كشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية عن قائمة المرشحين الـ 26 للرئاسيات التي تنظم يوم 15 من أيلول (سبتمبر) المقبل، بعد أن سقط 62 مرشحا آخرون بسبب عدم اكتمال ملفاتهم.
وفي انتظار الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين يوم 31 آب (أغسطس) الجاري، يتطلع المراقبون للنتائج السياسية لهذه الانتخابات التعددية الرابعة في البلد، الذي انفجرت فيه شرارة الحراك الاجتماعي الشبابي والثورات العربية قبل نحو 9 أعوام.
فهل ستنجح هذه الانتخابات في تحقيق أهدافها وفي أن تعيد ثقة غالبية المواطنين في النخب السياسية، وفي الرهان الصعب على الديمقراطية في واقع إقليمي دمرته الحروب بالوكالة والأطماع؟
أم يحصل العكس فينهار "الاستثناء التونسي" بسبب تدهور الأوضاع المعيشية الداخلية والمضاعفات السلبية للحرب المدمرة في الجارة الشرقية ليبيا، ولغموض مستقبل الجارة الغربية الجزائر؟
تكشف التصريحات الأولية الصادرة عن غالبية المرشحين للرئاسة، حرصا على إعطاء الأولوية للملفات الوطنية على الشعارات الحزبية والجهوية والفئوية الضيقة.
تطمينات وتخوفات
وأرسل أغلبهم تطمينات لملايين الناخبين، بدءا من وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الذي استقال من منصبه، وأكد صبغته المدنية والعلمية، وأن ولاءه للدولة بعيدا عن أجندات الأحزاب.
وسار في المنحى نفسه رئيس البرلمان بالنيابة والقيادي في حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو، وهو أول شيخ معمم يترشح لرئاسة تونس عبر التاريخ.
وفي الوقت الذي حذر فيه عدد كبير من السياسيين والإعلاميين من إمكانية توظيف بعض المرشحين مواقعهم في الدولة في حملاتهم الانتخابية، وبينهم رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ورئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة، وجه هؤلاء تطمينات للرأي العام حول حيادية العملية الانتخابية الحالية في تونس، التي تشرف عليها للمرة الرابعة منذ تشرين أول (أكتوبر) 2011 هيئة عليا مستقلة، وليس رئاسة الحكومة أو وزارتا الداخلية والدفاع.
كما أكدوا كون هيئات مستقلة أخرى تراقب بدورها احترام كل المرشحين وأنصارهم للحيادية والقانون، من بينها الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري ومنظمات غير حكومية مختصة في المراقبة.
آلاف المراقبين من النقابات والمستقلين
وقد أعلن نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد نقابات العمال ونبيل بافون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وقادة عدد كبير من الجمعيات غير الحكومية ومن الأحزاب أنهم جندوا آلاف المراقبين لمواكبة عملية الاقتراع، وبقية اطوار العملية الانتخابية وضمان شفافيتها ونزاهتها، على غرار ما جرى في انتخابات تشرين أول (أكتوبر) 2011 وخريف 2014 ثم في الانتخابات البلدية في أيار (مايو) 2018.
لكن الحملات الإعلامية السابقة لأوانها التي تشهدها وسائل الإعلام الرسمية والمواقع الاجتماعية، تكشف أن الصراعات قوية جدا بين 4 تيارات، يشارك ممثلون عنها في السباق الجديد نحو قصر الرئاسة في قرطاج: التيار "المدني" والتيار الإسلامي القومي والتيار اليساري الاجتماعي ومن وصفوا بالمرشحين "الشعبويين"..
منشقون عن حزب قائد السبسي
أهم هذه التيارات وأقواها هو "التيار المدني" الموالي لحزب "نداء تونس"، الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في كانون ثاني (يناير) 2012 .
وقد حكم هذا الحزب تونس في الأعوام الخمسة الماضية رغم الانشقاقات التي عرفها وأدت إلى خروج عدة أحزاب من رحمه من بينها حزب "تحيا تونس"، بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزب "أمل تونس" بزعامة الوزيرة السابقة وسيدة الأعمال سلمي اللومي وحزب "مشروع تونس" بزعامة الوزير السابق محسن مرزوق، وحزب "بني وطني" برئاسة وزير الصحة السابق سعيد العايدي.
وينتمي إلى هذا "التيار المدني" أيضا قياديون سابقون في الدولة بينهم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي وناجي جلول وزير التربية والمستشار في قصر الرئاسة سابقا، وعبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والزعيم النقابي سابقا..
ولعل من بين معضلات النخبة التونسية أن كل هؤلاء "الزعماء" الذين انشقوا عن حزب قائد السبسي ترشحوا باسم أحزابهم، أو بصفة مستقلين للفوز بكرسي قرطاج بعده. وقد فشلوا في تقديم مرشح توافقي بينهم، مثلما فشلوا في تقديم قائمات مشتركة عند ترشحهم للانتخابات البرلمانية المقررة ليوم 6 تشرين أول (أكتوبر) المقبل.
التيار الوطني العروبي الإسلامي
هذا التعدد والتشرذم نلاحظه كذلك بين المرشحين المحسوبين على التيار الثاني الوطني العروبي الإسلامي، الذي يعتبر نفسه الأكثر وفاء لثورة 2010 ـ 2011 وانتفاضة شباب محافظة سيدي بوزيد، والمناطق المهمشة في تونس قبل 9 أعوام من أجل الشغل والكرامة والحرية.
يتصدر هؤلاء المترشحين رئيس البرلمان بالنيابة والنائب الاول لحركة "النهضة "عبد الفتاح مورو.
وقد فاجأ ترشيحه من قبل حركته المراقبين، لأنها أعلنت سابقا أنها ستكتفي بتقديم مرشحين للانتخابات البرلمانية، وستدعم شخصية من خارجها على غرار ما فعلت في 2011 و2014.
ورغم ما عرف به عبد الفتاح مورو من انفتاح ومواقف طريفة وشعبية في وسائل الإعلام التونسية والعربية طوال الأعوام الماضية، فإن ترشيح "شيخ يرتدي العمامة والجبة التونسية"، أثار حفيظة قطاع كبير من العلمانيين واليساريين والحقوقيين التونسيين، الذين انطلقوا في حملة تحذير من "الخلط بين الدين والسياسة" ومن "توظيف الجوامع في الحملات الانتخابية"، كما أوردت السيدة رجاء بن سلامة الكاتبة اليسارية والحقوقية والمديرة العامة للمكتبة الوطنية والإعلامية الناشطة النسائية آمال بالحاج علي.
لكن من بين نقاط ضعف هذا التيار أيضا كثرة مرشحيه: من الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي إلى رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي إلى زعيم الحزب المغاربي الطبيب والفنان لطفي المرايحي، وصولا إلى محامي الجماعات الإسلامية والسلفية سيف الدين مخلوف والإعلامي محمد الهاشمي الحامدي، زعيم حزب تيار المحبة ورجل الأعمال الشاب الاعلامي حاتم بولبيار.
التيار الاجتماعي اليساري
ظاهرة الانقسام والتشرذم نفسه برزت كذلك بين ممثلي التيار اليساري الاجتماعي، فقد ترشح من "الجبهة الشعبية" اليسارية السابقة التي تشكلت بعد اغتيال الناشط اليساري شكري بلعيد في شباط (فبراير) 2013 مرشحون بارزون، بينهم حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة والحزب العمالي الشيوعي والمنجي الرحوي القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي كان يتزعمه شكري بلعيد.
في الوقت نفسه ترشح زعماء سابقون من الحركتين اليساريتين بينهم محسن مرزوق زعيم حزب مشروع تونس وعبيد البريكي القيادي النقابي الذي أسس حزب "حركة تونس إلى الامام". وعن العائلة القومية العربية اليسارية ترشح الكاتب والصحفي المثير للجدل الصافي سعيد ورئيس المجلس الوطني لـ "حزب التكتل من اجل الحريات"، وزير المالية السابق الياس فخفاخ.
المرشحون " الشعبويون "
ويبقى من وصفوا بـ "المرشحين الشعبويين" من بين ألغاز الانتخابات التونسية المقبلة في محطتيها الرئاسية والبرلمانية.
فقد صنفت أغلب استطلاعات الرأي عددا من المرشحين "الشعبويين" في الصدارة، ورجحت فوزهم بالمراتب الأولى.
يتقدم هؤلاء رجل الأعمال والإعلام وصاحب قناة نسمة التلفزية نبيل القروي والجامعي المستقل قيس سعيد ورئيس فريق النادي الأفريقي السابق سليم الرياحي والإعلامي محمد الهاشمي الحامدي ومحافظ العاصمة السابق عمر منصور، والقيادية السابقة في الحزب الحاكم في عهد بن علي المحامية عبير موسى، التي أسست حزبا تعهد بحل حركة "النهضة" وحظر "كل أحزاب الإسلام السياسي" في صورة فوزها.
هل التوافق الوطني ممكن مجددا؟
في ظل هذا المشهد الفسيفسائي، وفي انتظار إعلان بعض المرشحين انسحابا من السباق الانتخابي قبل 31 آب (أغسطس) الجاري، هل يمكن أن تنجح مشاورات الكواليس في إقناع صناع القرار بحاجة البلاد مجددا إلى نوع من التوافق السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية؟
إذا لم يفز أي من المرشحين الـ 26 بأكثر من 50 بالمائة من الأصوات منذ الدورة الأولى للانتخابات يوم 15 أيلول (سبتمبر)، لن يكون أمام قادة الرأي ولوبيات السياسة والمال إلا خيار "إنقاذ ما أمكن إنقاذه"، والدعوة مجددا إلى "التعايش" و"التوافق"، والتعالي عن مزايدات الحملات الانتخابية، خاصة أن القانون الانتخابي لا يسمح لأي حزب بالفوز بالأغلبية في البرلمان، ويفرض بالضرورة إجراء تحالفات قبل تشكيل أي حكومة جديدة.
انتخابات الرئاسة بتونس.. هل وجدت النهضة ضالتها في مورو؟
تحديد أجندة الاستحقاق الرئاسي بتونس وتباين بمواقف الأحزاب
"نداء تونس" بعد السبسي.. هل يصمد ويحقق اختراقا بالانتخابات؟