انتقد وصفي كبها، وزير
الأسرى السابق والقيادي في حركة
حماس بالضفة الغربية، الأسبوع الماضي، قيادة
الحركة لأنها وافقت على إجراء الانتخابات بالتتابع وفق الواقع الحالي، دون حل
المشاكل العالقة الخاصة بإفرازات وتداعيات الانقسام، من قبيل الحريات العامة
وشرعية المجلس التشريعي ورواتب النواب والأسرى والموظفين. وقال إن القيادة لم
تستمع للمناشدات والنصائح، وختم حديثه بالدعاء أن يقي الله الشعب
الفلسطيني شرّ
هذه الانتخابات.
في الحقيقة يعبّر كلام كبها عن مواقف شرائح
واسعة من أعضاء وقواعد حماس في الضفة الغربية والخارج، وحتى في غزة نفسها، علما أن
القيادي الأسير إبراهيم حامد (محكوم بـ54 "مؤبّد") كان قد وجّه رسالة
إلى قيادة الحركة (نشرت هنا في 13 شباط/ فبراير الماضي) تتضمن تقريبا نفس المواقف
وعلامات الاستفهام التي طرحها كبها، إضافة إلى ملاحظات سياسية متعلقة بكيفية إدارة
الصراع مع إسرائيل، مستنتجا أن الانتخابات بالظروف الحالية لن تنهي الانقسام أو
تحل أي من المشاكل والأزمات الأخرى، والرئيس محمود عباس هو المستفيد الوحيد منها
لأجل تجديد شرعية السلطة وقيادتها وسياساتها المتبعة منذ تأسيسها حتى الآن.
يعبّر كلام كبها
عن مواقف شرائح واسعة من أعضاء وقواعد حماس في الضفة الغربية والخارج، وحتى في غزة
نفسها
للتذكير؛ كانت قيادة حماس قد وافقت على إجراء
الحزمة الانتخابية بالتتابع لا التزامن بجدول يتضمن التشريعية أولا في منتصف أيار/
مايو ثم الرئاسية أواخر تموز/ يوليو، والمجلس الوطني أواخر آب/ أغسطس حيثما أمكن،
مع فاصل زمني من شهر واحد فقط عن الرئاسية، أي شهرين بين هذه الأخيرة والتشريعية،
وأربعة أشهر منذ إصدار المرسوم الرئاسي إلى حين إجراء التشريعية، في تهميش واضح
للمجلس الوطني والمنظمة، وتأجيل ملفهما إلى مرحلة لاحقة دون أن يؤمن أحد أن
الانتخابات ستجري فعلا أو ستتم إعادة بناء منظمة التحرير كإطار قيادي وطني مرجعي
جامع لكل الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة.
بتفصيل أكثر، فقد أصرّت قيادة حماس (محقة)
طوال الوقت على إجراء الانتخابات بالتزامن، مع خريطة طريق وطنية واضحة موجودة أصلا
في وثائق إنهاء الانقسام المتعددة، وتتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية من سياسيين أو
حتى مستقلين وتكنوقراط تتولى توحيد المؤسسات ومعالجة تداعيات وإفرازات الانقسام
تحديدا، أي المشاكل والأزمات والقضايا التي طرحها وصفي كبها، ومن ثم تهيئة الظروف المناسبة
أمام الانتخابات المتزامنة ضمن مدى زمني معقول - سنة على الأقل - مع إعطاء أولوية
للمجلس الوطني بصفته البرلمان الجامع، وإعادة بناء منظمة التحرير بوصفها الإطار
القيادي المرجعي الأعلى. وهي نفس المفاهيم التي تم التأكيد عليها في لقاء الأمناء
العامين للفصائل بين بيروت ورام الله أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي.
إن تغييرا لافتا
حصل في مواقف حماس أثناء الحوار الثنائي مع حركة
فتح في القنصلية الفلسطينية
بإسطنبول منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث وافقت الحركة على الانتخابات المتتابعة
ضمن سقف زمني محدد، ولكن بالتوازي مع إجراء حوارات وطنية
غير أن تغييرا لافتا حصل في مواقف حماس أثناء
الحوار الثنائي مع حركة فتح في القنصلية الفلسطينية بإسطنبول منتصف أيلول/ سبتمبر
الماضي، حيث وافقت الحركة على الانتخابات المتتابعة ضمن سقف زمني محدد، ولكن
بالتوازي مع إجراء حوارات وطنية ثنائية ومتعددة لوضع حلول وتصورات تنفيذية لمعالجة
كل نقاط الخلاف العالقة، بما فيها منظمة التحرير طبعا.
هذا التغيير أثار خلافات واسعة داخل حماس،
فجاء اجتماع المكتب السياسي أواخر أيلول عاصفا، حيث تعرض وفد الحركة المفاوض مع
فتح لانتقادات اعتبرت أن ما جرى ليس إنجازا أو اختراقا بأي حال من الأحوال؛ كونه
لم يحل أيا من المشاكل والأزمات العالقة التي تم تأجيلها، ما يبقي الانقسام
والواقع على حاله، وأن الحركة لو أرادت لوافقت على صفقة كهذه منذ سنوات طويلة،
لكنها رفضت بسبب افتقادها الثقة بالرئيس محمود عباس ويقينها بعدم امتلاكه الإرادة
لإنهاء الانقسام وإعادة توحيد وبناء المؤسسات على قاعدة الشراكة الوطنية، خاصة في
منظمة التحرير الفلسطينية.
بناء عليه، وفي جولة حوار تشرين الثاني/
نوفمبر في القاهرة، غيّرت حماس موقفها وأعادت طرح فكرة الانتخابات المتزامنة،
واعتبارها تتويج لعملية المصالحة وإنهاء الانقسام لا مدخلا لها، كما أراد دوما
الرئيس عباس قبل أن تتفجّر جولة الحوار إثر قرار السلطة العودة إلى التنسيق الأمني
مع إسرائيل، ما وجه ضربة قاصمة لمسيرة الحوار الوطني برمتها في نسختها الأخيرة
التي استمرت عام تقريبا تحت وطأة التحديات الثلاثية التي واجهتها القضية
الفلسطينية، والمتمثلة بصفقة القرن الأمريكية وخطة الضمّ الإسرائيلية والتطبيع
العربي الإسرائيلي الذي أخذ صيغة التحالف المسعور في الحالة الإماراتية.
رغم ذلك كله وعلى نحو مفاجئ في نهاية كانون
الأول/ ديسمبر، غيّرت قيادة حماس موقفها مرة أخرى وقبلت بما كانت ترفضه، ووافقت
على الانتخابات المتتابعة دون إنهاء الانقسام ودون ضمانات لإعادة تشكيل المجلس
الوطني وإصلاح وبناء منظمة التحرير، بحجة الحصول على ضمانات أخرى تتعلق بنزاهة
الانتخابات التشريعية والرئاسية والاعتراف بنتائجها من قبل عواصم عربية وإقليمية،
رغم أنها تجري وفق واقع الانقسام الراهن بين الضفة الغربية وغزة.
بدا الأمر كله
بمثابة بحث للحركة عن تجديد شرعيتها التشريعية مقابل شرعية تشريعية ورئاسية لفتح
وأبو مازن، وبقاء الواقع الراهن في الضفة الغربية وغزة كما هو
في الحقيقة، حماس هي من غيرت موقفها، وطلبت
ضمانات لتخريج تراجعها أو مرونتها، كما تقول مصادرها، غير أن الهدف الأساس تمثل
بالحفاظ على سلطتها ومكاسبها في غزة، مع تحسين الأوضاع الإنسانية فيها خلال فترة
الانتخابات وما بعدها.
وعموما، بدا الأمر كله بمثابة بحث للحركة عن
تجديد شرعيتها التشريعية مقابل شرعية تشريعية ورئاسية لفتح وأبو مازن، وبقاء
الواقع الراهن في الضفة الغربية وغزة كما هو، مع تحديث ما لا يغير من جوهر
الانقسام والانفصال بينهما.
في السياق الانتخابي أيضا، وافقت قيادة حماس
على إعطاء حرية حركة واسعة في غزة للقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، أحد رموز
الثورة المضادة عربيا وذراع أبو ظبي - عاصمة الثورة المضادة - الأمني التخريبي في
المنطقة، بحجة تعميق الاستقطاب والتجاذب داخل حركة فتح وموقف النظام المصري الداعم
لدحلان، رغم التداعيات السلبية الهائلة لتعويم وشرعنة هذا الأخير وتياره السياسي
على المقاومة والمصالح والقضية الفلسطينية بشكل عام، ورغم رفض الرئيس محمود عباس
كل الضغوط العربية والدولية (الروسية) للتصالح مع دحلان أو تعويمه وتياره بأي شكل
كان.
في الأسباب أيضا يتم الحديث عن الحصول على
مساعدات إماراتية - عبر دحلان - لتحسين الوضع الإنساني في غزة، علما أن ما جلبه
دحلان من مساعدات ليست سوى مسكنات للأمراض الغزاوية المزمنة، بينما تستغل أبو ظبي
ذلك لتبييض صفحتها ولفت الانتباه عن جرائمها المتنقلة من دولة عربية إلى أخرى.
تجري الأمور وفق
الواقع الراهن لجهة تكريس مكانة حماس وسلطتها في غزة، وعباس وسلطته في رام الله،
مع علاقة سوريالية ما بين السلطتين، هي مزيج بين الكونفدرالية أو الفيدرالية
الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي وإن بدرجات متفاوتة
وإضافة إلى ذلك كله، فقد كان دحلان شريكا
لمحمود عباس منذ أوسلو حتى سنوات قليلة ماضية، وبات حتى أخطر منه عبر تماهيه مع
تيار الثورة العربية المضادة ومشروعها الإقليمي التخريبي، علما أنه لأبي مازن كعبد
الفتاح السيسي لحسني مبارك، ويسعى لاستغلال علاقته مع حماس من أجل تبييض صورته،
تماما كما فعل السيسي مع الرئيس الشهيد محمد مرسي في مصر.
أخيرا وباختصار، وبناء على المعطيات السابقة
والمستجدات المتلاحقة منذ مرونة حماس وإصدار محمود عباس المرسوم الرئاسي
الانتخابي، تجري الأمور وفق الواقع الراهن لجهة تكريس مكانة حماس وسلطتها في غزة،
وعباس وسلطته في رام الله، مع علاقة سوريالية ما بين السلطتين، هي مزيج بين
الكونفدرالية أو الفيدرالية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي وإن بدرجات متفاوتة. وما
نشهده من حيوية حزبية سطحية وخادعة لا تغير من جوهر الانتخابات التي ندعو الله أن
يقي الشعب الفلسطيني شرّها، وأن لا نعض أصابعنا ندما عليها، حسب الدعاء الشهير
للقيادي الحمساوي ووزير الأسرى السابق، وصفي كبها.