قضايا وآراء

احتجاجات يهود الفلاشا ومأزق دولة الاحتلال

1300x600
بشكلٍ عنيف جدا ودون مقدمات، اندلعت الاحتجاجات الشعبية العارمة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي يقودها يهود الفلاشا، احتجاجا على إطلاق الشرطة الإسرائيلية سراح شرطي كان قد قتل فتى إسرائيليا من أصول إثيوبية يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما، الأمر الذي اعتبره المحتجون تمييزا عنصريا ضدهم، لينزلوا إلى الشوارع بشكل فجائي ويعبّروا عن رفضهم لهذا الإجراء، ويغلقوا الطرقات الرئيسية ويرفعوا سقف الاحتجاجات، وينادون بإصلاحات اجتماعية واسعة. ولعل مشاهد الاضطراب التي عمّت شوارع دولة الاحتلال شكّلت مصدر قلقٍ وإزعاج للحكومة، بعدما خرجت الأمور عن السيطرة.

وصول رقعة الاحتجاجات إلى تل أبيب

اللافت للانتباه في هذا الحراك، هو وصوله إلى مدينة تل أبيب على مدار ثلاثة أيام متواصلة، وكذلك الأمر في مدينة حيفا التي تعتبر من المدن المهمة تجاريا وسياحيا في فلسطين المحتلة.

واضح تماما أنّ المحتجين لم ينزلوا إلى الشارع فقط للمطالبة بمحاسبة الشرطي الذي قتل فتى الفلاشا، بل إنهم يطالبون بحقوقهم كاملة وعدم ممارسة سياسة التمييز العنصري والعرقي ضدهم، لا سيما أنهم قادمون من أفريقيا، وربما يكون لون بشرتهم سببا في معاناتهم من العنصرية داخل دولة الاحتلال.

هل النسيج الاجتماعي في دولة الاحتلال واهن؟

رأى بعض المحللين السياسيين أنّ هناك عدة إشارات استفهام حول الاضطرابات في دولة الاحتلال، وأنّ القضية أكبر من تظاهرة هنا وتظاهرة هناك، بل إنّ هذه الاحتجاجات فتحت الباب على مصراعيه للشكّ أو ربما لليقين بأنّ النسيج الاجتماعي الإسرائيلي مضطرب من الداخل، ويعاني من أزمات داخلية مكبوتة، وبأنّ مقتل فتى الفلاشا بهذه الطريقة وبدمٍ باردٍ، ينم عن وجود النعرات العرقية لدى دولة الاحتلال، وبأنّ يهود الفلاشا يعانون من أزمات اجتماعية بسبب لونهم وعِرقهم، الأمر الذي سوف يُحرِج المحللين السياسيين الإسرائيليين، وبعض الذين راحوا في الآونة الأخيرة يمجّدون دولة الاحتلال ويطبّعون معها على أنها دولة حضارية تحترم مواطنيها، ولديها حضارة وتاريخ ضارب في الجذور، بينما أطلّ علينا المحلل الإسرائيلي إيدي كوهين وزميله الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي في الشهور الماضية، لِيُقدّما دولتهما على أنها رائدة الحضارة في الإقليم، وتقدم تكاليف معالجة الأسنان لأطفالهم بالمجان، في حين أنها تقتلع أسنان فتية الفلاشا، وتحرمهم من التعليم في بعض المدارس، ومن التوظيف في بعض الدوائر الحكومية، وهم لا يتمتعون بكامل الحقوق في دولة الاحتلال. وليسوا هم الوحيدون الذين يعانون من هذه المعضلة، بل إن التهميش يطال أيضا جُلّ اليهود الشرقيين الذين كثيراً ما رفعوا أصواتهم للمطالبة بوقف سياسة التمييز العنصري ضدهم.

دُلَّني على دولة في هذا العالم تقوم بإلقاء كميات الدم التي تمّ التبرع بها في القمامة؛ لأنّ المتبرعين من أصول إثيوبية. أو دُلّني على دولة في هذا الكون ترفض هجرة مواطنيها الإثيوبيين إليها بسبب لونهم وعِرقهم بذريعة أنهم يحملون أمراضاً سارية.

ألم ترفض غولدا مائير استقبال اليهود الإثيوبيين تحت ذريعة أنهم لا ينطبق عليهم قانون العودة لأنهم نصارى؟! ألم يبلغ معدل البطالة بينهم حوالي 65 في المئة في عام 2005م؟! ألا يعيشون في مناطق معزولة عن باقي اليهود الأشكناز والسفارديم؟!

إنها العنصرية الإسرائيلية البغيضة التي لم يسلم منها حتى أبناء جلدتها، وأقوامها الذين جاؤوا من الشتات ليستقروا في فلسطين.

هل ستكون الحكومة الإسرائيلية قادرة على استيعاب الموقف؟

مُخطِئ من يظن أن هذا الحدث في دولة الاحتلال عابرٌ وجزئي ومحدود النتائج، بل إنه أصاب الأمن الإسرائيلي في الصميم لأنه عرّى دولة الاحتلال الإسرائيلي على حقيقتها العنصرية القائمة على الباطل، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعا المحتجين إلى ضبط النفس وعدم تجاوز القانون، وعدم جر البلاد إلى مزيد من التوتر، كما طالبَ المعنيّين في حكومته بإصلاح مشاكل يهود الفلاشا، ودعا كذلك إلى اجتماع وزاري لمناقشة مشاكل هذه الأقلية، وأدان إغلاق الطرق وحرق السيارات ومهاجمة الشرطة.

وفي كل الأحوال، سواء أسيطرت الشرطة على الأوضاع هناك أم لم تسيطر، فإنّ الحقيقة قد عزّزت ظهورها القديم بأنّ عنصرية الاحتلال لا يمكن إخفاؤها وبأنّ إسرائيل داخليا وخارجيا ليست اليوم على ما يُرام.