نشرت صحيفة لوموند
الفرنسية تقريرا سلّطت فيه الضوء على قضايا الاغتصاب الذي تعرضت له الجزائريات
خلال حرب الاستقلال، والتي ظلت على امتداد فترة طويلة من المواضيع المحظورة، حتى
في الأبحاث التاريخية.
وقالت الصحيفة في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مسألة الاعتداء الجنسي والتعذيب
المرتكب بشكل شبه منهجي من قبل بعض الجنود الفرنسيين كانت موضوعا مسكوتا عنه في
الأبحاث التاريخية في البلدين. لم يكسر حاجز الصمت سوى نساء تمتعن بالشجاعة لاتخاذ
خطوة مماثلة. وبتاريخ 20 حزيران / يونيو 2000، نشرت صحيفة لوموند شهادة غير مسبوقة
عن عمليات الاغتصاب أثناء الحرب في الجزائر.
وتحدّثت لويزة إغيل
أحريز، وهي ناشطة جزائرية سابقة، عن الذكريات التي ظلت تلاحقها طيلة عقود: "كنت مستلقية
عارية، بمجرد أن سمعت صوت أحذيتهم، بدأت أرتجف، الأصعب هو الصمود في الأيام
القليلة الأولى، حتى تعتاد على الألم. ثم تفصل نفسك عقليا".
وبشكل مختصر، كشفت عن
طبيعة الانتهاكات التي تعرضت لها في أيلول / سبتمبر 1957، عندما كانت في العشرين
من عمرها، في مقر الفرقة العاشرة للمظليين في الجزائر العاصمة. ولم يدفعها لقص ما
حدث معها سوى أمل العثور على "القائد ريشو"، الذي أنقذها من خلال نقلها
إلى مستشفى مايو في باب الواد، ثم إلى السجن.
وقالت الصحيفة، "إلى
حد الآن، لم تشف الجزائر من صدمتين مرتبطتين بحرب الاستقلال، وهما أشد وطأة من كل
الصدمات الأخرى؛ قضية المفقودين وقضية الاغتصاب. بقدر ما تتحدث العائلات عن
الأولى، فإنها تلتزم الصمت بشأن الثانية. من بين جميع الانتهاكات التي ارتكبها
الجيش الفرنسي، تم التستر عن الاغتصاب من قبل الجناة والضحايا على حد السواء. وظل
هذا الموضوع الزاوية المظلمة في البحث التاريخي في الدولتين".
إلى كل ذلك، تضاف
حقيقة أن المؤرخين الفرنسيين لا يتلقون التمويل اللازم للانتقال إلى عين المكان.
في كثير من الأحيان، يجب الاكتفاء بأرشيفات أو شهادات قدامى المحاربين، دون الوصول
إلى تلك الخاصة بالضحايا. ويؤكد ترامور كيمنور، المؤرخ المتخصص في الحرب الجزائرية
أن "شهادة لويزة إغيل أحريز كانت بمثابة انفجار! منذ ذلك الحين بدأنا نحن في
فرنسا بالاهتمام بهذا الموضوع".
وقالت لوموند، في
أعقاب الاستقلال عام 1962، كان الصمت شعار العائلات الجزائرية. طُلب من جميع الذين
عانوا الفظائع، وخاصة الاعتداء الجنسي، التزام الصمت. حتى اليوم، يعد الاغتصاب
مرادفا للعار. على الرغم من كل ذلك، تتغير العقليات ببطء. فيما بينهن، ودون شهود، تتحدث
المجاهدات اليوم عن العنف الذي تعرضن له أثناء استجوابهن.
اغتصاب جماعي
وذكرت الصحيفة أنه إلى
جانب لويزة إغيل أحريز، كانت بية لعريبي، الملقبة "ببية السوداء" من المجاهدات
القليلات اللاتي روين قصص اغتصابهن. تعيدنا قصتها إلى خمسينيات القرن الماضي،
عندما كانت طالبة تمريض. في عام 1956، ذهبت إلى الجبال حيث يتحصن المجاهدون ولكن
تم القبض عليها في العام التالي في شرق البلاد، مع ثلاث ممرضات أخريات ومجموعة
مكونة من أربعة عشر مقاتلاً. اقتيدت إثر ذلك إلى الجزائر العاصمة، ثم نقلت من
معتقل إلى مكان تعذيب.
وفي قصر كلاين، في
القصبة السفلى، تعرضن لاغتصاب جماعي. كان أحد معذبيها ابن مستوطن ثري معروف. في
مقر الفرقة العاشرة للمظليين، اغتصبها الكابتن غراتسياني (الذي توفي في المعركة
بعد عامين)، وهو نفس الشخص الذي اغتصب لويزة إغيل أحريز ونساء أخريات.
"تعذيب
نفسي"
وأضافت الصحيفة أنه في
الحوار الذي أجرته معها صحيفة لوموند الفرنسية سنة 2014، قالت بيّة: "حصلنا على استقلال، ولكن بأي
ثمن! تحتاج الأجيال الصاعدة إلى معرفة ما حدث. التعذيب الجسدي لا يقارن بالتعذيب
النفسي إن الموت هو النهاية، لكن لا نهاية لمعاناة التعذيب النفسي! الرجال يشنون
الحرب لكن النساء يدفعن الثمن!".
وقالت: "كيف يمكن
التعامل مع موضوع يثير الرعب والدهشة، ولم يتم تناوله بشكل مباشر في تقرير ستورا
الأخير؟". تؤكد المؤرخة كلير موس كوبو أنه "من أجل المضي قدمًا، يجب أن
ننجح في التحرر من الأحكام المسبقة، لم تكن عمليات التعذيب الجنسي التي ارتكبت في
الجزائر مجرد أخطاء فادحة، وإنما نتاج الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة من أجل
سحق العدو وإذلاله".
كان الاغتصاب الذي
ارتكبته القوات الفرنسية جزءًا من نظام القمع والترهيب الذي يتم تطبيقه في
المقاطعات الفرنسية الثلاث بالجزائر قبل فترة طويلة من انتفاضة 1954. منذ بداية
الاستعمار، في عام 1830، كان الناس يعذبون الناس بشكل روتيني في أقسام ومراكز
الشرطة.
"سنقتل
الأطفال"
ما الذي سيقع فعله
بالأطفال الذين يولدون من رحم هذه الاعتداءات؟
أما الأكاديمية دانييل
جميلة عمران في كتابها "النساء في الحرب الجزائرية"، فقد نقلت اعترافات
مجاهدتين: "أنا وفريدة أثرنا مشكلة الاغتصاب. لم يرغب أقرباؤنا في تصديق ذلك
في البداية. ثم استوعبوه. ما الذي سيقع فعله بكل حالات الحمل هذه؟ قال القائد سي
لاخضر، 'حسنًا، سنقتل الأطفال' قلنا 'لا، لا يمكنك قتل الأبرياء.' في الواقع، لم
يفعلوا ذلك، بل احتفظوا بكل هؤلاء الأطفال. لم يرغب الأزواج بذلك، لكنهم احتفظوا
بهم في النهاية. كانت هناك صعوبات، لكن الجميع فهم الأمر".
في الواقع، لم ينطبق
ذلك على الجميع. وهو ما يثبته وضع خيرة غارن، التي كانت في سن 15 عاما ضحية اغتصاب جماعي في آب /
أغسطس 1959، في معتقل ثنية الحد. من رحم هذه المأساة، ولد محمد. لديه الآن جنسية
مزدوجة. وهو "فرنسي بالجريمة"، كما يصف نفسه. بعد انتهاء الإجراءات
القانونية الطويلة والمعقدة ضد وزارة الدفاع الفرنسية، تم الاعتراف به كضحية للحرب
الجزائرية وحصل على معاش تقاعدي رمزي في عام 2001.
"حملات
اغتصاب"
أضافت الصحيفة أنه
وفقًا لقدامى المحاربين والضحايا والشهود الفرنسيين، كان هناك نوعان من الاغتصاب؛
عمليات ارتكبت في مراكز الاستجواب المتعددة في جميع أنحاء البلاد، وأخرى حدثت في
البيوت الطينية خلال حملات القوات إلى القرى والنجوع المعزولة.
وفي دفتر ملاحظاته
الشخصي، الذي كتبه في شهر نيسان / أبريل 1957 في باتنة، والذي شاركه مع الباحثين
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يستحضر دينيس، الملازم الثاني المظلي في
الفوج الثامن عشر من صيادي المظلات، بخوف "حملات الاغتصاب" هذه، كما
كانت تسمى في قسمه. كانت النساء يغطين وجوههن بالسخام، وأحيانًا البراز، في محاولة
لإثارة اشمئزاز المهاجمين.
وقالت الصحيفة: "ارتكبت
عمليات الاغتصاب في كل مكان تقريبًا بين عامي 1954 و1962، في الريف أكثر بكثير
مما كانت عليه في المدينة، وعرفت نسقا تصاعديا مع تقدم سنوات الحرب. نظرًا لأن
المظليين التابعين للجنرال ماسو مُنحوا السلطات الكاملة في أوائل عام 1957، كانت
معركة الجزائر بلا شك نقطة تحول في هذا المجال".
ما الذي يقوله الأرشيف
الخاص؟
بينت الصحيفة أن فتح
الأرشيف في السنوات القادمة لن يصف بدقة مدى انتشار هذه الظاهرة، في الجزائر
العاصمة كما في أي مكان آخر. في الواقع، لم تكن هناك أي أوامر صريحة بالاغتصاب،
ناهيك عن الأوامر المكتوبة. في المقابل، تكشف الأرشيفات الخاصة عن حجم المأساة.
أولئك الذين ارتكبوا مثل هذه الأفعال لم يتفاخروا بها. لكن الشهود سردوا مشاهد لا
حصر لها في دفاترهم الشخصية ورسائلهم إلى والديهم.
وتقول المحامية جيزيل
حليمي، وهي من أوائل من استنكروا انتشار الاغتصاب خلال الحرب الجزائرية، أن
"تسعة من جملة عشر نساء تعرضن للاغتصاب أثناء الاستجواب".
ودافعت جيزيل حليمي عن
العديد من المجاهدات وكانت تعرف هذه القضية أكثر من أي شخص آخر. وأوضحت أن
"الوقوع بين أيدي قوات الأمن الفرنسية كان مأساة للناشطات المؤيدات
للاستقلال، لأنهن كن نساء وإرهابيات في الآن ذاته". ورفضت الناشطات اللاتي
دافعت عنهن بشدة إبلاغ المحكمة بجرائم الاغتصاب التي تعرضن لها. فضلا عن ذلك، لم
تساعد الصحافة في ذلك الوقت هذه المحامية في التغلب على الصعوبات التي واجهتها.
كلاب مدربة على
الاغتصاب
وبينت الصحيفة أن مهند
سبخي، الذي توفي في عام 2019، روى هو الآخر ما عاناه لدحّو جربال، وهو مؤرخ ومؤسس
مجلة نقد الجزائرية. من هذه الحوارات، ظهر كتاب "ذكريات ناج من الولاية
3". في مخيم قصر الطير بالقرب من سطيف، حيث تم تدريب الكلاب على اغتصاب
السجناء وأشهرها كان موموس، وهو كلب أسود يبلغ وزنه ستين كيلوغراماً "مدربا"
للتسلية.
وقال مهند سبخي لدحّو
جربال إن حوالي خمسمائة رجل اعتقلوا في هذا المعسكر، محاطين بالأسلاك الشائكة
المكهربة والألغام، مع كلاب من نوع الراعي الألماني. وبحسب ما قاله، فإن القمع
والجوع والذل والأشغال الشاقة سادت في قصر الطير. لكن الأسوأ بالنسبة للمعتقلين
كان هذا الكلب الذي قام بمجزرة في حق الأسرى.
وفي الختام، أشارت
الصحيفة إلى أن القلق ما زال يسيطر على الأطباء النفسيين، بشأن عواقب هذه المآسي
المسكوت عنها، التي تنتقل من جيل إلى آخر على جانبي البحر الأبيض المتوسط.
مجلة فرنسية تكشف ما جرى مع زوجة بوتفليقة السابقة في باريس
موقع فرنسي: عائلة "بومنجل" تجسد جريمة الاختفاء القسري
MEE: صحيفة تحقق بشكوى ادعاءات ماكرون حول مسلمي فرنسا