قضايا وآراء

"السعادة.. على الطريقة الإماراتية!"

1300x600
"تحرص دولة الإمارات على توفير السعادة والرخاء والرفاهية لشعبها والمقيمين على أرضها. ولتعزيز ذلك، في شباط/ فبراير 2016، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن إنشاء منصب وزير دولة للسعادة، وذلك عبر حسابه في تويتر في سياق فعاليات "حوار المستقبل" في القمة العالمية للحكومات. وبموجبه تم تعيين معالي عهود بنت خلفان الرومي كوزير دولة للسعادة لتتولى مسؤولية مواءمة كافة الخطط، والبرامج، والسياسات الحكومية لتحقيق سعادة المجتمع. كما اعتمدت البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة الذي يضم مجموعة من السياسات والخدمات التي تعزز من أنماط الحياة الإيجابية".

عند مطالعتك للبوابة الإلكترونية الرسمية لحكومة الإمارات ستجذبك هذه المقدمة الأثيرة، خاصة حينما تتصفح التفاصيل المتعلقة بما يسمى بـ"حكومة المستقبل".. هكذا تُسخّر دولة الإمارات كافة إمكانياتها التقنية والمالية لتقدم نفسها لمجتمع رواد الأعمال المحلي والإقليمي والدولي كدولة مانحة للسعادة والتسامح لكل من وطأت قدمه أراضيها.

غير أن تلك الصورة الذهنية شديدة البراءة، والتي يجاهد حكام الإمارات لترسيخها لبلادهم عبر الترويج لها كمحور جذب للاستثمارات ومركز آمن للمال والأعمال؛ تتعارض بصورة تامة مع الدور المخزي الذي تقوم به تلك الدولة في أروقة السياسة، والذي شكلته سياسات وانحيازات حكامها الفاسدة في المحيط المجاور، حيث تسببت قرارات حاكمها الفعلي محمد بن زايد في الانقلاب على مخرجات الربيع العربي وفي دعم الأنظمة الديكتاتورية بقتل آمال وأحلام الشعوب العربية في الحرية والاستقلال الوطني والازدهار المستحق.

وذلك بدءا من تمويل ودعم الانقلاب العسكري في مصر على التجربة الديمقراطية والرئيس المنتخب، ثم مرورا بالحصار الجائر على دولة قطر، ثم بقيادة قطيع التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الصهيوني في المنطقة، وما يعكسه ذلك من تنصل تام وخيانة لقضية الأمة العربية والإسلامية المحورية وتجاهل مجحف لحقوق الشعب العربي الفلسطيني في حريته وسيادته على كامل أراضيه المحتلة، وتارة أخرى عبر استمرار التدخل السافر في شؤون الدول بالمال والرشاوي وتوجيه الإعلام والاستحواذ على الثروات، كما حدث بمصر وتونس، وبالحرب والتدمير ضد دول أخرى مثلما حدث في ليبيا، ناهيك عما يجري منذ سنوات في اليمن من تدمير للبنية التحتية والاجتماعية والسياسية وسحق كافة مقدرات الشعب اليمني المكافح أمام أطماع "ابن زايد"، تلبية لرغبته في السيطرة من أجل توسيع نفوذه الإقليمي.

إذن فالسعادة الإماراتية لا تعني لنا كشعوب تعيش في المنطقة العربية سوى قرارات ابن زايد بدعم الطغاة والأنظمة الديكتاتورية وحصار بلادنا وتدميرها وسرقة ثرواتها وإغراقها بالفساد، وحصد أرواح الأبرياء فيها بالجملة بلا وازع أو ضمير، فضلا عن عار الخيانة بالتطبيع مع العدو تحت شعار "محبة السلام" كثمن بخس لجلوسه ربما على عرش وكيل قوى الاستعمار في المنطقة.

ولقد وجدتني مضطرا لسرد تلك التفاصيل كمقدمة مختصرة عن نشاط الإمارات المشبوه بالمنطقة في العِقد الأخير لتوضيح وتوثيق أثر "السعادة الإماراتية" المزعومة على حياة الملايين، وكذلك على حياتي وحياة عائلتي الصغيرة بصفة شخصية، فقد كنت أحد المقيمين بدولة الإمارات منذ آب/ أغسطس 2005 وحتى إبعادي القسري عنها في أيلول/ سبتمبر 2014.

ففي تموز/ يوليو 2013 وبينما كنت أقيم مع أسرتي الصغيرة في دولة الإمارات (مقر عملي كمدير مبيعات إقليمي لإحدى ماركات الملابس)، ومع إعلان الانقلاب العسكري الغاشم عن بوادر عهد الديمقراطية الوليد في مصر، وجدتني كأحد شباب ثورة 25 يناير المؤمنين بالحرية والديمقراطية أرفض هذا الإجراء بشدة، وقد بدأت على إثر ذلك بالتفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي تعبيرا عن رفضي التام لعودة بلادي إلى ربقة الحكم العسكري الديكتاتوري بعد خلاصها من حكم المخلوع مبارك في 2011.

ومع توالي ارتكاب قوات الانقلاب العسكري للمجازر في حق المتظاهرين السلميين رفضا للانقلاب على حكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي "طيب الله ثراه"، في المنصة والحرس الجمهوري وغيرها وصولا إلى "مجزرة القرن" في رابعة والنهضة، ومع بشاعة الجُرم وفظاعة الحدث، تزايد نشاطي وتفاعلي مع عدد لا بأس به من القوى السياسية وشباب الثورة وبعض القيادات السياسية ورؤساء الأحزاب على أمل الوصول لحلول عملية؛ قد تنتج عنها معادلة تغيير سلمي تمكن القوى السياسية المدنية من دحر الانقلاب وإعادة الزمام لمواصلة التجربة الديمقراطية، على أرضية من المبادئ المشتركة التي نادت بها ثورة يناير "عيش، حرية، عدالة، كرامة".

ونظرا لذلك النشاط المتزايد فقد قامت أجهزة الأمن الإماراتية والمصرية برصد تحركاتي واتصالاتي لعدة أشهر قبيل مطالبتي في تموز/ يوليو 2014 بالمثول أمام أحد ضباط قسم الأمن والمعلومات التابع للإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، حيث أبلغني بعد التحقيق معي حول آرائي السياسية بقرار إبعادي النهائي مدى الحياة عن الإمارات، وقام بمنحي مهلة أسبوعين فقط لترتيب أموري ومن ثم تطبيق القرار. وهكذا عرفت السعادة الإماراتية طريقها إلى حياتي بعدما عرفته مسبقا إلى حياة الملايين ممن دفعتهم الحروب والانقلابات والمليشيات الممولة إماراتيا إلى تذوق طعم السعادة الإماراتية المُر كالحنظل.

ومنذ ذلك الحين لم تفتأ ظلال السعادة الإماراتية "المشؤومة" تفارق بيتي، حيث خسرت عملي وزال مصدر رزقي وضاعت حقوقي المالية واستنزفت مدخراتي، حتى وجدتني مضطرا للبدء مجددا في بلاد لا تعرفني ولا أعرفها من "تحت الصفر"، حيث العمل كعامل شحن وتفريغ في مستودع أو سائق توصيل طلبات وركاب، وما شابه من وظائف بسيطة (لا يعيبني القيام بها في شيء)، فضلا عن التسبب بشكل مباشر في حرماني من العيش والاستقرار مع أسرتي الصغيرة والكبيرة منذ العام 2014 وحتى يومنا هذا، وما تخلل ذلك من حرمان أطفالي الصغار البراء (تسع سنوات)، حبيبة (سبع سنوات) من قضاء أجمل سنون طفولتهم البريئة مع والدهم.

ولقد زاد من استيائي وحنقي ودعائي اليومي على الإمارات وحكامها إبلاغي مؤخرا بأن السبب الرئيسي في تعطيل إجراءات وزارة الهجرة الكندية لاستصدار الإقامة الدائمة لي (حيث يشترط الحصول عليها لأتمكن من استقدام أسرتي إلى كندا) هو رفض السلطات الإماراتية طلب منحي وثيقة الحالة الجنائية الذي تقدمت به إلكترونيا في أيار/ مايو 2019. وعلى هذا الحال وإلى أن يشاء الله بالتيسير والفرج وفك الكرب أبقى وحيدا هنا في كندا وتبقى أسرتي بعيدة عني في تركيا؛ لا تجمعنا سوى آلام الفراق والحرمان والشتات القسري الذي فرضته علينا وعلى غيرنا من الأحرار والحرائر في عالمنا العربي أصول "السعادة.. على الطريقة الإماراتية!".

(تنويه واجب: يتعهد كاتب المقال بملاحقة دولة الإمارات وحكامها قضائيا على ما تسببوه من ألم وحرمان له وللكثيرين غيره، حتى يعلموا بأن الحقوق لا تضيع أو تسقط بالتقادم، وأن المظلوم لن يترك حقه في الدنيا قبل الآخرة، وهذا أمام الله وأمامكم عهد على ذلك وميثاق!).

twitter.com/ALMOTAIMH
facebook.com/ALMOTAIMH