صحافة دولية

قصة مؤثرة لطبيبين سودانيين ماتا بكورونا ببريطانيا.. تفاصيل

توفي عدد من الأطباء المسلمين في بريطانيا- بي بي سي

نشر موقع "بي بي سي نيوز" البريطاني تقريرا تحدث فيه عن التضحيات التي قدمها بعض الأطباء المهاجرين المستقرين بالمملكة المتحدة، خاصة بعد تسجيل حالات وفاة من الطاقم الطبي.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته"عربي21"، إنه توفي أكثر من 3600 شخص في المملكة المتحدة بعد أن أثبتت التحاليل إصابتهم بفيروس كورونا، ومن بينهم الطواقم الطبية العاملة في الصفوف الأمامية لمواجهة كورونا.

 

وتوفي الدكتور أمجد الحوراني والدكتور عادل الطيار، اللذين يتحدران من أصول سودانية، ليصبحا أول طبيبين يموتان بفيروس كورونا في المملكة المتحدة.

وأشار الموقع إلى أن عائلات الطبيبين لا تريد أن يتم تذكرهما بهذه الطريقة، بل كرجلين أحبا الطب ومساعدة مجتمعهما وتراثهما. وعلى غرار العديد من النساء والرجال الذين عبروا البحار لمساعدة هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

 

وترك أمجد الحوراني البالغ من العمر 55 سنة، وعادل الطيار البالغ من العمر 64 سنة، وراءهما أقارب وأصدقاء في الوطن مكرسين حياتهما المهنية لخدمة القطاع الصحي في المملكة المتحدة. وأصبحا عنصرين بارزين محليََا، محافظين في الوقت ذاته على روابط مع السودان الذي أحباه باعتباره مسقط رأسيهما.

وذكر الموقع أن عادل الطيار ولد في عطبرة شمال شرق السودان سنة 1956، وهو الثاني من بين 12 طفلاً في عائلته. وكان والده كاتبًا في مكتب حكومي، أما والدته فقد كانت متفرغة لتربية الأبناء.

 

ويقول قريبه الدكتور هشام الخضر: "لقد كانت بدايات عادل متواضعة. كل ما تحصل عليه تلك الأسرة كان يجب تقسيمه بين 12 طفلاً، ولهذا السبب كان منضبطا للغاية عندما كبر".

في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، أصبح الشباب الأذكياء في السودان أطباء أو مهندسين، وهي مهن محترمة من شأنها أن تمنح عائلاتهم بأكملها حياة أفضل. ولكن عندما تكون واحدًا من 12 طفلاً، فإن ذلك يعني أنه عليك المساعدة بالاعتناء بالعديد من الأشخاص.

 

اقرأ أيضا: حكاية أبطال من "الجيش الأبيض" رحلوا في مواجهة كورونا (بورتريه)
 

وقد كان عادل يعرف ذلك، لهذا كان طالبا مثابرا منذ الصغر. ويضيف الدكتور هشام: "كان عادل دائمًا جادًا ومركّزًا للغاية. لقد أراد ممارسة الطب في وقت مبكر. كان هادئا متيقظا. ومنذ أن عرفته، لم أتذكر يوما أنه رفع صوته".

وأورد الموقع أن أمجد الحوراني من مواليد سنة 1964 وهو الثاني من بين ستة فتيان، وهو ابن طبيب سوداني مهاجر. وكان أمجد وشقيقه الأكبر أشرف لا ينفصلان عن بعضهما البعض، حيث درس كلاهما الطب مثل والدهما. وتوفي أشرف عن عمر يناهز 29 سنة بسبب نوبة ربو وقد كان أمجد هو الذي اكتشف جثته. وفي هذا الصدد، تقول أخته الصغرى أمل: "أثرت فيه هذه الحادثة عاطفيََا"، حتى أنه سمى ابنه أشرف، على اسم شقيقه.

وفي العقود القادمة، أصبح الطيار متخصصًا في زراعة الأعضاء، بينما تخصص الحوراني في جراحة الأذن والأنف والحنجرة. إن حياة طبيب في هيئة الخدمات الصحية الوطنية ليست سهلة - إنه عمل له مخاطر عالية يأخذك بعيدًا عن عائلتك. ولكن أطفال الطيار شعروا دائمًا بأنه لديه وقتٌ لهم. تقول ابنته: "بغض النظر عن مدى تعبه، كان دائمًا عندما يعود إلى المنزل من العمل يتأكد من أنه قضى بعض الوقت مع كل منا. كان يهتم بالحياة الأسرية بشكل كبير".

وأشار الموقع إلى أن عادل كان مولعًا بالحدائق وزرع الزهور في كل مكان، حيث أكدت ابنته: "لقد كانت بمثابة ملجأ يشعره بالسعادة". أما أمجد، فقد كان فضوليًا فكريًا ومتحدثا بارعا وكان أيضا من محبي سباقات الفورمولا وان وكان آيرتون سينا بمثابة أسطورة له.

ويعمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية العديد من الموظفين المولودين في الخارج، إذ أن 13.1 بالمئة من موظفي الهيئة الصحية ليسوا بريطانيين، وواحد من كل خمسة منهم قادمون من خلفيات الأقليات.

واعتبارا من الثالث من نيسان/ أبريل، توفي أربعة أطباء بريطانيون وممرضتان بعد ثبوت إصابتهم بفيروس كورونا. كان خمسة منهم ينتمون إلى "السود والآسيويين والأقليات العرقية". وإلى جانب كل من عادل وأمجد، نذكر الدكتور ألفا سعدو الذي ينحدر من أصول نيجيرية، والدكتور حبيب الزيدي المولود في باكستان، والممرضة أريما نسرين التي تنحدر من أصول باكستانية أيضا.

وأفاد الموقع بأن عادل وأمجد كانا يعتبران نفسيهما بريطانيين، حيث قالت أمل: "عاش أمجد في ذلك البلد لمدة 40 سنة". ولكنهما حافظا على علاقات وثيقة مع وطنهما السودان. وشرح هشام ابن عم عادل قائلا: "عندما يهاجر شخص إلى المملكة المتحدة، فإنه لا يقطع علاقاته مع بلده. إنهم يصنعون حياة أفضل لأنفسهم، ولكنهم يحافظون على جذورهم".

وذكر أن عادل عاد إلى الخرطوم في سنة 2010 لتأسيس وحدة لزراعة الأعضاء. وأوضح ابنه عثمان قائلا: "أراد أن يردّ الجميل للسودان". في الواقع، منذ وفاة عادل، تلقت عائلته عشرات المكالمات الهاتفية من أفراد في السودان، لإخبارهم عن عمل والدهم الخيري. لقد كانوا يعرفون أن والدهم قضى الكثير من الوقت في مساعدة الناس في الوطن.


وكان أمجد أيضًا يمارس الأعمال الخيرية، حيث تسلق جبال الهيمالايا في سنة 2010 لجمع الأموال لتوفير جهاز تصوير مقطعي محوسب لمستشفى كوينز في بيرتون، حيث كان يعمل. وعلى غرار عادل، كان أمجد متعلّقا ببلده، حيث قالت شقيقته أمل: "كان يتذكر دائمًا نشأته في السودان. لقد كان فخورا جدا لكونه سودانيا". اهتم كلا الطبيبين للغاية بهيئة الخدمات الصحية الوطنية، المؤسسة التي كرّسا حياتهما لخدمتها. 

وأورد الموقع أن أمجد التقط العدوى أولا، حيث شعر بتوعّك في السيارة أثناء توجّهه في أواخر شباط/ فبراير لزيارة والدته التي كانت قد تعافت مؤخرًا من نوبة الالتهاب الرئوي، ولكنه افترض أن التوعّك ربما كان بسبب الإنهاك. أما عائلة عادل، فقد تلقّت اتصالا من المستشفى في 25 آذار/ مارس حيث كان وضع عادل سيئا للغاية، مما استوجب قدومهم في الحال. شاهد أطفال عادل والدهم يموت من خلال نافذة زجاجية، حيث لم يُسمح لهم بدخول الغرفة بسبب خطر العدوى.

وأمضى عادل عقودًا في خدمة هيئة الخدمات الصحية الوطنية. لكن عائلته تشعر أن الهيئة لم تفعل ما فيه الكفاية في المقابل، من خلال تجهيزه بمعدات الحماية التي قد تمنع التقاطه لعدوى الفيروس. في هذا الصدد، قال عثمان: "أعتقد أنه من غير المعقول في المملكة المتحدة في سنة 2020 أن يصارع الطاقم الطبي في الصفوف الأمامية مرضًا يهدد الحياة وهو غير مجهز بمعدات الحماية الشخصية للقيام بعمله".

 

اقرأ ايضا: أطباء مسلمون جدد ببريطانيا يقضون بمواجهة كورونا (صور)

ووسط المزاعم المتكررة حول النقص الذي تعاني منه بعض القطاعات من هيئة الخدمات الصحية الوطنية، قدمت الحكومة نشرات متواترة حول حجم معدات الحماية الشخصية التي تتسلّمها الهيئة. كما قال وزير الصحة مات هانكوك إنه "لن يتوانى عن حماية العاملين الصحيين في الصفوف الأمامية "- واصفا الوضع بأنه "أحد أكبر التحديات اللوجستية في زمن السلم".

وفي الختام، ذكر الموقع أن عادل سيدفن في السودان إلى جانب والده وجده، تحقيقا لرغبته. ولكن تبيّن أن ترتيب أوراق الإعادة إلى الوطن أمر صعب، نظرًا لحالة العزل التي يفرضها فيروس كورونا. مع ذلك، أكد عثمان أن "الرغبات الأخيرة لشخص ميت تعتبر مقدسة في ثقافتنا. لذلك سوف نحققها".