قضايا وآراء

مستوطنة ترامب ومستوطنة الأسد

1300x600
بينما كانت طائرات موسكو تشن سلسلة غارات على بلدات إدلب بعشرات القذائف والصواريخ، ومدفعية النظام تقصف أريافها مع ريف حماة، كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي "يستمتع" بهدوء "عيد الفصح اليهودي" على مرتفعات جبل الشيخ في هضبة الجولان السوري المحتل، وكان بشار الأسد من قصر المهاجرين على سفح جبل قاسيون يعطي الأوامر لجيشه ومرتزقته بأن يمطروا البلدات والقرى السورية في الشمال بمزيد من حمم الموت..

الاثنان (المحتل والأسد) يعتليان أعلى قمتين.. قمة جبل الشيخ تكشف طريق دمشق- حمص من مرتفعات الجولان المحتل، والثانية في قاسيون حيث يتربع على سفحه قصر الأسد، ومراكزه الأمنية والعسكرية، التي كان لها فضل الإطباق والسيطرة على العاصمة السورية، وقصف وتدمير عدة مناطق في محيط العاصمة السورية.

والخبر، أن رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يعلن من قمة جبل الشيخ عزم حكومته بناء مستوطنة في هضبة الجولان السوري المحتلة تحمل اسم "دونالد ترامب"، وأنه سيطرح على الحكومة هذا القرار، وذلك "تقديرا" لاعترافه بـ"السيادة الإسرائيلية" على الجولان.

في زمن آخر، تكاد ظروفه تختلف كليا عن ظروف ما يتعرض له الشعب السوري، وجه سؤال لحافظ الأسد، أو "نصيحة" من قبل من يعرف ويهتم بالعقلية الصهيونية، مفادها: إذا كنتم تريدون فعلا استرجاع الجولان أو الأرض السورية المحتلة، فعليكم الدفع بالمجتمع السوري لكي يكون حيا وقائما في المناطق الحدودية المحاذية للمناطق المحتلة، لا أن تكون منطقة آمنة وهادئة للمحتل، وعليكم بناء القنيطرة كلها، وتوفير بنية تحتية فيها تجعل أهلها يصمدون فيها للأبد؛ لأنهم وحدهم لديهم القدرة على إعادة الأرض وإرباك المحتل".

انتهت النصيحة عند هز الأسد لرأسه دون إعطاء إجابة، مع أن مقدم "النصيحة" حينها يعرف الجواب، الذي يعرفه كل أهالي الجولان السوري المحتل، وكل من هُجر من القرى والبلدات السورية.. وكل زائر وعارف بطبيعة المنطقة الجغرافية من الجهة السورية يدرك معاني إبقاء المنطقة خالية من سكانها، أو من السوريين عموما، حيث كانت تصاريح الفروع الأمنية هي التي تمنحهم حق "التمتع" بقليل من شمسها وهوائها في مواسم سنوية.

وفي نصيحة موازية، وُجهت لقادة الكيان الصهيوني، من قبل خبرائه الأمنيين والمخططين الاقتصاديين، للاستفادة من احتلال مرتفعات الجولان، ومن المنطقة الشمالية التي تعد "عمق الطمأنينة" للمجتمع الصهيوني، ولما وفرته عقود الأسد الأب من أمن وهدوء؛ عاد بالفضل على إنشاء وتطوير كثير من الصناعات الإلكترونية والعسكرية في مصانع الشمال الصهيونية القريبة من الجولان، حتى باتت المنطقة لا تقتصر على إنشاء وجذب مشاريع اقتصادية عملاقة، بل وسياحية جرى استغلالها على مدار عقود..

نتنياهو "المستمتع" بثلوج جبل الشيخ، والمنتعش من هواء قمة الجبل، ويستطلع المنطقة عبر منظاره الضخم، يعلم ما فعله ويفعله ساكن القمة المقابلة في سفح قاسيون منذ خمسين عاما لم يسمح للسوري خلالها أن يكون ساكنا فوق أرضه على تخوم الهضبة المحتلة، حتى يتم توفير الأمن الذي بموجبه تكاثر الاستيطان وتعاظم اقتصاد الاحتلال. وتم التعامل مع السوريين أهل الجولان والقنيطرة، وكل المنطقة الجنوبية، بمبدأ الشك بولائهم لمستوطنة الأسد، والتعاطي معهم يمر عبر فروع الأمن الكثيرة التي استحدثت لإذلال أهل الجولان خاصة، والمنطقة المحاذية للمنطقة المحتلة، وعموم السوريين.

إعلان نتنياهو عن نية حكومته بناء مستوطنة "ترامب" في الجولان له رسالة واضحة، وهي أن مستوطنة الأسد في قاسيون هي التي تمنح المحتل إنشاء مستوطنات لأكثر من ألف سبب وسبب.. معادلة السيطرة والاستيطان لم تكن تنبع من فكرة المؤامرة فقط، بل هي خطط جرى تنفيذها بدقة بين المحتل والطاغية، إذ تشير كل حركة وسلوك أتى عليه الطاغية والمحتل بما يخص الجولان، أو ما تعلق بالمنطقة الحدودية من الجهة غير المحتلة، إلى أنها كانت تخدم خطط الاحتلال ومشاريعه. ويبدو أنها ستبقى كذلك طالما أن بوصلة الأسد لا تختلف عن بوصلة المحتل، وتلتقيان عند خط واحد، من سفح قاسيون إلى سفح جبل الشيخ، للاستثمار في مستوطنتي المحتل والطاغية.