اقتصاد عربي

ارتفاع الأسعار ونقص المعروض بمصر.. هل يؤدي لأزمة غذاء؟

ارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال الفترة الماضية في مصر - جيتي

تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا في مصر وصلت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وسط مخاوف من تراجع المخزون ونقص المعروض في العديد من السلع الاستراتيجية في بلد يتجاوز عدد سكانه 104 ملايين نسمة، وتصل نسبة الفقر إلى نحو 30 بالمئة.

وتواجه العديد من السلع الغذائية الاستراتيجية زيادة كبيرة في الأسعار مثل القمح والأعلاف والزيوت والسكر؛ نتيجة تراجع المخزون بسبب قيود الاستيراد، وعدم قدرة البنك المركزي المصري على توفير العملة الصعبة للمستوردين في البنوك.

على الرغم من انخفاض مؤشر أسعار السلع الغذائية العالمية للشهر السادس على التوالي في أيلول/ سبتمبر الماضي بنسبة 1.1%، وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، إلا أنها تواصل ارتفاعها في مصر بشكل حاد.

 



في غضون ذلك، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية سجل أعلى مستوياته في نحو أربعة أعوام.

وزاد التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 15 بالمئة في أيلول/ سبتمبر مقابل 14.6 بالمئة في آب/ أغسطس، وهذا أعلى معدل للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عندما سجل 15.7 بالمئة.

مخاوف غذائية


في حزيران/ يونيو الماضي، أعرب وزير المالية المصري، محمد معيط، عن مخاوف بلاده من استمرار أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية من أن تتطور إلى "مجاعات"، ما ألقى الضوء على مدى قدرة الحكومة المصرية على توفير احتياجاتها الغذائية.

 




وحذر معيط من حدوث مجاعات قد تنتج عنها أعداد كبيرة من الضحايا؛ نتيجة لعدم القدرة على توفير الطعام والشراب، مطالبا الدول "بصرخة" من أجل العمل على حل الأوضاع الحالية قبل فوات الأوان.

وتقع مصر في قلب الأزمة، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" من أن مصر تواجه تحديات فيما يتعلق بالأمن الغذائي، خاصة أن أكثر من نصف المصريين لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي كاف، وغالبيتهم لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي صحي.

كما تشير أحدث بيانات لجهاز الإحصاء بمصر إلى تدني نسب الاكتفاء الذاتي في أهم السلع الاستراتيجية خلال عام 2020، لتصل النسبة إلى أقل من 1% للعدس وفول الصويا، و17% للفول الجاف و23% لبذور عباد الشمس و26% للبقوليات، و41% للقمح، و42% للحوم البقر، و45% للذرة الشامية، و50% لمجموع الحبوب، و78% للأسماك.


أزمة الغذاء وكرة الثلج


في سياق تعليقه، قال مستشار وزير التموين سابقا، عبد التواب بركات، إن "الشعب المصري يعاني منذ سنوات من أزمة غذاء وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع، ولكنها أصبحت مثل كرة الثلج تكبر يوما تلو الآخر، وامتدت إلى اللحوم البيضاء وبيض المائدة وهم بروتين الفقراء والطبقات المعدمة، وهو مؤشر على وجود أزمة غذائية، وذلك نتيجة ارتفاع سعر العلف إلى الضعف من 7 آلاف جنيه إلى 15 ألفا (الدولار يساوي 19.7 جنيها) بسبب عدم توافرها بالسوق".

 





وبشأن ملامح أزمة الغذاء، أوضح في تصريحات لـ"عربي21": "الأزمة امتدت إلى السلع الغذائية التي تحقق فيها الدولة نسبة اكتفاء ذاتي مرتفعة مثل الأرز حيث ارتفع سعره بأكثر من 100 بالمئة من مستوى 6 جنيهات العام الماضي إلى 15 جنيها، وهو الغذاء الرئيسي للمصريين بعد رغيف الخبز، ما دفع مجلس الوزراء للجوء إلى التسعيرة الجبرية، إلى جانب رفع أسعار السلع التموينية وخفض حصة المستفيدين من الأرز".

فيما يتعلق بالقمح ومنتجاته، حذر بركات "من استمرار تراجع مخزون القمح لدى القطاع الخاص الذي ينتج الخبز الحر والفينو الخاص بالمدارس، ما دفع المخابز إلى رفع أسعار الخبز وتقليل حجمها لتتناسب مع التكلفة الجديدة، كما أن لجوء الحكومة إلى تدابير تتخذها الحكومات أوقات الحروب مثل التوريد الإجباري للقمح والأرز وفرض سعر متدن لهما يكشف عن مخاوف حقيقية من حدوث أزمة غذاء كبيرة".

وأعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في الأزمة "ليس تداعيات جائحة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية، إنما تجاهل الدولة خطط الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الاستراتيجية مثل الحبوب والزيوت واللحوم والتركيز على مشروعات ضخمة لا علاقة لها بحماية المصريين من تداعيات الجوائح والحروب".

 





خلال الأيام القليلة الماضية، حذر مستوردون وتجار تحدثوا إلى "عربي21" من استمرار تكدس البضائع في الموانئ بسبب عدم توفر الدولار، وقال الاتحاد العام لمنتجي الدواجن إن سعر طن الأعلاف ارتفع خلال الأسابيع الأخيرة بنسبة 100%.

وعلى الرغم من أن مصر لديها اكتفاء ذاتي في إنتاج البيض والدواجن بنسبة 100 في المئة، إلا أنها تستورد 80% من احتياجاتها من الأعلاف من الخارج والتي تتكون من الذرة الصفراء وفول الصويا.

 

اقرأ أيضا: التضخم في مصر يبلغ ذروته للمرة الأولى منذ 4 سنوات

على مستوى الخبز غير المدعم، تشهد المخابز أزمة حالية في استمرار ارتفاع زيادة أسعار طن الدقيق الحر بجميع أنواعه، والذي تستخدمه المخابز في إنتاج عيش الفينو والخبز الحر والمخبوزات المختلفة.

وفي تصريح لـ"عربي21"، قال رئيس شركة البركة لتجارة الحبوب، محمد فتحي: "قفز سعر طن الدقيق الحر بأكثر من 90% من مستوى 6200 جنيه في أيلول/ سبتمبر الماضي إلى 12 ألف جنيه حاليا، وبعض الأنواع وصلت إلى 14 ألف جنيه، بسبب تراجع المخزون لدى مطاحن القطاع الخاص الناتج عن تكدس الدقيق في الموانئ بأكثر من مليون طن منذ عدة أشهر".