تُوفي خلال الأسبوع الماضي أربعة أطباء بريطانيين بسبب فيروس «كوفيد - 19»، وكان أصغرهم يبلغ من العمر 55 عاما، ومن المتوقع أن يتوفى المزيد إذا لم تعالج الحكومة سريعا النقص في معدات الوقاية الشخصية في المستشفيات والمراكز الطبية.
لم تكن الجمعية الطبية البريطانية تبالغ في الأمر، حين ذكرت أن العاملين في مجال الرعاية الصحية ممن يعالجون مرضى فيروس «كوفيد-19»، يواجهون نقصا مهددا للحياة في معدات الوقاية الشخصية، مطالبة وزير المالية بزيادة التغطية التأمينية الخاصة بالوفاة في أثناء الخدمة. إن الفشل في حماية الطواقم الطبية لن يهدد قدرة بريطانيا على مساعدة الأكثر تأثرا بالفيروس فحسب، بل سيقوض أيضا أواصر الثقة التي ساعدت قطاع الخدمات الصحية، الذي لا يحظى بموارد كافية، في تقديم أداء يفوق إمكاناته.
ما يزال الأطباء في أنحاء البلاد يشكون من نقص معدات الوقاية الشخصية، رغم تأكيد الحكومة أن هذا النقص بسبب الاضطراب المؤقت في عملية التوزيع، وأنه قد تم تسليم ملايين المعدات والأدوات. مع ذلك، توجد تقارير إعلامية تشير إلى معاقبة أطباء أو منعهم من الحديث عن النقص. كذلك ذكرت وكالة أنباء «بلومبرغ» في بداية الأسبوع الحالي، أن المستشفيات قد حذرت الأطباء والطواقم الطبية في الولايات المتحدة من الحديث عن أي نقص، مهددة إياهم بالفصل من العمل. مع ذلك يحق للأطباء المطالبة بتوفير حماية أفضل لهم، فقد اكتشفت منظمة الصحة العالمية عند النظر في انتشار فيروس «إيبولا» خلال الفترة بين 2014 و2016 في غرب أفريقيا، أن العاملين في مجال الرعاية الصحية كانوا أكثر عرضة للعدوى من العامة بمقدار 32 مرة، وأن درجة إصابتهم بالعدوى تراوحت بين 2 في المائة و50 في المائة، بحسب مدى جاهزية المؤسسات والمنشآت الطبية التي تستقبل المرضى. لذا من الواضح أن العاملين في القطاع الطبي يواجهون خطرا كبيرا بسبب «كوفيد-19»، وأن النقص في معدات الوقاية الشخصية سوف يمثل مشكلة كبيرة.
وكان من المثير للأسى وفاة لي وينليانغ، الطبيب الصيني البالغ من العمر 34 عاما، الذي اعتقلته قوات الشرطة في البداية بسبب «نشر إشاعات»، وذلك بعد تحذيره لزملائه من هذا الفيروس الجديد. في فبراير (شباط)، ذكرت وسائل إعلام صينية وأمريكية أن المتخصصين الصينيين في مجال الرعاية الصحية يجلبون معدات الوقاية الشخصية الخاصة بهم، ويستخدمون شرائط لاصقة لربط الأدوات التي من المفترض أن يتم استخدامها لمرة واحدة، ما يؤدي حتما إلى مرضهم. وفي منتصف فبراير، ذكرت الصين إصابة 1716 عاملا في مجال الرعاية الصحية بالفيروس ووفاة ستة منهم.
كذلك بدأت إيطاليا تنشر إحصاءات خاصة بوفاة الأطباء في 11 مارس (آذار)؛ وعندما كتبت للمرة الأولى عن هذا الأمر مؤخرا، كان قد تم ذكر أسماء 24 طبيبا إيطاليا وافتهم المنية من جرّاء الإصابة بالفيروس، وبعد عشرة أيام ارتفع العدد إلى 69.
احتمال وفاة الأطباء الإيطاليين بسبب الفيروس أكبر من احتمال وفاة غيرهم؛ ورغم أن أكثر حالات الوفاة كانت بين الأطباء الأكبر سنا، لا ينبغي أن يطمئن ذلك الأطباء الأصغر سنا، فربما يزيد ضعف الجهاز المناعي لدى كبار السن من احتمال إصابتهم، لكن تعامل الأطباء لفترة طويلة وبشكل متكرر مع مرضى مصابين بالفيروس، خصوصا الجراحين الذين يجرون عمليات توليد الهباء الجوي، يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. يبدو أن هذا يزيد خطر انتقال شكل أكثر قسوة من المرض يستطيع السيطرة على أجهزة مناعة الشباب أيضا.
مع ذلك ليست كل الأنباء الواردة من إيطاليا كئيبة، فالتجربة داخل مستشفى كوتونيو في نابولي، التي لم يصب فيه أي شخص من الفرق الطبية، تدعم الرأي القائل إن معدات وإجراءات الوقاية الشخصية قادرة على إنقاذ حياة الكثيرين. وقد أوضح تقرير لـ«سكاي نيوز» خلال الأسبوع الحالي، الإجراءات الاحترازية المتخذة في الممرات والأروقة، وآلات التعقيم التي يتم استخدامها في تعقيم كل الزائرين.
يعد النقص في معدات الوقاية الشخصية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة اليوم، نتاج سنوات من تراجع الاستثمار في الجاهزية للأوبئة، رغم وجود كثير من التحذيرات، وسوف يستغرق إصلاح ذلك وقتا. ويوضح ناداف أولمان، أحد مؤسسي منظمة «بروجيكت إن 95» غير الربحية، التي تعمل وسيطا لتوفير المعدات الخاصة بمكافحة الفيروس في الولايات المتحدة، قائلا: «لقد انهارت سلسلة الإمداد النموذجية التي يشتري فيها موردو قطاع الرعاية الصحية في أمريكا الأدوات والمعدات من مصنعين مجهولين؛ وقد أصبح الربط بين العرض والطلب مثل الغرب المتوحش». وسجلت المنظمة أكثر من 335 مليون طلب لمعدات الوقاية الشخصية على مدار الثلاثين يوما المقبلة.
أما في بريطانيا حيث يتخذ قطاع الرعاية الصحية طابعا اشتراكيا، وعمليات الشراء والتوريد مركزية إلى حد كبير، تسبب النقص في معدات الوقاية الشخصية في تحويل الأطباء إلى تجار، حيث تتعين عليهم معرفة كيفية الحصول على أرقام ضريبة القيمة المضافة، والأكواد الجمركية. وقد تقبل الدكتور ريكاردو بيتراكو، أخصائي الأمراض القلبية في «إمبريال كوليدج»، هذا الواقع والوضع القائم لضمان توفير الحماية لكل أفراد فريقه الطبي، ومساعدتهم في الاستمرار بالعمل. وقال: «أطلب من خلال موقع (علي بابا) 500 قطعة على سبيل التجربة»، مضيفا: «إذا كانت فعّالة سوف أطلب المزيد ممثلا للقسم». وذكر أن الأقنعة الواقية البلاستيكية وغيرها من معدات الوقاية الشخصية في قسمه قد نفدت. وقد أوضح قائلا: «لقد قرأت عن تسليم ملايين معدات الوقاية الشخصية، لكنني لم أرَ ذلك، واضطررنا إلى شراء المعدات والأدوات الخاصة بنا». ويبدو أن هذا الأمر يمثل مشكلة في أنحاء البلاد، إلى حد أنه قد تم الطلب من المدارس البريطانية التبرع بالنظارات المستخدمة في التجارب المعملية لاستخدامها واقيا للوجه.
وأخيرا، لقد سلّط هذا النقص الضوء على مدى اعتماد هيئة الصحة البريطانية، التي يتم تمويلها من أموال دافعي الضرائب، على حسن نية الطواقم الطبية وأسرهم، لكن ماذا لو فقد الأخصائيون، الذين يعالجون مرضى «كوفيد-19» أو يجرون عمليات جراحية طارئة، الثقة بالمنظومة التي من المفترض أن تدعمهم؟ سوف تتجاوز العواقب، في وقت غادر فيه كثير من الأطباء بالفعل هيئة الصحة البريطانية واتجهوا إلى مجال الممارسة الخاصة، هذه الأزمة تحديدا.
عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية