قضايا وآراء

إعادة الخوف

1300x600
أطلقت جنازة الوزير وصفي قبها - رحمه الله - وارتداداتها، صافرة الإنذار في مقر عباس وفي مراكز أجهزته الأمنية، وهو ما صرح به نائب محافظ جنين (مؤشر خطير)، كما دقت ناقوس الخطر في دوائر القرار والأمن الصهيونية. فقد كتبت الصحف الصهيونية، كما أعدَّت مواقع وفضائيات تقارير خاصة تحذر من عودة الراية الخضراء وتتخوف من ترسيخ سيطرتها على الشارع الفلسطيني المتجذرة فيه، رغم ما بُذِل من جهود وأموال ورغم التنسيق الأمني المقدس، وما نتج عنه من قمع وملاحقة وفصل من الوظيفة، وكافة الممارسات التي لم تتوقف طوال السنوات منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم.

لا تقوم الدكتاتوريات إلا على الخوف، ولا تستمر إلا بالرعب. ومن العجيب في هذا الزمان وجود معاهد تدرس طرق إخضاع شعوب، وكيفية زراعة الخوف، يديرها علماء وخبراء وقيادات أمنية.

تعتبر أغلبية الدول العربية من الزبائن المفضلين لدى تلك المعاهد، وأكثرها إقبالاً على شراء وسائل التنصت والتجسس على الشعوب.

فلا "ينجح" انقلاب في بلدٍ ما، سواء كان الانقلاب فيها دموياً (والأمثلة كثيرة) أو سلمياً (وأمثلته عديدة)، إلا أن يعتمد الزعيم منهج إعادة الخوف، نعم الخوف وليس إعادة الوعي، فيمارس وسائل القمع والإجرام والإقصاء، والحرمان الوظيفي، ويعتمد نهج تصنيف الناس، وتقسيم الشعب، معارضة وموالاة.. نحن شعب وأنتم شعب، فريق يصفق للدكتاتور ويسبح بحمده، أولئك وطنيون.. ومن ليس معنا فهو ضدنا، أولئك شعب آخر، خائن وعميل وخارج عن الصف الوطني، بجانب الاعتقال السياسي، وما يبتكر فيه من وسائل تعذيب.

كما ينشر الطاغية عمليات الإخفاء القسري والاعدامات في الشوارع دون محاكمة، ويستخدم الفلتان الأمني لنشر الرعب ولتحطيم السلم الأهلي، كما يقوم الطاغية بتجنيد الناس جواسيس بعضهم على بعض.

ثم تلجأ الحكومات الدكتاتورية إلى صناعة أزمات داخلية، مثل أزمة في الخبز، وأزمة في الكهرباء، وأزمة في الوقود، وأخرى في السكن، وفي المواصلات وفي الصحة وفي التعليم وغيرها. ومن الطرق المحببة للطغاة إشغال الناس في الجهوريات والقبلية والصراعات العائلية.

ويحرص الطغاة على السيطرة على منظومة القضاء وإخضاعها والتدخل في قراراتها. كما ينشغلون بامتلاك وسائل الإعلام، وتكميم أفواه الذين لا يسيرون في ركب تمجيد الزعيم والتغني بإنجازاته. ثم يتسيّد الفساد والفاسدون كل ذلك، ويتحكمون في تفاصيل حياة الناس.

بعد وصول مشروع السلطة إلى طريق مسدود، وبعد أن أصبح حلّ الدولتين مجرد سراب، وبعد أن انتهى مشروع الدولة الفلسطينية، قرر الفريق المتنفذ المضي في اتفاق أوسلو وتنفيذ التزاماته للحفاظ على مكتسباته، فعمل على بسط ونشر الخوف، وزرع الرعب. ونجح من خلال القمع ومزيد من القمع في كبح جماح الشعب الذي عجزت آلة الاحتلال عن ترويضه.

ولما بدأ الوعي يعود من جديد، وأخذت جُدر الخوف تتهاوى وتتلاشى، فقد ظهرت حراكات شبابية ضد قانون الضمان الاجتماعي وضد مخرجات سيداو وضد قمع الحريات، وظهرت أصوات معارضة قوية ضربت في جدار السلطة ضربات موجعة.

كما حققت المقاومة إنجازات حقيقية في المجال الأمني، والمواجهة ورد العدوان، كما كان لبعض محطات التقارب الوطني أثر في تخفيف بعض الإجراءات. كل ذلك منح شعبنا فرصة ليتنفس نسمات الحرية النسبية، لكن ذلك أغضب العدو الصهيوني وأزعج السلطة وقيادتها وأجهزتها، فقرروا إعادة زرع الخوف.

وإنني لأظن أن ما شاهدناه من همجية في اعتقال بعض أنصار حماس في وضح النهار وأمام كاميرات التصوير وعلى "عينك يا تاجر"، يقصد منها بث الخوف وإعادة "هيبة الدولة"، ولا تفسير لحملة الملاحقة الجديدة لرايات الفصائل وبخاصة الراية الخضراء سوى هدف واحد ألا وهو إعادة شبح الخوف.

هذا الخط المشترك بين جميع الحكومات المتسلطة ولدى جميع الطغاة، والقرآن أشار إلى تناقل الخبرات بين الطغاة في قوله سبحانه: "أتواصوا به بل هم قوم طاغون".