مقالات مختارة

تنظيم يلد تنظيما

1300x600

ظهر أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، في تسجيل جديد، ليقول فعليا، إنه ما يزال على قيد الحياة، وأن التنظيم يعد العدة لموجة جديدة من العمليات.


التنظيم تعرض لهزائم كبرى في العراق وسوريا، ولا أحد يعتقد أن التنظيم قادر على شن حملات على ذات طراز ما شهدناه في العراق وسوريا، من حيث السيطرة على مساحات واسعة، أو السيطرة على ثروات مالية، وغير ذلك.


هذا يعني أن التنظيم إذا استطاع ترتيب أموره جيدا، فهو أمر خيار من خيارين، أولهما التركيز على العمليات الفردية، عبر مواصلة استقطاب الأنصار في دول العالم، وهذه أخطر بكثير، من العمليات الجماعية، وثانيهما، البحث عن ساحة بديلة، لساحات العراق وسوريا وليبيا، وهذا أمر يواجه تعقيدات كثيرة، وليس بالبساطة التي يتصورها كثيرون، خصوصا، أن الساحات التي تعد خارج يد التنظيم، لا يمكن أن تصبح تحت سيطرته بشكل مفاجئ، ودون سابق مقدمات.


على الأغلب سوف يبدأ التنظيم الآن حملة دعائية واسعة، من أجل استعادة الاستقطابات على المستوى الفردي، وخصوصا في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة، مع الإقرار هنا أن هذه المواقع لا يمكن اختراقها بهذه السهولة، وإن كان الأمر واردا، ولنا أدلة كثيرة، على عمليات سابقة، مثلما سنسمع عن عمليات قريبة في ساحات آمنة، وجديدة، ومفاجئة، تعويضا عن خسائر الساحات الكبرى.


التعليق الأهم الذي قرأته حول ظهور البغدادي، كان من قارئ عادي، سأل بكل بساطة، إذا ما كان أبو بكر البغدادي شخصية حقيقية أو وهمية، أو أنها شخصية تم توظيفها لأجندات محددة، ضد المحور الإيراني في العراق وسوريا، ولغايات تخريب المنطقة، وبعد أن نفذت الغايات الوظيفية لوجود التنظيم، وبات خطرا على دول أخرى، كان لا بد من تصفيته، وإنهاء وجوده في المنطقة.

على الأرجح نحن أمام شخصية حقيقية، تم توظيفها أيضا، عبر ترك مساحات واسعة لها لتتحرك تنظيميا، بهدف تصفية الحسابات مع معسكرات أخرى، ولأن اللعبة تجاوزت الحدود المفترضة، كان لا بد من إنهاء التنظيم، في هذا التوقيت بالذات.


الأمر المهم في الفيديو الذي ظهر فيه البغدادي، أنه يتحدث عن عمليات كثيرة ينسبها إلى التنظيم، وعمليات أخرى مقبلة على الطريق، لكنه لا يتحدث ولو تلميحا إلى مصير آلاف المقاتلين الذين تركهم في العراق وسوريا.


هذا يعني ضمنيا، أن أمام هؤلاء خيارات محدودة جدا، إما محاولة العودة إلى بلادهم، وهذا أمر صعب، وإما تسليم أنفسهم للسلطات العراقية والسورية، وإما تنفيذ عمليات جديدة، هربا من المصير الذي ينتظرهم، والمهم هنا، أن التنظيم يتخلى عنهم فعليا، ويتركهم لمصيرهم، ولا يترك لهم مخرج نجاة، ولا حتى خطة عمل، وفي كل الأحوال هي خيارات صعبة جدا، تقودنا إلى قرب نهاية التنظيم.


استغرقت قصة داعش من عمر المنطقة والعالم عدة سنوات، وتسببت بأضرار كثيرة للمنطقة ولسمعة الإسلام في العالم، وعلى الأغلب فإن التنظيم في نهايات وقته ولن يستمر، برغم كل الاحتمالات التي تم طرحها سابقا، وقد نجد أنفسنا أمام ولادة تنظيم جديدة، من تنظيم داعش، ضمن رؤية جديدة، وصياغة مختلفة، تأخذ في بالها كل الدروس السابقة، وهذا يعني أننا أمام تطور مختلف، سنراه هذا العام تحت عنوان جديد، وفي موقع جديد أيضا، بحيث يكون داعش الأب الروحي، لكن التنظيم الجديد مختلف في بنيته وبعض أفكاره وساحاته ووسائله أيضا.

 

عن جريدة الغد الأردنية