ليعذرني القارئ مهما كان المكان الذي وصله فيه كلامي.. أنا محتاج لتثبيت عقديتي بإعلان الشهادة مرة أخرى لأن هناك من يريد فرض رب عليّ اسمه الاتحاد العام التونسي للشغل. فاللهم اشهد أني أوحدك على دين محمد، وأني كافر بالنقابة، واللهم امنحني الصبر على المشركين الجدد الذين يحرّمون علينا نقد ربهم النقابي الذي يصلون له في البرلمانات. ولا بأس ألا يكون هذا المقال تحليلا محايدا بأعصاب باردة.
تاريخ مصادرة النضالات
نكتب بكل هذا الدفق الوجداني لأن هناك من يريد مصادرة التاريخ في سردية واحدة تجعل من النقابة التونسية عامودا أمسك السماء أن تقع فوق رؤوس التونسيين، وهو لا يزال مصرا على تحريف التاريخ ليلغي كل نضال تم خارج النقابة، فلا يكون وتكون النقابة كل التاريخ.
في الطريق إلى الحرية سقط شهداء كثر، وقضت أجيال أعمارها في السجون وتشردت أسر وعائلات، وكانت النقابة في حجر السلطة؛ تتلقى القيادات الرشوة المالية والسياسية، وتجبر أجيالا من العمال على الخضوع باسم حماية الدولة أو باسم دفع الاقتصاد. وفي السردية أن ذلك كان النضال الوحيد الممكن، بل هو البديل عن السقوط في الرجعية والتخلف.
فإذا تم الإلحاح على زيف السردية المفبركة داخل حانات النقابة؛ غالبا قيل لنا أن النقابة سليمة وعريقة ومناضلة، لكن هناك نقابيين سيئون، وهم عابرون والنقابة باقية. وهذه التبريرات هي من جنس التبريرات التي كان يطلقها إعلام السلطة عندما ترتفع أصوات الاحتجاج حولها بأن الرئيس طيب وابن حلال لكن الطاقم الذي حوله يفسد في الأرض.
نشعر بأن ماكينة الدعاية النقابية التي وضعت لها قدما راسخة في البرلمان؛ تتقدم خطوة أخرى لتجبرنا على التوقف عن الكتابة حول النقابة أو ضدها
هذه الأيام نشعر بأن ماكينة الدعاية النقابية التي وضعت لها قدما راسخة في البرلمان؛ تتقدم خطوة أخرى لتجبرنا على التوقف عن الكتابة حول النقابة أو ضدها، فهي مؤسسة مقدسة وتاريخ نضالاتها يعفيها من أن تخضع لأية محاسبة، حتى لمجرد النقد العارض لبعض الأعمال التي تقودها النقابات ضد الدولة والمجتمع وضد إيتيقا الدولة نفسها.
تاريخ من تفكيك القطاع العام
إن الزمن الذي يراد لنا فيه أن نؤمن بنضال النقابة العظيمة هو الزمن الذي شاركت فيه النقابة مشاركة تامة في تفكيك مؤسسات القطاع العام وخوصصتها لرأس مال، بعضه محلي وأغلبه أجنبي وافد. كان ذلك يجري تحت عناوين دعم الاستثمار وفتح الأسواق وكانت النقابة تبرر بالتشغيلية، في حين أن التسريح الاقتصادي كان على قدم وساق. ذلك زمن ابن علي، زمن قيادات نقابية مكّن لها الدكتاتور ومنحها امتيازات مقابل تدمير مؤسسات اقتصادية ناجحة. تلك القيادات لم تحاسب رغم الفضائح التي أخرجتها الثورة إلى السطح، بل حصل العكس؛ لقد أورث الفاسدون النقابة لخلف تربى في أحضانهم، فما كان من الخلَف إلا أن كرّموا السلف وظلت السردية غير قابلة للنقض.
النقابة فوق كل نقد وقياداتها لا تضار أبدا، ومع الوقت وانشغال الناس بهمومهم يتحول هؤلاء القادة الى زعماء، وتكتمل السردية تماما كما يصنع الوثن في الأساطير. ويوجد دوما أقلام مبيوعة لتضخيم الأسطورة وإضافة التفاصيل التي لم تكن في أصل الحكاية.
القيادات لم تحاسب رغم الفضائح التي أخرجتها الثورة إلى السطح، بل حصل العكس؛ لقد أورث الفاسدون النقابة لخلف تربى في أحضانهم، فما كان من الخلَف إلا أن كرّموا السلف وظلت السردية غير قابلة للنقض
تحالف اليسار والتجمع في النقابة هو الذي يحكم الوضع في تونس الآن، وإن زعمت الأحزاب أنها تحكم فما حكمها إلا وهْم، فالحاكم الحقيقي ومنذ الثورة هي النقابة؛ لا بصفتها نقابة بل بما هي طاقية إخفاء لتيارات سياسية لا يمكن لها أن تفلح بالصندوق الانتخابي
العرب وسياسة بايدن في الشرق الأوسط
الإمارات.. مروّجة التطبيع والاستبداد عربيا
مواطنة الانقلاب.. المواطنة من جديد (28)