كتاب عربي 21

نقاش مبررات الهجوم على طرابلس

1300x600

اضطراب خطاب الجيش التابع للبرلمان لأجل تبرير الحرب التي شنها على العاصمة طرابلس يكشف عن إشكالية حقيقية في دوافع الحرب، وأنها لم تكن لأجل الوطن ولأجل استقراره بالدرجة الأولى، وإنما لدافع شخصي، ويُقر بذلك كثير من أنصار حفتر قبل خصومه.

اعتقد أن الرجمة وداعميها، وهم كثر، لم ينجحوا في تسويق مبررات حربهم على طرابلس لا على المستوى الداخلي ولا خارجيا، ولهذا ارتبك خطاب التبرير واضطرب وتغيرت بؤرة التركيز فيه. وهنا ذريعة القضاء على المليشيات.

 

المليشيات التي أراد حفتر وأنصاره تطهير العاصمة من رجسهم كانوا في مناسبتين محل تزكية وتقدير حفتر نفسه


في البداية ارتفع صوت مصدره "الرجمة" وارتج صداه في منابر عدة وكرره كثيرون من أنصار الهجوم على طرابلس مفاده، أن الحرب من أجل تحرير العاصمة من قبضة المليشيات التي تتحكم في القرار والثروة. ويواجه تمرير هذا المبرر تحديا خاصة مع تصدي قوات لها احترامها داخليا وخارجيا مثل قوة البنيان المرصوص، وقوة مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية للهجوم.

من ناحية أخرى، فإن المليشيات التي أراد حفتر وأنصاره تطهير العاصمة من رجسهم كانوا في مناسبتين محل تزكية وتقدير حفتر نفسه، بقوله إنهم يقومون بحماية العاصمة، وما كانت لتوصف بالإرهاب لو أنها انضوت تحت قيادة حفتر، وتمت تسميتها بقوات الجيش أو القوة المساندة، ولا مبرر لهذا التلون إلا لعبة السياسة.

 

الموقف الذي يجتمع حوله معظم المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية في أهم وأكبر مدن الغرب الليبي هو أن ضرر سيطرة حفتر على مقاليد الأمور أكبر من مفسدة وجود المليشيات


أضف إلى ما سبق أن الكتائب المسلحة التي تنسب إلى عائلة "الكانيات" في ترهونة تصنف على أنها جيش وذلك لأنها تشارك في الهجوم على طرابلس، مع أنها بمعايير شفافة وغير منحازة لا تختلف عن كتائب طرابلس في تكوينها وممارساتها، بل إن قوة الردع الخاصة، المصنفة ضمن الإرهابيين من قبل حفتر وأنصاره، أكثر انضباطا من العديد من الكتائب المنتسبة للجيش التابع للبرلمان، وتقوم بدور مهم في تأمين العاصمة من فئتين خطيرتين وهما تنظيم الدولة وأصحاب السوابق.

علاوة على ما سبق، فإن الموقف الذي يجتمع حوله معظم المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية في أهم وأكبر مدن الغرب الليبي هو أن ضرر سيطرة حفتر على مقاليد الأمور أكبر من مفسدة وجود المليشيات، فالأخيرة وضع غير مرغوب فيه ويمكن بتوافق حقيقي معالجته، أما حفتر فإن سيطرته ستكون استبدادية، فالرجل يقول لسنا جاهزين للديمقراطية وسلوكه في السنوات الخمس الماضية يكشف عن مدى استعداده للقمع بوحشية لفرض إرادته، مما يعني عودة البلاد إلى المربع الأول وضياع فرصة التحول الديمقراطي، الذي هو الخيار الوحيد لبناء الدولة وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

الإرهاب هو الهدف

تغير الخطاب من القضاء على المليشيات إلى ضرب الإرهاب في العاصمة، والإرهاب الذي يتطلب شن حرب شرسة وواسعة ينبغي أن يكون هو المظهر العام والمسيطر على مفاصل العاصمة، فهل هذا معقول وطرابلس تعج بالوفود الدولية وحوادث الإرهاب محدودة لا تبعد عن عددها حتى في بعض الدول المتقدمة؟

ما لا يريد الإخوة الداعين لهذه الحرب أن يتوقفوا عنده ويتأملوا فيه هو أن هذا الهجوم يفسح المجال للإرهاب لينشط من جديد، ويعزز وجود الكتائب المشرعنة والأخرى غير المشرعنة والتي تنادت لوقف العدوان، والعربون هو دورهم في التصدي للهجوم، والمسؤول الأول عن العودة خطوات للخلف هو حفتر وكل من ناصره في هجومه.

جئنا للحفاظ على ثروة الشعب

أما ذريعة هدر المال العام، والتي أسلم بوقوعها وتورط مليشيات في ذلك، فأقول هل تشع المنظومة الإدارية والمالية في المناطق الخاضعة لسلطان حفتر نزاهة وشفافية في إدارة المال العام ليصبح وقف هدر أموال الشعب في طرابلس مبررا مقبولا للحرب؟!

الجيش استنفد نحو نصف الإنفاق العام للحكومة المؤقتة خلال الأربع سنوات الماضية، والجيش استلم دعما كبيرا جدا من حلفائه العرب وغيرهم، فهل قدم كشف مصروفات مدقق ليظهر الفرق الجوهري بين إدارة المال العام في الشرق والغرب؟!

 

الهجوم يفسح المجال للإرهاب لينشط من جديد، ويعزز وجود الكتائب المشرعنة والأخرى غير المشرعنة


القائد العام للجيش رفض عدة دعوات للمثول للاستجواب أمام السلطة الأعلى ممثلة في البرلمان الذي منحه المنصب والرتبة، ولم يقدم لهم تقريرا تفصيلا قابل للتدقيق عن مصادر تمويله وقنوات إنفاقه، فهل سيتغير الوضع إلى الأحسن بعد أن يسيطر على العاصمة ويفوضه أنصاره الكثر تفويضا كاملا شاملا لا تعقيب عليه؟؟!!

تعالوا إلى كلمة سواء

اجمعوا يا إخوة كل المبررات التي سيقت لشن الهجوم والتي لا يخلو بعضها من وهن أو مطعن، إن لم يكن جميعها، وضعوها في كفة في مقابل كفة نتائج الحرب التي ظهر بعضها ويلوح في الأفق القريب بعضها الآخر، ولا يعلم إلا الله أثارها مجتمعة، ثم احكموا هل يمكن تبرير الهجوم على العاصمة والإصرار على استمراره وتأييد دوافعه؟

قد يقول قائل ما فيه خيار غير ذلك، لأقول إن الفشل في معالجة الأوضاع سلميا لا يبرر إشعال حرب لا يحمد عقباها، ثم إن أحد أهم أسباب الإخفاق في التوصل لتوافق يسهم في معالجة الوضع الأمني المختل هو هذا الإصرار على شخصنة القضية وربط مصير دولة بفرد.