يوافق اليوم الرابع عشر أيار/مايو الذكرى الثانية لنقل الولايات المتحدة الأمريكية مقر سفارتها في "إسرائيل"؛ من "تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة، وهي الخطوة التي أثارت غضب الشعب الفلسطيني، في حين اعتبرها الاحتلال الإسرائيلي إنجازا كبيرا.
انتهاك صارخ
وصدر القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية في
"تل أبيب" إلى مدينة القدس بتاريخ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، وحمل اسم
"تشريع سفارة القدس 1995"، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 كانون
الأول/ ديسمبر 2017، الاعتراف بمدينة القدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل".
وفي انتهاك صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني، احتفت واشنطن
في 14 أيار/ مايو 2018، وبالتزامن مع الذكرى الـ70 للنكبة، بنقل سفارتها من "تل
أبيب" إلى القدس، ما أدى إلى خروج الشعب الفلسطيني في مظاهرات غاضبة في كافة المناطق
الفلسطينية، وارتكاب جيش الاحتلال مجزرة بشعة بحق المتظاهرين السلميين قرب السياج الفاصل،
استشهد فيها أكثر من 60 فلسطينيا وإصابة آلاف آخرين.
وفي قراءة للتطورات السياسية بعد عامين على نقل السفارة
الأمريكية، أوضح الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، أن "الجبهة الأمريكية الإسرائيلية،
ركزت على تحويل نقل السفارة الأمريكية إلى رأس قاطرة دولية، في محاولة لنقل سفارات
أخرى إلى مدينة القدس المحتلة".
اقرأ أيضا: عدد الفلسطينيين تضاعف 9 مرات منذ نكبة 1948
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه
الجبهة تركز في هذه الاستراتيجية على 3 بؤر مركزية، الأولى؛ دول أمريكا اللاتينية،
على اعتبار أن معظمها دول صغيرة تعتمد على المساعدات التي تقدمها لها الولايات المتحدة،
ما يتيح ابتزازها ودفعها لنقل سفارتها إلى القدس، وهذا ما أدى إلى نقل سفارة غواتيمالا
إلى القدس، إضافة إلى محاولة لنقل سفارة الباراغواي، والتي تراجعت عقب انتخاب رئيس
جديد لها، ما أدى إلى قطع علاقاتها مع "تل أبيب".
ونوه ابحيص، أن "التركيز الأساسي كان على البرازيل،
بعد انتخاب الرئيس جايير بولسونارو الذي وعد بنقل السفارة، ولكنه عقب تهديد جامعة الدول
العربية وإيران بوقف الاستيراد، تراجع واكتفى بفتح مركز تجاري".
والبؤرة الثانية، "تمثلت في دول أوروبا الشرقية
وتحديدا رومانيا والتشيك، وكانت هناك محاولة لدفع رئيسة وزراء رومانيا لنقل السفارة،
ووجدت معارضة من قبل الرئيس الروماني، ولاحقا أقيلت تلك الحكومة لأسباب عديدة، إضافة
لمحاولة التشيك نقل سفارتها إلى القدس، وأمام الصعوبات التي واجهها الرئيس في تمرير
هذا التوجه لجأ إلى فتح ما سمي "البيت التشيكي" في القدس، والذي كان أقرب
إلى قنصلية فخرية مع إضفاء طابع ثقافي عليها".
نقل السفارات
وأما البؤرة الأخيرة بحسب المختص، فـ"كانت تحديدا
أستراليا، حيث رحب رئيس وزرائها بنقل سفارة بلاده، ولكنه واجه تهديدات بالمقاطعة من
قبل إندونيسيا؛ بالامتناع عن توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، وتراجعت أستراليا
عن خطوة فتح السفارة، وقامت بفتح قنصلية غرب مدينة القدس المحتلة".
وذكر أنه "رغم حالة التشرذم والبيئة العربية
والإسلامية غير الفاعلة على المستوى الرسمي، إلا أن أدنى التهديدات كانت كفيلة لردع
الدول عن نقل سفاراتها، كما تشي محاولات نقل السفارات، إلى أن دافعية تلك الدول لم
تكن عالية، وقدرة واشنطن على التأثير في هذا الجانب محدودة".
ونبه ابحيص، أن "أمريكا استطاعت أن تساهم في
نقل سفارتين إلى القدس منذ أن تأسس هذا الاتجاه"، مشيرا إلى "أن أي توجه
سياسي جديد يكتسب الزخم في بدايته ثم يبدأ باتخاذ شكله الذي سيستقر عليه، وفي حال لم
تستطع واشنطن دفع المزيد من الدول لنقل سفاراتها إلى القدس، فهذا من شأنه أن يضعف استغلال
هذا التوجه".
اقرأ أيضا: خبراء إسرائيليون يبحثون ضم الضفة الغربية وتبعاتها
وتابع: "وربما في وقت لاحق، نصل لمرحلة أن يكون أمر نقل السفارات عنوان عزلة لواشنطن،
يدفعها للبحث في كيفية التراجع عنه، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى وقت ونضوج ظروف سياسية
تسمح بتحوله إلى عنوان عزلة".
ابتزاز ومصالح
من جانبه، أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان
أبو عامر، أن "نقل السفارة الأمريكية شكل إنجازا سياسيا ودبلوماسيا إسرائيليا
لا يقل عن إنجاز حرب عام 1967، على اعتبار أن احتلال القدس شكل إنجازا عسكريا ميدانيا".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ينظر
الإسرائيليون إلى هذا الإنجاز بنظرة كبيرة جدا، على اعتبار أن هذا اعتراف من رأس الإدارة
الأمريكية الرئيس ترامب، بأن القدس عاصمتهم، مما يعطي مشروعية بنظر إسرائيل إلى الاحتلال".
ونوه أبو عامر، أن "الاحتلال يعتقد أن الإدارة
الأمريكية تمتلك تأثيرا سياسيا واقتصاديا كبيرا على كثير من الدول العالم، مما يدفع
بدول أخرى لنقل سفاراتها إلى القدس، وميدانيا هذا لم يحصل بشكل تلقائي وفوري، في ظل
حالة التجاذبات بين الإدارة الأمريكية وهذه الدول، وخشية تلك الدول أن تتخذ قرارات
متسارعة، مما جعل بعضها يفتح مكاتب تجارية أو يطلق وعودا سياسية دون التنفيذ على أرض
الواقع".
وذكر أنه "بعد مرور عامين على نقل السفارة،
نحن أمام تثبيت "حقائق" أمريكية مزعومة في القدس، والإسرائيليون يعتقدون
جازمين أن الإدارة الأمريكية إن لم تقم إلا بهذا الفعل لكفاها، وهذا يعني أن أي إدارة
أمريكية قادمة؛ وإن كانت ديمقراطية؛ لن تستطيع مخالفة هذا القرار، بل ستعمل على تثبيت
الأمر الواقع، ولكنها قد تلجأ إلى خيارات أخرى، بفتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في
شرقي القدس، مع التأكيد أنه لن يتم إعادة السفارة الأمريكية إلى "تل أبيب".
اقرأ أيضا: استطلاع أمريكي: المقدسيون يريدون المواطنة الفلسطينية
ونبه الخبير، أن "إسرائيل تعمل على الحفاظ على
هذا الإنجاز السياسي، بكل إمكانياتها وعلاقتها داخل الإدارة الأمريكية ودوائر صنع القرار
في الخارجية، البنتاغون، البيت الأبيض والكونجرس، مما يجعل هذه الخطوة من التاريخ،
ومن الصعب العودة إلى الماضي".
وحول إمكانية نقل المزيد من الدول سفاراتهم من
"تل أبيب" إلى القدس المحتلة، قال: "واشنطن تستخدم إمكانياتها الدبلوماسية
وأحيانا ضغوطها وابتزازها وتأثيرها على بعض الدول الصغيرة من غير المذكورة على الخارطة
لنقل سفارتها، ولكن ليس بالضرورة أن تنجح في الأمر".
وتابع: "كان من الممكن أن يكون الجهد الأمريكي
ناجحا في ذروة القرار، ولكننا اليوم في أواخر حقبة ترامب، ولذلك قد لا يحظى الأمر بأولوية
متقدمة لدى الإدارة الأمريكية، في حين تبذل إسرائيل الجهود عبر ماكنتها الدبلوماسية
في العالم، وبعض الدول قد تستجيب لضغوط أمريكية، على اعتبار أن الأمر متعلق بحصولها
على مكاسب مختلفة".
واستبعد أبو عامر في الشهور المتبقية لإدارة ترامب،
أن يكون هناك "اقتداء دولي بالخطوة الأمريكية، وفي حال قدر أن يغيب ترامب في الدورة
الانتخابية القادمة، ويتولى الحزب الديمقراطي الرئاسة، قد تتجمد الأمور، وإذا حظي ترامب
بولاية أخرى، قد نشهد تجديدا للضغط الأمريكي على تلك الدول لنقل سفاراتها، رغم أن الأمر
ليس بهذه السهولة لاعتبارات كثيرة".
هكذا تلقى أسرى ومحررون بفلسطين إغلاق حساباتهم البنكية
تشكيل نتنياهو لحكومة جديدة.. واقع معقد ومستقبل متفجر
هل تأثر التواجد الإيراني بسوريا من الهجمات الإسرائيلية؟