قضايا وآراء

الجلوس في "المنطقة الآمنة" جوار نافذة "حقوق الإنسان والديمقراطية"!!

1300x600
منذ اللحظاتِ الأولى للانقلاب على الشهيد الدكتور محمد مرسي وما تلاه من أحداثٍ قمعيةٍ ومجازرَ مروعةٍ لأول مرةٍ في تاريخ مصرَ، بلغت ذُروتها الدَّموية في رابعةَ والنهضةِ، ثم مقتل أكثر من 900 معتقل على رأسهم الرئيس الشهيد محمد مرسي. بعد كل ذلك ثمةَ من يتأملون دعم الحكومات الغربية وأمريكا (عبر نافذة حقوق الإنسان والديمقراطية) في ملاحقة النظام العسكري الانقلابي على جرائمه وانتهاكاته في حق المصريين، والدفعِ نحو مسار الديمقراطية والحرية. وعلى مدار ما يقرب من سبع سنواتٍ مضَتْ من السعي لمحاسبة النظام العسكري الانقلابي على الجرائم التي ارتُكبت وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة، لم ينتج عن القُوى الدوليةِ سوى التصريحاتِ والتوصيات على استحياءٍ دون إجراءاتٍ ملموسةٍ على أرض الواقع.

وفي حقيقه الأمر أن الاعتماد على مسار واحد خلال معركة التغيير، عبارة عن رماية في العماية؛ فمسار "التوثيق والمتابعة الجنائية وجماعات الضغط" بمفرده لن يأتيَ بثماره مع قُوى النظام العالمي سواء على المدى البعيد أو حتى الأبعد، ولن يحقق النتائج المرجوة لمحاكمة المسؤولين أمام المحاكم الجنائية الدولية، وأن يُلزم القُوى الغربيةَ بما يُسهم في إحداث تغييرٍ في الأوضاع وينتصر للدماء التي سالت والحقوق والحريات التي انتُهكَت.

الواقع وشواهد التاريخ

لقد دأب الغرب على الإفادة من مسار الحقوقي والإنساني لدفع النظام في مصر لتحقيق مصالحه، ومصالح الكيان الصهيوني على حساب الشعب المصري؛ فيستمرُّ النظام العسكري الانقلابي في انتهاكاته، وفي الوقت نفسه يحقق ما يريده الغرب وأمريكا عبر مزيدٍ من الانبطاح للإرادة الخارجية، بحيث يضمن استمرارَه ولو على حساب المصالح الوطنية والثوابت الاستراتيجية.

فهذا المسار الحقوقي والإنساني منفردا لا يحققُ مكاسب تدفع في اتجاه المسار الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان؛ إلا ما يتماشى مع رغبات الغرب.

والغرب ومَعَه الأممُ المتحدة (التي يهيمن عليها) وسائرُ المنظمات الأخرى على مدار العقود الماضية؛ لم ينتصروا أبدا لـ"حقوق الإنسان" أو "الديمقراطية" إلا حيثُما تتحقق مصالح الغرب والكيان الصهيوني المُنتهِك الأول لـ"حقوق الإنسان" في فلسطين المحتلة. فالديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا مجرد دعاوَى وشعاراتٍ تتستر خلفها القُوى الدَّولية، خاصة إذا تعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبجماعاتٍ وأحزابٍ إسلاميةٍ أو أفرادٍ ينتمون إلى مَرجعيةٍ إسلاميةٍ، فإن حقوقَ الإنسان والحريات تُنحرُ نحرا على مَذبح المصالح وصراع الحضاراتِ. والأمثلةُ على ذلك لا حصرَ لها.

في مصرَ على سبيل المثال؛ حدَثَ أن منظمات حقوق الإنسان في أمريكا وأوروبا وقياداتٍ سياسية رفيعة طالبت بالإفراج عن علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، كذلك هبَّتْ انتفاضةٌ حقوقيةٌ عند احتجاز المخابرات الحربية للصحفي والناشط حسام بهجت، حتى إن السكرتيرَ العام السابق للأمم المتحدة "بان كي مون" أعرب عن قلقه تجاهَ ذلك. وهذا وإن كان أمرا جيدا ومحمودا، لكنْ هذه المنظمات وهؤلاء المسؤولون رفيعو المستوى، ليس لهم أثرٌ مما حدث للشهيد الرئيسٍ المنتخبٍ "الدكتور محمد مرسي"، وكذلك رئيسُ البرلمان المنتخب (الدكتور سعد الكتاتني) ووزراء حكومةٍ منتخبةٍ وأعضاء مجالسَ نيابيةٍ منتخبونَ من الشعب، وآلاف القتلى وعشرات الألوف من المعتقلين الذين ينتمون للتيار الإسلامي والأحزاب الإسلامية!

مبدأ حقوق الإنسان مِظلةٌ جميلةٌ تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم.

إن ملفَّ حقوق الإنسان والديمقراطية لا يتعاملُ معه الغربُ وأمريكا متجردينَ للقيم الإنسانية والأخلاق، ولكنه أداةٌ للاستغلال حسب مصالحه.

يُضافُ إلى ذلك أن الغرب وأمريكا ينظرون إلى مصرَ والبلادِ العربية والإسلامية نظرة دونية، ويَعُدُّونها مَفرخة للإرهابيين، ومِن ثَمَّ فحقوقُ الإنسان والديمقراطية بعيدةٌ عن طرق أبوابها.

لذلك، فإن على شعوبِنا المقهورةِ أن تدركَ بأن الديمقراطية الليبرالية الغربية حقٌّ خاصٌّ بالغرب، لا يسمح بتمتعِ الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية.

لذلك، الغرب راضٍ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفةٍ من المستبدينَ العربِ، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعَونها، فهو ينظر إلى أباطرة ومستبدي العالم العربي وكأنهم ضمانة "الاستقرار" له.

لذلك، المواقف الأمريكية والأوروبية تجاهَ مصرَ والمنطقة تنحاز دائما إلى مصالحها، ومحكومةٌ بهواجس ومصالح الكيان الإسرائيلي المحتل، الذي يرى في وجود حكومةٍ منتخبةٍ، ورئيسٍ منتخب بإرادة شعبية؛ تهديدا مباشرا لوجوده، ومن ثم الرغبة في السيطرة على مصر وإبقائها قيدَ الهيمنة والتبعية، والحفاظ على ذلك بعيدا عن أي تغيير.

من هنا كان دعم رأس قائد الانقلاب عبدِ الفتاح السيسي رغمَ الحالةِ الاستبدادية وانتهاكات حقوق الإنسان التي أنتجتها هذه المرحلة، وهي امتداد طبيعي للمخطط الاستعماري تجاهَ مصرَ، الذي يرتكز على إضعاف مصر، وهذا ما تعيشه مصر فعليا عبر قبضةٍ أمنيةٍ عسكريةٍ تولَّد عنها الانتهاكاتُ المتصاعدة للحريات وحقوق الإنسان، ويُعد الوضعَ المثاليَّ لاستمرار التبعية والهيمنة.