها أثبتت الحيوية الإسرائيلية والانزياح الجماهيري المستمر لليمين المتطرف، وكون الدولة كما يتضح من تأييد الأحزاب الكبرى، لقانون الدولة اليهودية ديمقرطية لليهود، يهودية للعرب. للمفارقة فإن تغيير هذه الحقيقة الأخيرة منوط حصراً بازدياد نسبة التصويت في المناطق العربية، وبالتالي زيادة التمثيل في البرلمان وهو للأسف ما لم يحدث.

 

انتخاباتهم وانتخاباتنا

الانتخابات كما قلنا هي التاسعة منذ أوسلو، تغير خلالها خمسة رؤساء وزراء؛ وهي باتت تجري كل ثلاث سنوات في العقد الأخير، ما يعني مزيدا من الاستقرار السلطوي مع إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، هي تضخ بالتأكيد مزيدا من الحياة والحيوية فى شرايين الحياة السياسية والحزبية، وهذا ما لا يحدث عندنا للأسف، حيث أجريت الانتخابات مرتين فقط، الأحدث منهما قبل 13 عاماً، والرئيس محمود عباس متواجد في السلطة منذ 14 عاماً، رغم أنه ثمانيني هرم مريض، وبالتأكيد ما كان ليتجاوز أصلاً أي امتحان ديمقراطي شفاف حزبي ووطني عام، بينما بدا المجلس التشريعي حتى قبل حله عنوانا وتعبيرا عن الأزمة والانقسام الفلسطينى بدلاً من أن يكون جزءا أو عنوانا للحل. 

 

معسكر اليمين كان هو الفائز بالانتخابات مع 65 مقعد، هذا تعبير طبعاً عن تطرف الشارع وانزياحه المستمر لليمين،


بالعودة إلى الانتخابات الإسرائيلية، فقد تنافس فيها الحزب الجديد ـ أزرق أبيض ـ أو بالأحرى قائمة الجنرالات الحديثة العهد رأساً برأس مع الليكود حتى النهاية وحققت نفس عدد المقاعد وفق نتائج غير نهائية 35 لكل منهم، وهذا الأمر يتعلق بالرغبة في التغيير وانعدام البديل السياسي الحزبي لنتن ياهو، ما وجده الإسرائيليون عند العسكر ورؤساء الأركان السابقين، إلا أن الزيادة في المقاعد لكل منهما تتعلق بتكتيك الحملة الانتخابية في أيامها الأخيرة، حيث سعى كل من المتنافسين للوصول إلى المرتبة الأولى على حساب حلفائه ومن يتموضع في مربعه القريب، وكانت النتيجة انخفاض حصة حزبي العمل وميرتس بثلاث إلى أربع مقاعد ذهبت لأزرق أبيض قياساً لآخر استطلاعات أجريت الجمعة.

 

تراجع العمل وصعود الليكود


فيما يخص حزب العمل فإنه يتواجد على حافة الانقراض، رغم أنه حزب الطلقة الأولى والثكنة الأولى والطائرة والقنبلة النووية، هو يبدو كمن أضاع طريقه وافتقد إلى القيادة والبرنامج الجذاب وبات هامشياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. 

الليكود رفع حصته من 5 إلى 7 مقاعد قياساً للاستطلاعات الأخيرة التي سبقت الانتخابات، هذا عائد كذلك إلى تغيير التكتيك الانتخابي وسعيه إلى تضييق الفارق مع أزرق أبيض على حساب حلفائه في اليمين المتطرف، هذا حصل نتيجة هدايا ترامب وبوتين وتعهد نتن ياهو بفرض السيادة على مستوطنات الضفة الغربية، ما جرف له أصوات ومقاعد من حزب اليمين الجديد الذي قد لا يتجاوز نسبة الحسم كما انفتاحه؛ أي نتن ياهو ـ والليكود ـ على فكرة تشريع الماريجوانا ما سمح أيضاً بانتزاع أصوات من المتطرف موشيه فايغلين وحزبه الذي لم يتجاوز نسبة الحسم.

 

فوز اليمين


معسكر اليمين كان هو الفائز بالانتخابات مع 65 مقعد، هذا تعبير طبعاً عن تطرف الشارع وانزياحه المستمر لليمين، مع احتفاظ الأحزاب الدينية بقوتها حتى زيادتها بشكل ملحوظ، بدا لافتاً حصول تحالف أحزاب اليمين المتطرف الكهانية على 5 مقاعد، ما اعتبر نجاحاً لنتن ياهو الذي أجّل زيارته لموسكو من أجل رعاية التحالف خوفاً من تسرب الأصوات اليمينية. كما تجاوز حزب ليبرمان نسبة الحسم أيضاً وحصل على 5 مقاعد يبدو أنها جاءت من المصوتين الروس، والمفارقة أنه اتهم بالضعف والهزيمة في غزة من قبل نفتالي بينيت زعيم حزب اليمين الجديد وخرج ليبرمان منتصراً، بينما لم يتجاوز بينيت نسبة الحسم.

كما قلنا في مقال سابق هنا، ليس من يسار في إسرائيل وحزب ميريتس يسار بالمعنى الإسرائيلي، وعليه فإن اليمين بجناحيه المتطرف والتقليدي يهيمن تماماً على الكنيست منذ عقدين على الأقل، وباستثناء الأحزاب العربية وميرتس فهو بات يحتل غالبية المقاعد 106 من أصل 120.

 

انخفاض نسبة التمثيل العربي

عربياً؛ فقد انخفضت نسبة التمثيل العربي بمقدار الربع تقريباً، تراجعت من 13 لقائمة واحدة إلى 10 لقائمتين، واحدة منهما اجتازت نسبة الحسم بصعوبة، فى ظل إحباط شعبي من تفكيك القائمة المشتركة وحتى من آدائها نفسه، انخفضت نسبة التصويت بشكل كبير في المناطق العربية، ولم تلامس حتى 50 بالمائة مقابل 67 كمعدل عام، ما يعنى وجود تأييد ودعم لفكرة المقاطعة احتجاجاعلى اليمين وممارساته، رغم أن العكس هو ما كان يجب أن يحدث، أى الحفاظ على القائمة المشتركة وكثافة التصويت لزيادة عدد النواب العرب، وتقليص هيمنة اليمين جعلها نسبية أو جزئية وضعيفة.

سياسياً؛ لم تحضر القضية الفلسطينية بشكل جدي على جدول الأعمال الانتخابي، حتى الحزب البديل لنتن ياهو طرحها بشكل خجول، عموما فقد تم تجاهلها ونسيانها قياساً للواقع الحالي المحتمل إسرائيلياً في الضفة الغربية وغزة، وعندما طرحت حصل ذلك من زاوية المصلحة الإسرائيلية على المدى الطويل بعيداً عن الواقع الحالي الخادع الذي قد لا يدوم.

 

لم تحضر القضية الفلسطينية بشكل جدي على جدول الأعمال الانتخابي الإسرائيلي


حقق اليمين فوزاً لا شك فيه، ويبدو نتن ياهو فى طريقه لتشكيل الحكومة للمرة الخامسة، مستمراً في تهميش القضية الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وتعميق الانقسام والانفصام بين الضفة الغربية وغزة، إلا أنه سيواجه غالباً لائحة اتهام رسمية من المستشار القضائي، قد تطيح به نهائياً من المشهد الاسرائيلي، وتعيد خلط الأوراق السياسية الحزبية، والأهم أن المضي قدماً في سن القوانين العنصرية تجاه المناطق المحتلة عام 48 ومواصلة الاحتلال والهيمنة تجاه المناطق المحتلة عام 67 لن يحل مشاكل إسرائيل وأزماتها المحلية والدولية على المدى الطويل، وبالتأكيد لن يفرض الاستسلام والخنوع على الشعب الفلسطيني.

باحث وإعلامي