كتاب عربي 21

لماذا تفاوض أمريكا طالبان وإيران وأذرعها وتهمل الدول العربية؟

1300x600

لا تخطئ عين المراقب في ملاحظة أن الولايات المتحدة والدول الغربية عموما تتعامل مع إيران وأذرعها في المنطقة بطريقة تختلف عن تعاطيها مع الدول العربية. وينطبق الأمر نفسه على لاعبين آخرين في العالم مثل حركة طالبان. 

منذ وصول أوباما لمنصب الرئاسة في واشنطن وضع ضمن استراتيجيته هدف الوصول لاتفاق بخصوص المشروع النووي لإيران، وعمل على تحقيق هذا الهدف بعد سنوات من رئاسته بالاتفاق مع خمس دول أوروبية كبرى. وعلى الرغم من شعارات الرئيس ترامب الأخيرة والاحتكاكات العسكرية بين واشنطن وطهران في عهده، والتي كانت ذروتها عملية اغتيال قاسم سليماني قبل أسابيع والرد الإيراني المحسوب عليها، إلا أن كلا الطرفين يضعان أعينهما على الحل السياسي والمفاوضات، ولكن كل منهما ينتظر تحقيق شروط أفضل للتفاوض. 

لقد أعلن ترامب في عدة مناسبات أنه يرغب بالتفاوض مع إيران لتعديل اتفاق النووي الذي وقع في عهد أوباما، وبات واضحا أنه يريد أن يسجل أنه حصل على اتفاق أفضل من سلفه، ولكنه لم يضع إطلاقا "فيتو" على مبدأ التفاوض مع طهران.

ولم تقتصر رغبة واشنطن بالتفاوض مع طهران فقط، بل إنها بعثت برسائل تعبر عن رغبتها في الوصول لحل سياسي من خلال التفاوض مع الحوثي، وبحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في شهر أغسطس الماضي، فإن إدارة ترامب بدأت تسعى لعقد مفاوضات في سلطنة عمان مع الحوثيين بعد تكثيفهم للهجمات على أهداف سعودية في الصيف الماضي.

وقبل أيام، أعلن كل من الولايات المتحدة وحركة طالبان أنهما بصدد توقيع اتفاق سلام في الدوحة، بعد عدة جولات من المفاوضات التي رعتها قطر بين الطرفين، وبعد أكثر من 18 سنة من الصراع المسلح بينهما في أفغانستان.

وبينما تستعد واشنطن للتفاوض مع إيران وأذرعها، ومع طالبان، ومع تركيا أحيانا، فإنها لا تتعامل بنفس الطريقة التي فيها نوع من "الندية" مع الدول العربية، بل إن علاقتها مع هذه الدول أشبه ما تكون بالتبعية والإملاءات. وتبدو هذه العلاقة واضحة في عدة ملفات وطنية أحيانا، وعلى المستوي العربي والقضايا القومية أحيانا أخرى.

لقد فرضت واشنطن مثلا على معظم الدول ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية أن تصدر بيانا مرحبا بصفقة نتنياهو المسماة "صفقة القرن"، وكانت ديباجة هذا البيان لمعظم الدول العربية بنفس النص، وكأنها كتبت في مكان واحد في واشنطن!

 

كما أنها فرضت على السعودية ومصر وقطر عدم تنفيذ صفقات لشراء الصواريخ والطائرات الحربية الروسية بعد الإعلان عنها في هذه الدول كما يبدو، لأن هذه الصفقات التي أعلن عنها قد توقفت حتى الآن رغم الإعلان عن بعضها منذ سنتين ونصف.

وبرغم الخطاب الإعلامي للدول العربية عن "سيادتها" بخصوص حقوق الإنسان، إلا أن عددا من الدول العربية وأهمها مصر اضطرت للإفراج عن معتقلين يحملون الجنسية الأمريكية فيما يقبع عشرات الآلاف من المصريين في السجون في قضايا ملفقة وهزلية. ويبدو أن الأمر سيتكرر مع المعتقل السعودي الذي يحمل الجنسية الأمريكية وليد الفتيحي، الذي تضغط واشنطن منذ فترة للإفراج عنه.

ويبقى السؤال هنا: لماذا تتفاوض واشنطن مع أطراف تعتبر معادية لها، وتعاملهم بندية، بينما تمارس الضغوط على دول عربية يفترض أنها حليفة لها؟

إن الإجابة المباشرة على هذا التساؤل تنبع من سياسة هذه الدول العربية تجاه واشنطن، حيث إنها مستعدة دائما للتنازل لضغوط الولايات المتحدة، لأنها تعتقد أن مصدر شرعيتها في العالم هي واشنطن، والأهم والأخطر أنها تعتقد أن حماية أمنها القومي هو بالتبعية الكاملة لأمريكا، التي تمتلك 99% من مفاتيح اللعبة في الشرق الأوسط كما قال صراحة الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

فإذا كانت الدول العربية مستعدة دائما للتجاوب مع الضغوط الأمريكية، فلماذا ستسعى واشنطن لإرضائها أو التعامل معها بندية؟ وإذا كانت الولايات المتحدة تدرك بأن هذه الدول وضعت بيضها ونفطها وأمنها كله في السلة الأمريكية فلماذا ستسعى الأخيرة للتفاوض معها؟

إن عالم السياسة اليوم، وأمس، وفي المستقبل هو عالم قائم على القوة، سواء كانت قوة ناعمة أو صلبة

 

وإذا أرادت الدول العربية أن تعامل بندية مثل جاراتها من قبل واشنطن، فإنها يجب أن تدرك أولا أوراق قوتها، وأن تستخدمها ثانيا، وهذا لا يمكن أن يحدث ما دامت هذا الدول تدار بعقلية شخصية بعيدة عن المؤسسات، وما دامت تعتبر أن أمنها وشرعيتها هي من الخارج، وليس من داخلها.