صحافة دولية

نيويورك تايمز: ماذا فعل مقتل جمال خاشقجي لنا؟

نيويورك تايمز: قتل خاشقجي حمل رسالة تحذير للكتّاب والمثقفين والناشطين- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب اليمني فارع المسلمي، يقول فيه إنه بعد مقتل كاتب العمود السعودي جمال خاشقجي، فإن المثقفين والكتاب والناشطين في أنحاء الشرق الأوسط، يقومون بمراقبة أنفسهم خشية حكوماتهم.

 

ويبدأ المسلمي مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "آخر مرة رأيت فيها صديقي جمال خاشقجي كانت في أيلول/ سبتمبر 2017، عندما كان يستقر في منفاه الاختياري في أمريكا، وتناقشنا في السياسة، بينما تناولنا العشاء في مطعم ستيك في واشنطن".

 

ويقول الكاتب: "كون الشخص كاتبا يجرؤ على قول رأيه لم يكن طريقا سهلا في الشرق الأوسط، وبعد أن تم تعذيب وقتل جمال في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث تم تقطيع جسده.. خشي العديد من الكتاب والمفكرين والناشطين العرب من وضع جديد، فحتى أعلى الأصوات نقدا بدأت بفرض رقابة ذاتية والتردد".

 

ويضيف المسلمي: "بعد تأكيد مقتله أصابتني حالة من الصدمة وعدم التصديق والعجز والوحدة، وفي صباح يوم من الأيام أفقت من النوم وقد كسرت أحد أسناني لكثرة ما ضغطت عليه خلال النوم، حيث فكرت (إن هذا قد يحصل لي)".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "في عام 2011 وبعد اشتعال الانتفاضة ضد الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، بدا وكأن أبناء جيلي كلهم كانوا في الشوارع يطالبون بالتغيير والحرية، ونشطت أنا ومجموعة صغيرة من النساء والرجال الواعين سياسيا والمتقنين للغتين العربية والإنجليزية في الحديث للتلفزيون، وكتابة المقالات، والتعاون مع الصحافيين الأجانب، ومساعدة المنظمات الإنسانية في توثيق المجازر، وانتقدنا التغطية الإخبارية العالمية الرديئة لليمن على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان التجرؤ على الوقوف في اليمن عام 2011 يعني مخاطرة التعرض للاعتقال والتعذيب، وربما حتى القتل".

 

ويلفت المسلمي إلى أنه "تم استبدال الربيع العربي بالانحدار إلى تدخلات خارجية وحروب بالوكالة وثورات مضادة وانقلابات وانتقالات فاشلة وحملات قمع خانقة وأشكال مختلفة من استخدام النفوذ".

 

ويقول الكاتب: "في 2014 ساعدت على إيجاد منظمة أبحاث مستقلة في صنعاء لتقوم بالعمل في أنحاء البلد، فتعرض زملائي للاعتقال والتنمر والتهديد من أطراف الصراع المستمر كلها، وكل مرة يدق فيها الهاتف من أحد زملائي في اليمن أتوقع أخبارا سيئة".

 

ويفيد المسلمي بأن "الوضع ليس أكثر أمنا في مناطق أخرى من المنطقة، ففي 2016 أبعدت من البحرين، والعام الماضي أذن لي بزيارة صنعاء، التي تسيطر عليها حركة الحوثيين المسلحة، وبالرغم من تأكيدات لي حول سلامتي، أعطيت مساعدتي بيانا من 120 كلمة بخصوص احتمال اعتقالي أو موتي، الذي كان عليها أن تنشره إن لم تسمع مني بعد أكثر 24 ساعة".

 

ويقول الكاتب: "لقد قابلت جمال أول مرة عام 2009 في بيروت، في مؤتمر لمؤسسة الفكر العربي، التي أنشأها الأمير خالد بن فيصل آل سعود، وبدأت أتابع كتاباته وتحليلاته عن كثب، لأفهم في الغالب ماذا تريد حكومته أن يفكر الناس، فلسنوات عديدة كان محررا لإحدى أهم صحف السعودية الحكومية، وكان المستشار الإعلامي لرئيس المخابرات السعودية السابق".

 

وينوه المسلمي إلى أنه "في آذار/ مارس 2015 بدأت السعودية تقصف اليمن، وكنت في صنعاء، ورأيت جمال يستخدم حسابه على (تويتر) ليحيي القنابل التي تسقط على مدينتي، على الأرض في صنعاء رأيت الرجال والنساء والأطفال خائفين وتغطيهم الدماء، وأحيانا كان ينقل عنا في المقالات والمقابلات رأيين مختلفين، لقد كان مؤمنا وناشطا مؤيدا لحملة عسكرية تقودها السعودية في اليمن".

 

ويقول الكاتب إن "هذا ما جعل قتله يتسبب بهذا الكم من الخوف والرعب، فجمال لم يكن معارضا، بل كان مؤمنا بالسعودية والأمير محمد بن سلمان".

 

ويشير المسلمي إلى أنه "في نهاية صيف 2017 كنت أنا وجمال في مؤتمر في واشنطن، حيث تحدث بحماسة عن الربيع العربي، وصعود الأمير محمد وخطته (السعودية رؤية 2030) للتنويع الاقتصادي في المملكة، وكان جمال متحمسا لرؤية الأمير محمد، خاصة الخطة لـ(سعودة) الوظائف، وكان قد كتب كتابا تحت عنوان (احتلال السوق السعودية)، يدعو فيه تقريبا إلى طرد العمالة الأجنبية من السعودية، واختلفنا كثيرا حول هذا -فملايين اليمنيين يعتمدون على ما يرسله لهم أقاربهم العاملون في السعودية للعيش- لكننا استمعنا إلى بعضنا باحترام وقلوب مفتوحة".

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "بعد المؤتمر بيومين التقينا لتناول العشاء في واشنطن، وانضم إلينا الاقتصادي السعودي عصام الزامل، وكان جمال سعيدا لأنه وجد بيتا وكان يقوم بتأثيثه، وسألته إن كان ذلك مؤشرا على أنه ينوي الإقامة هناك، فأجابني: (نعم)، وفهمت حينها أن جمال لم يعد يشعر بأنه آمن في السعودية".

 

ويقول المسلمي: "لم أر أيا من الشخصين بعد ذلك العشاء، حيث كانت المخابرات السعودية في انتظار الزامل لدى عودته إلى الرياض في اليوم التالي، وأخذوه إلى السجن ولم ير بعدها، ومثل جمال كان الزامل مؤيدا للحكومة السعودية، وعندما التقينا كان في واشنطن يروج لرؤية 2030، لكن من الواضح أن خطأه كان أنه شكك علنا في حكمة خطة الأمير محمد لتعويم أسهم شركة (أرامكو)، وهي شركة النفط التي تملكها الحكومة".

 

ويضيف الكاتب: "كان معروفا أنه يصعب التنبؤ بما سيفعل الأمير محمد، لكن قتل جمال وضعه في عصبة المارقين في العالم، وفي أنحاء العالم العربي كله يقوم المفكرون والكتاب والناشطون بمراقبة ما يكتبون؛ لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن الحكومات ستفعل".

 

ويقول المسلمي: "في وطني اليمن يختلف الوضع قليلا، فقبل أن يسيطر الحوثيون على صنعاء كان في المدينة أكثر من 20 صحيفة يومية وأسبوعية مستقلة، والآن ليس هناك إعلام مستقل، ولكن فقط المنشورات الحوثية الطائفية".

 

ويفيد الكاتب بأنه "منذ 2015 قام الحوثيون بسجن أكثر 12 صحافيا، وفي كانون الأول 2016، تم اغتيال صديقي وزميلي محمد العبسي في صنعاء، وكان العبسي أشهر الصحافيين الاستقصائيين اليمنيين، لقد تم تسميمه في الوقت الذي كان يعمل فيه على تقرير استقصائي حول اقتصاد الحرب، وبعد ذلك بعامين قامت لجنة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة باستخدام تحقيق محمد والبناء عليه لاستنتاج أن أمراء الحرب الحوثيين كانوا أكبر لاعبين متورطين في الاتجار غير الشرعي بالوقود في اليمن، وقتلة محمد لم يعتقلوا أو يحاكموا".

 

وينوه المسلمي إلى أن "الناشطة الحقوقية السعودية منال الشريف، التي قادت سيارتها قبل أن يسمح الأمير محمد للنساء بقيادة السيارات، قامت مؤخرا بإغلاق حسابها على (تويتر)، لأول مرة منذ عام 2008، وحتى لبنان، الذي عشت فيه لسنوات، الذي أقدره بصفته واحة فريدة لحرية التفكير والتعبير والغناء دون قلق، بدأ يفقد حرية التعبير".

 

ويقول الكاتب: "بعد اختفاء الزامل، أرسلت رسالة إلى جمال رجوته ألا يعود للسعودية، وقلت له: (لن أستغرب أن تكون أنت التالي)، فرد علي: (كلهم يسقطون بالطريقة ذاتها)، مشيرا إلى الأنظمة الاستبدادية".

 

ويؤكد المسلمي أنه "بعد عام من مقتله، فإن الجثة لا تزال مفقودة، لكن الرسالة السعودية بالنيابة عن الديكتاتوريين في المنطقة كلهم سمعت جيدا: إن لم تقل ما نريد أن تقوله، ستموت ميته وحشية وتختفي جثتك ولن تدفن أبدا".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "جريمة قتل خاشقجي حذرتنا جميعا، وربما أخطر ما يواجهه العالم العربي اليوم هو أنه لن يترك أحدا ليصرخ أو يكتب أو يغني بأن الملك عار في منطقة ترزح تحت إمرة الكثير من الملوك".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)