اقتصاد عربي

موازنة لبنان 2019.. خفض للعجز دون إصلاحات حقيقية

لبنانيون يحتجون على السياسات الحكومية في البلاد- جيتي

أقر مجلس الشعب اللبناني مؤخرا الموازنة العامة لعام 2019، بعد جدال استمر لعدة أشهر أدى إلى تأخر إقرارها لنحو 8 أشهر، لتأتي محملة بالمزيد من الإجراءات التقشفية.

ويقدر مشروع الموازنة اللبنانية مجمل النفقات المتوقعة في موازنة 2019، بنحو 23.340 تريليون ليرة (15.56 مليار دولار)، في حين يبلغ مجمل الإيرادات المالية 19.16 تريليون ليرة (12.77 مليار دولار).

وتضمنت إجراءات الموازنة خفض العجز من 11.4 بالمئة إلى 7.6 بالمئة، وفرض رسم إضافي على رسوم السير السنوية المتوجبة على السيارات السياحية الخصوصية، ووقف العمل بالرواتب الإضافية التي تزيد عن اثني عشر شهراً في السنة، ومنع الجمع بين معاش تقاعدي وأي مبلغ شهري يدفع من المال العام.

كما شملت الموازنة، رفع الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة، وكذلك حسابات التوفير لدى المصارف من 7 بالمئة إلى 10 بالمئة، ومنع التوظيف والتعاقد بكل أشكاله ومسمياته في القطاع العام، بما فيه التعليمي والعسكري لمدة ثلاث سنوات.

ويعاني اقتصاد البلاد من تفاقم الدين العام حيث يقدر بأكثر من 86 مليار دولار والذي يمثل نحو 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل خدمة الدين 35 بالمئة من الموازنة، و11 بالمائة لسد ديون مؤسسة الكهرباء. 

كما تعاني مؤسسة كهرباء لبنان من ديون متراكمة بإجمالي 2500 مليار ليرة لبنانية (1.6 مليار دولار)، حيث خصصت الموازنة سلفه لها 1306 مليار ليرة (870 مليون دولار)، يضاف إليها ديون سابقة تقدر بنحو 1194 مليار ليرة (796 مليون دولار).

ويسعى صانعو القرار اللبناني إلى تحصيل أموال مؤتمر "سيدر" (باريس4) والتي تفوق قيمتها 11 مليار دولار وذلك من خلال إجراء بعض الإصلاحات الإقتصادية.   

واعتبرت وكالة "ستاندرد آند بورز"  للتصنيف الائتماني، أن مشروع الموازنة العامة في لبنان لسنة 2019 الذي يستهدف خفض العجز المالي إلى 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام أنه، "قد لا يكون كافياً لاستعادة الثقة التي تضررت في البلد المثقل بالديون".

وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يبلغ العجز في موازنة لبنان 2019 9 بالمئة، وتأتي توقعات الوكالة نتيجة تضخم رواتب القطاع العام وزيادة حجم فوائد الديون، ودعم الكهرباء.

وحذر صندوق النقد من أن المخاطر وأوجه الضعف مازالت قائمة بالنسبة للبنان، وعدم تحقيق الأهداف وإحراز تقدم في الإصلاحات قد يؤدي إلى تآكل الثقة، مشيرا إلى أن شراء السندات المنخفضة الفائدة المقترحة سيؤدي إلى تدهور ميزانية مصرف لبنان وتقويض مصداقيته، كما توقع أن تؤدي تدابير ميزانية لبنان لعام 2019 لخفض العجز المالي إلى نحو 9.75% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي لـ"عربي21": "إن الموازنة بالمطلق حققت المطلوب من لبنان بالنسبة لمؤتمر سيدر، حيث أن المطلوب كان تخفيض العجز، لكن دون ترجمتها لخطة اقتصادية خاصة فيما يتعلق بالمحفزات الاستثمارية، كما أنها لم تعالج مكامن الفساد في لبنان معتبرا أن موازنة 2019 لبت المطلوب ماليا ولكنها لم تلب المطلوب إصلاحيا".

وفيما يتعلق بملف الكهرباء الذي يكلف سنوياً أكثر من 800 مليون دولار، أشار عجاقة إلى وجود خطة وصفها بـ"الجيدة" لمؤسسة الكهرباء أقرتها الحكومة سابقا، لكن المشكلة تكمن في أنه لطالما عانت لبنان من تعطيل النواحي الاقتصادية بسبب الخلافات السياسية.

 

إقرأ أيضا: في لحظة حرجة.. لبنان يصاب بالشلل بسبب الصراع السياسي

ولفت إلى تعطل محكمة كهرباء دير عمار، سنوات طويلة بسبب خلاف سياسي، لكن بالشكل العملي جرى التعطل بسبب القلق من ضريبة القيمة المضافة على العقود.

وأثنى عجاقة، على تأجيل تشييد أبنية للإدارات العامة، في سبيل استغناء الدولة وإداراتها الرسمية عن أعباء استئجار المباني والإنشاءات التي تشغلها كمراكز ومكاتب لها، معتبرا أن الوقت الحالي لا يسمح بالمطلق بتحمل مثل تلك المشاريع، حيث أن الوضع الراهن يتطلب مزيدا من الاستقرار المالي وليس الخوض في مغامرات.

وأوضح، أن التوجه إلى التشييد في الوقت الحالي تكون التكلفة فيه مضاعفة حيث ستضطر الحكومة إلى تحمل تكلفة الإيجار بالإضافة إلى تكلفة التشييد، مضيفا إلى أن التوجه نحو تشييد مبان للحكومة خطوة إصلاحية، حيث أن ما تقوم الحكومة بدفعه للإيجار يعادل نحو ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما تحتاجه من المباني لأن الوقت "غير مناسب" وفق وصفه.  

ويرى عجاقة، أن تأخر إقرار الموازنة سيوثر بالسلب على ثقة الأسواق بالاقتصاد اللبناني ويزداد هذا التأثير كلما زادت المماطلات في إقرار الموازنة، مشيرا إلى أن الموازنة العامة بكل دول العالم هي التي ترعى الانتظام المالي لهذه الدول.

وأردف، أن الموازنة لم تتخذ أي إجراء تكافلي لتخفيف هذه الإجراءات على الطبقة الفقيرة، مؤكدا على أن الموازنة لم تحسن من وضع تلك الطبقة ولكنها لم تسوق إليهم مزيدا من الأعباء الضريبية. مع غياب الخطة الاقتصادية عن موازنة 2019 والتي تتضمن ثلاثة عناصر وهي الاقتصاد البحت والاقتصاد الاجتماعي والاقتصاد البيئي وبالتالي غياب الشق الاجتماعي من الموازنة.

من جانبه قال غازي وزني، الخبير الاقتصادي لـ"عربي21"، إن موازنة 2019 تعد موازنة "تقليدية أو حسابية تخلو من الرؤية الاقتصادية والاجتماعية".

وأوضح وزني، أن دعم الكهرباء يعد الدعم الأكبر، حيث يمثل تقريبا نحو تلت عجز الموازنة، معتبرا أنه يجب على الحكومة أن تدرج هذا الأمر ضمن الامور الإصلاحية بموازنة 2020 لمعالجة أزمة المالية العامة الناتجة عن أزمة الكهرباء، وذلك من خلال زيادة التعريفة المنخفضة جدا في الوقت الحالي، وزيادة الطاقة الإنتاجية، وتخفيض الهدر الفني و التقني.

واعتبر تأخر إقرار الموازنة لمدة 8 أشهر عن المدة القانونية والدستورية "عاملا سلبيا له تبعات متعددة على صعيد تمثيل المشاريع الاستثمارية، وعلى تقديم الاجتماعية للمواطنين، والنظام المالي في لبنان". 

ورأى وزني، أن موازنة 2019 "لم تعالج مشكلة خدمة الدين العام التي تمثل نحو 32 بالمئة من الموازنة، مطالبا بتعديله في موازنة 2020 من خلال التفاهم بين الحكومة من جهة ومن جهة ثانية مصرف لبنان والقطاع المصرفي فيما يتعلق بمعدلات الفائدة، وخصخصة بعض المرافق العامة في لبنان، وإشراك القطاع الخاص بعدد من المشاريع التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تحصيل نمو إقتصادي وخفض معدل الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي".

وقال: إن الموازنة "لا تتضمن اجراءت تخفض من مستوى الفقر في لبنان، أو تعالج أزمة الفقر المرتفعة جدا، فضلا عن مشكلة محدودي الدخل".