نشرت مجلة "
فورين بوليسي" مقالا للأكاديمي ستيفن كوك قال
فيه إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هدد بإغلاق
السفارة الأمريكية في بغداد
قبل أسبوعين. وكان ذلك رد فعله على هجمات ضد السفارة وعجز الحكومة
العراقية الواضح
في فعل شيء تجاه ذلك.
ويقول الأكاديمي الأمريكي إنه قد يكون من الصعب الحكم إن كان هناك طرق
أخرى أمام أمريكا لحماية السفارة، أم أن تهديد بومبيو مصمم لتحقيق هدف دبلوماسي آخر.
ومع ذلك فإن السفارة يجب أن تغلق بغض النظر عن هذا وذاك.
ويضيف كوك أنه في تقريره الذي ترجمته "عربي21" أنه عندما
يفكر الأمريكيون بالعراق أو السفارة الأمريكية في بغداد هذه الأيام قد يتخيلون بناية،
ولكنها أكبر من ذلك بكثير. فالمجمع الذي يصغر بقليل حجم ديزني لاند فيها 20 بناية تحتوي
على مكاتب وست بنايات شقق ومرافق أخرى للموظفين، الذين وصل عددهم في وقت ما لـ16000 موظف.
وكلف بناء المجمع 750 مليون دولار. إنه تجسيد ملموس للغطرسة الأمريكية في العراق. وعلى
عكس ديزني لاند، لم تتحقق أي أحلام هناك.
ويجب على الإدارة القادمة أن تغلق المجمع وتسلمه للعراقيين. فأراضيه
يمكن أن تكون إضافة جيدة لجامعة بغداد.
والتخلص من مجمع السفارة الأمريكية في بغداد لا يعني أن تتخلى أمريكا
تماما عن المدينة. وكانت وزارة الخارجية قد لوحت بفكرة نقل السفارة إلى أربيل، عاصمة
كردستان العراق، ولكن ذلك ليس جيدا، فسوف يبدو الأمر غريبا أن يستمر السفير الأمريكي
بتأييد وحدة العراق إذا كان يجلس في عاصمة كردستان. وبدلا من ذلك على أمريكا أن تشتري
بناية في بغداد تتناسب مع مهمتها ودورها وتأثيرها في العراق. وإن كان المجمع الحالي
يعكس غطرسة العقدين الماضيين فإن مكانا جديدا للسفارة الأمريكية سيمثل تواضع أمريكا
بعد غزو واحتلال غير شرعي. (ولسوء الحظ أن السفارة القديمة التي صممها جوزيف لويس في
خمسينات القرن الماضي تم الاستيلاء عليها من الحكومة العراقية وتحويلها إلى وزارة للشؤون
الخارجية. حيث كانت متواضعة بالشكل المناسب وأحد تحف منتصف القرن الماضي).
صحيح أنه لم يبق الكثير لأمريكا أن تفعله في العراق. وقد جعل المسؤولون
الأمريكيون الإصلاحات السياسية والاقتصادية جزءا من الحوار الذي عقد مؤخرا بين البلدين،
ولكن من الصعب أن تحمل هذه الأهداف محمل الجد. لقد مر على غزو العراق أكثر من 17 عاما
وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن أمريكا يمكنها أن تحقق نجاحا أكبر الآن مما فعلت سابقا.
وعلى العراقيين أن يرسموا طريقهم وحدهم إن أرادوا سياسة محترمة واقتصادا مزدهرا.
ولكن هناك مهمة جيدة على أمريكا أن تحافظ عليها في العراق وهي الأمن،
وخاصة الجهد المتعلق بإبقاء المتطرفين بعيدا وضمان سيادة العراق. هذه الأهداف مترابطة
ببعضها وتتطلب اهتماما أمريكيا كبيرا. وصحيح أن الموصل حررت في تموز/ يوليو 2017 وأن
زعيم تنظيم الدولة، أبا بكر البغدادي قتل في سوريا في تشرين أول/ أكتوبر 2019، ولكن
كان هناك هجوم من تنظيم الدولة على الشرطة في كركوك هذا الأسبوع والمجموعة نشيطة في
محافظتي ديالى وصلاح الدين. وإعلانات ترامب المتكررة حول هزيمة تنظيم الدولة ببساطة
ليست دقيقة.
قوات الأمن العراقية أفضل مما كانت عليه عندما فر أفرادها عام
2014، ولكن لا يزال هناك حرب أمامهم.
ويمكن فهم الرغبة في الرحيل أخيرا عن العراق، ولكن ليس فقط أن أمريكا
مسؤولة تجاه العراقيين، ولكن لا أحد سيريد الذهاب إلى هناك إن غادرت القوات الأمريكية.
وفي المنطق المقلوب لتجربة أمريكا في العراق فإن أفضل طريقة للخروج من البلد والبقاء
خارجها هو البقاء فيها لفترة أطول. وقد يبدو هذا للبعض أنها وصفة لمنزلق خطير نحو الاحتلال
الدائم، ولكن ليس هذا هو الحال. فهناك 3000 عسكري أمريكي في البلد. ولم تستطع أمريكا
احتلال البلد بفعالية بخمسين ضعف هذا العدد خلال ذروة الهجوم تحت إدارة جورج بوش الإبن.
فمهمة تدريب متواضعة في العراق يمكن أن تكون احتلالا فقط إن كان المرء لديه توجه سياسي
لرؤيتها كذلك.
والجانب الأكثر تحديا للمهمة الأمنية في العراق هو مساعدة الجيش العراقي
وقوات الأمن الأخرى على أن تصبح في وضع تستطيع معه حماية سيادة العراق. حاليا هناك في العراق
قوات تركية وقوات تابعة للحرس الثوري الإيراني من خلال الميليشيات المختلفة وقوات حزب
العمال الكردستاني بالإضافة إلى القوات الأمريكية، كلها تعمل في العراق وليس هناك الكثير
الذي يستطيع الجيش العراقي القيام به تجاهها، ولكن الأكثر فظاعة منها هي إيران. ومن
المنطقي أن تسعى إيران للتأثير على السياسة العراقية ولكن نتائج ذلك هي تبعية العراق.
ومن بين الأدوات التي يستخدمها الإيرانيون لتحقيق أجندتهم، الميليشيات
المنتمية إلى الحرس الثوري الإيراني. وقد لعبت الميليشيات دورا موازيا للقوات العراقية
والأمريكية في أكبر المعارك ضد تنظيم الدولة، ولكنها لم تنخرط في سلسلة الأوامر للقيادة
العراقية ولم تتخل عن سلاحها. وبدلا من ذلك فإن ميليشيات مثل كتائب حزب الله ومنظمة
بدر بالإضافة لأكثر من عشر ميليشيات أخرى تبقى أدوات للنفوذ الإيراني. وهي الميليشيات
المسؤولة عن الهجمات على السفارة الأمريكية، واستخدام القناصين ضد المتظاهرين وتشجيع
مصالح الحرس الثوري الإيراني، وتهديد الحكومة العراقية. وليس هذا تهديدا أمنيا فقط ولكن ذلك يسهم أيضا في السياسة العراقية الشاذة.
وسيبقى العراقيون عرضة للضغوط الإيرانية ما دامت القوات العراقية لا
تملك الثقة والإمكانيات لفرض سلطتها. كما أنها مسألة إرادة سياسية، ولكن لدى العرافيين
الآن رئيس وزراء جديد مستعد لكبح جماح عملاء إيران. وخلال شهر حزيران/ يونيو أشرف
على اعتقال حوالي عشرة أعضاء من كتائب حزب الله لتخطيطهم لهجمات في أنحاء بغداد. وكرد
قامت الميليشيا باحتجاز عائلات الضباط العسكريين المشاركين في مداهمة واعتقال رفاقهم،
وفي إبراز للقوة قاموا بدخول المنطقة الخضراء في سيارات مصفحة. فتم إطلاق رجال الميليشيا
بسرعة.
وفي أواخر تموز/ يوليو تم اغتيال أحد مستشاري الكاظمي، هشام الهاشمي،
في عملية يعتقد أنها من فعل عملاء إيران في العراق. وواضح أن الجهود لإخضاع الميليشيات
لم تنجح، ومن نواح مختلفة تدهور الوضع الأمني في البلد وأصبح الاستهداف الروتيني للقوات
الأمريكية في العراق تحديا كبيرا للقادة العسكريين. ونتيجة لذلك قامت إدارة ترامب بتوحيد
الوجود العسكري الأمريكي في العراق وقامت بسحب عدد من الجنود.
ومن الواضح أن ترامب يريد أن يخرج من العراق والشرق الأوسط ولكن عليه
أن يترك مستوى القوات الأمريكية كما هو. ومع أن انسحابا عسكريا يفي بوعد الرئيس خلال
الانتخابات عام 2016 إلا أن ذلك في المحصلة يأتي بنتائج عكسية. وترك العراقيين لمخاطر
تنظيم الدولة وإرادة الإيرانيين سيؤدي فقط إلى إدامة ضعف العراق وعدم استقراره. ولكن
تلك ليست مهمة يمكن أن تساعد فيها سفارة ضخمة لدرجة بغيضة.