قضايا وآراء

من يملأ الفراغ في أسواق الطاقة الآسيوية؟

1300x600

كشف إيغر سيتشين المدير التنفيذي لشركة "روسنفت" الجمعة 6 أيلول (سبتمبر) الحالي، عن قرار اتخذه المساهمون في مشروع "سخالين- 1" بتشييد مصنع للغاز المسال في منطقة "دي كاستري" التابعة لمقاطعة خباروفسك أقصى شرق روسيا المحاذية لحدود كوريا الشمالية والصين.

 

رغبة روسية


مشروع كشف عن رغبة روسية كامنة للاقتراب من أسواق جنوب شرق آسيا وعلى رأسها السوق الياباني والكوري الجنوبي؛ فاليابان شريك في تشييد وتشغيل المصنع الجديد، ذلك أن شركة (Sodeco) اليابانية للنفط واحدة من الشركات المساهمة في مشروع "سخالين- 1" وتملك 30 في المائة من أسهمه، إلى جانب إكسون موبيل الأمريكية، وحصتها في المشروع 30 في المائة، و20 في المائة تملكها شركة (ONGC) الهندية، وأخيراً 20 في المائة لشركة "روسنفت" الروسية.

 

الأسواق الصينية واليابانية والكورية الجنوبية والأوروبية قادرة على امتصاص فائض الانتاج الأمريكي والروسي في آن واحد في حال غياب المنتجات النفطية الخليجية؛


المشروع قابل للتوسع بإشراك المزيد من المساهمين من دول جنوب شرق آسيا بحسب ما أعلن الرئيس الروسي بوتين خلال محادثاته مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، محادثات دعا فيها الشركات الهندية للمشاركة في مشروع مصنع الغاز المسال الذي أطلقته "روسنفت"، وكذلك في مشروع "آركتيتك 2 للغاز المسال" الذي تنفذه شركة "نوفاتيك" الروسية المستقلة.

روسيا تسعى جاهدة لتوفير احتياجات الأسواق الآسيوية الواعدة من خلال مشاريع "روسنفت" التي تنتج ما يزيد على 6 ملايين طن من الغاز المسال في حين تنتج نوفتيك 11 مليون طن منافسة بذلك الولايات المتحدة التي تقاتل للسيطرة على الأسواق الأوروبية من خلال تحسين القدرات التنافسية لشركات الصخر الزيتي المتعثرة.

 

منافسة شركات الصخر الزيتي الأمريكية

شركات الصخر الزيتي الأمريكية تعاني من كلف مرتفعة وخطوط إمداد طويلة تفصلها البحار والكثير من المعيقات اللوجستية عن الاسواق الأوروبية والآسيوية؛ يزيدها تعقيدا انخفاض أسعار النفط عالميا إلى ما دون الـ60 دولارا وتذبذبها خلال العامين الماضيين بشكل أفقد هذه الشركات الاستقرار والقدرة على التطوير؛ كلف انعكست على عملية إنتاج  الغاز وجدواه الاقتصادية؛ إذ إن إنتاجه مرتبط بإنتاج برميل النفط ارتباطا مباشرا عندما يتعلق الأمر بالتكسير الهيدروليكي.

النشاط الروسي المنافس لم يقتصر على التوسع في بناء منشآت الغاز والمعامل؛ إذ امتد إلى خفض كلف النقل والتوسع في عقود الإنتاج لتشمل حقول كردستان العراق وحقل المنصورية في محافظة ديالى العراقي والذي تقدر احتياطياته بأكثر من 4 ونصف تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

الطموحات الروسية كانت كبيرة في العام 2017؛ إذ عملت روسيا على إنشاء خط أنابيب غاز يمر بكوريا الشمالية متجها نحو كوريا الجنوبية أمر أصبح ممكنا بعد تراجع التوتر في شبه الجزيرة الكورية ولقاءات ترامب مع الرئيس الكوري الشمالي كيم الذي وجه مؤخرا دعوة للرئيس الأمريكي ترامب لزيارة العاصمة بيونغ يانغ، إذ لم يكتف الزعيم الكوري الشمالي كيم بمجرد خطوات صغيرة تخطى فيها ترامب المنطقة الحدودية المحرمة بين الكوريتين.

 

الروس سيكثفون نشاطاتهم في قطاع الطاقة بعيد الهجمات التي تعرضت لها السعودية في حقل خريص ومنشأة بقيق على يد الحوثين أو الإيرانيين


طموحات روسيا كبيرة ويحدوها الأمل بالاستفادة من الممر البحري الشمالي المتشكل نتيجة ذوبان الثلوج في الدائرة القطبية الشمالية؛ زادها تفاؤلا ارتفاع حدة التوتر الأمني والسياسي في منطقة الخليج العربي ما يجعل من النفط الروسي أقل كلفة ومخاطرة لقربه من الأسواق الآسيوية والأوروبية؛ فانخفاض كلف النقل والتأمين المرتبطة بعقود النقل والتوريد تجعله منافسا للنفط السعودي الذي لا تزيد كلف إنتاج البرميل الواحد منه عن 3 دولارات فقط؛ كلف ارتفعت بارتفاع وتيرة التوتر الأمني في الخليح العربي رافعة من كلف النقل والتأمين؛ فضلا عن المخاطر العالية التي تهدد العقود الآجلة والعاجلة مع المملكة السعودية وشركة أرامكو يقابلها ميزات تفضيلية للنفط والغاز الروسي يقف على رأسها انخفاض المخاطر والقرب من الأسواق الأوروبية والآسيوية.

مخاطر العجز عن توريد شحنات النفط واردة وممكنة لكل من اليابان التي تستورد 25% من احتياجاتها من الخليج العربي والصين التي تستورد 65% من احتياجاتها من المنطقة ذاتها؛ فاستهداف حقل الشيبة ثم خريص ثم معامل بقيق فتح الباب أمام الصين واليابان وكوريا الجنوبية للبحث عن مصادر جديدة أقل مخاطره وأقل كلفة؛ وروسيا المرشح الأقرب والأوثق في هذه الحالة.

 

الهجوم على المنشآت النفطية السعودية قدم لروسيا فرصة ذهبية لتمرير وتسويق مشاريعها جنوب شرق آسيا


الروس سيكثفون نشاطاتهم في قطاع الطاقة بعيد الهجمات التي تعرضت لها السعودية في حقل خريص ومنشأة بقيق على يد الحوثين أو الإيرانيين فالأمر سيان وليس مهما بالنسبة للروس الساعين لبيع ترسانتهم من صواريخ أس300 وأس400 للسعودية أو بيع نفطهم لدول جنوب شرق آسيا وأوروبا؛ ولا لأمريكا التي تبحث عن وسيلة لتسويق منظومة باتريوت وتحسين القدرة التنافسية لشركات الصخر الزيتي المتعثرة.

الأسواق الصينية واليابانية والكورية الجنوبية والأوروبية قادرة على امتصاص فائض الانتاج الأمريكي والروسي في آن واحد في حال غياب المنتجات النفطية الخليجية؛ وبأسعار معقولة علما بأن اليابان وحدها شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية انخفاضا في الطلب على النفط بمقدار 11% ما يعني أن غياب المنتجين العرب ودول الخليج العربي لن يؤثر على الأسواق العالمية التي تشهد تراجعا في الإقبال على النفط لأسباب عديدة منها تراجع النمو العالمي والاعتماد المتعاظم على الغاز والطاقة البديلة والمتجددة.

ختاما الهجوم على المنشآت النفطية السعودية قدم لروسيا فرصة ذهبية لتمرير وتسويق مشاريعها جنوب شرق آسيا بإنشاء مصانع لغاز وأنابيب نقل النفط وصولا إلى الأسواق الكورية الجنوبية واليابان؛ كما أنها فرصة ثمينة للولايات المتحدة لتحسين الشروط التنافسية لشركات الصخر الزيتي الأمريكية برفع أسعار النفط وخفض كلف الإنتاج؛ فرغم المنافسة الروسية الأمريكية إلا أن الآفاق ستبقى مفتوحة للبلدين بعيد استهداف المنشآت السعودية لتطوير قطاع النفط والغاز لديها؛ ورغم تضارب المصالح الروسية-الأمريكية فإن الدولتين مستفيدتان من ارتفاع كلف المخاطر المرتبطة بالنفط السعودي والخليجي عموما؛ وغير معنيتين بوقف الصراع في الخليج العربي أو التورط في منطقة تحولت إلى مستنقع من النفط والغاز المشتعل.