يواجه تحالف المعارضة في تركيا إشكاليات عدة في طريقه للانتخابات العامة المقررة في حزيران/ يونيو المقبل، فيما يسعى حزب العدالة والتنمية للتغلب على خسارة الأصوات بسبب الارتفاع المعيشي والتضخم في البلاد.
ولا يشكل عدم التوصل لـ"المرشح الرئاسي المشترك" الإشكالية الوحيدة التي تواجه الطاولة السداسية للمعارضة، فيما يعد التضخم والغلاء المعيشي المشكلة الأكبر التي تؤثر على نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 20 عاما.
وعقدت الطاولة السداسية العديد من اللقاءات والجلسات للتخطيط لاستراتيجيتها المستقبلية، وسط توقعات لديها بأنها قد تحكم البلاد في انتخابات 2023، ولكن حتى اللحظة وفق مراقبين لم تقدم تصوراتها ومقترحاتها للإشكاليات التي تواجه البلاد، أو موقفها الإجماعي تجاه السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب.
وتتباين أفكار وأيديولوجيات أحزاب "الطاولة السداسية"، ولديها وجهات نظر مختلفة تجاه أبرز القضايا لا سيما الخارجية، لكنها تجتمع على مسألة التحول إلى "النظام البرلماني المعزز" وإبعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رئاسة البلاد.
وتبرز المشاكل الرئيسية التي تواجه تحالف المعارضة تحت 7 عناوين وهي:
مشكلة تغيير النظام
يؤكد تحالف المعارضة أنه إذا فاز مرشحهم الرئاسي، وحصلوا على الأغلبية في البرلمان على التحول لـ"النظام البرلماني المعزز" للبلاد بدلا من "الرئاسي"، وهي النقطة الوحيدة التي جرى الاتفاق بشأنها.
ويقول الكاتب حامد إيمره برش في تقرير على مجلة "كريتر"، إن هذا الطرح يواجه إشكالية وهي تمرير تعديل دستوري، وفي ظل الظروف السياسية الحالية، يستحيل على أحد التحالفات تمرير تعديل دستوري من مجلس النواب دون الحاجة إلى استفتاء شعبي.
اقرأ أيضا: "قضية الحجاب في تركيا" تحرج كليتشدار أوغلو.. لماذا أثارها؟
وتحالف المعارضة بحاجة لأن يكون لديه 360 نائبا بالبرلمان لتحقيق الاستفتاء، أو ما لا يقل عن 400 نائبا للقيام بالتغييرات بدون الاستفتاء، وحتى إذا استوجب طريق التصويت الشعبي فيجب أن تفوق أصوات "نعم" أصوات "لا".
"المرشح الرئاسي المشترك"
فشل تحالف المعارضة حتى الآن في التوصل لاتفاق بالرأي بشأن "المرشح المشترك" لمنافسة أردوغان، ويقول الكاتب بريش إن قادة الأحزاب الستة يرون أن لديه الحق في الترشح، ناهيك عن رؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول الذين يرون أن لديهم الحق بالترشح للرئاسة.
ويرى الكاتب أنه ومع اقتراب الانتخابات، فإن مشكلة المرشح الرئاسي تتفاقم، وتكشف أنه ليس لدى قادة التحالف منظور للمستقبل.
ويشكل "الرئيس" دورا حاسما بشأن النظام المعتمد في البلاد، والشخص المنتخب يقع على كاهله تحديد اتجاه البلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة، والجمود في تحديد "المرشح المشترك" يثير التساؤلات حول "التعاون المستقبلي" لأطراف الطاولة السداسية.
الموقف من "الشريك السابع" للطاولة
يؤكد الكاتب أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي هو الشريك السابع للطاولة السداسية منذ البداية، وعدم ظهوره على الطاولة بشكل رسمي يعود سببه إلى المخاوف من ردود أفعال الناخب القومي في حزب الجيد على وجه الخصوص.
ويدرك شركاء التحالف، أنه لا يمكن الفوز بانتخابات الرئاسة دون الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يعتبر أن هذه المسألة "ورقة رابحة" بيده لزيادة مكاسبه التي يسعى لتحقيقها من التحالف الذي يشكل هذا الوضع موقف ضعف له.
تشكيل "مجلس الوزراء"
يذكر أن كافة الوزراء في حكومة الرئيس أردوغان هم أعضاء من حزب العدالة والتنمية، ولم يطالب زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي الشريك في التحالف الحاكم بعض الأسماء التي تمثل حزبه في الحكومة.
والإشكالية التي ستواجه المعارضة إذا فاز مرشحها بالرئاسة، أن الحكومة التي ستشكل ستكون "ائتلافية" يشارك في تشكيلها أحزاب الطاولة السداسية، والتساؤل الذي يبرز "كيف سيتم تقسيم الوزارات بين شركاء التحالف؟".
لكن الإشكالية هناك أكثر تعقيدا بحسب الكاتب التركي الذي يوضح أن "النظام الرئاسي" على عكس "البرلماني" لا يستند على مبدأ المسؤولية المشتركة لمجلس الوزراء، لذلك في حكومة تحالف المعارضة هناك احتمال قوي بأن يتصرف كل وزير وفقا لمساحته الخاصة أو إبداء الأولوية لمصالح حزبه، وهذا يعني أن تأثير الرئيس سيكون محدودا لأنهم سيمثلون أحزابهم فقط.
اقرأ أيضا: المعارضة التركية بدون مرشح.. وأردوغان يتصدر استطلاعات الرأي
علامة الاستفهام الأخرى بحسب الكاتب، تتعلق بقضية منح حزب الشعوب الديمقراطي وزارة في حكومة تحالف المعارضة، حيث يختلف الشركاء بهذه المسألة.
النظرة العامة للاقتصاد
وتعد مسألة الاقتصاد إحدى أبرز الإشكاليات التي تواجه تحالف المعارضة، وتختلف آراء الشريك الأكبر للتحالف حزب الشعب الجمهوري، عن الأطراف الأخرى في نظرته العامة للاقتصاد.
ووفقا للنظام الرئاسي، فإن السياسة الاقتصادية كما القضايا الأخرى يتم تحديدها من "الرئيس"، وفي ظل الاختلافات تجاه هذه القضية، فإن التساؤل الأبرز هنا حول "كيفية اتخاذ مجلس الوزراء قراراته بشأن تنفيذ السياسات الاقتصادية".
ويشير الكاتب برش، إلى أنه رغم تركيز المعارضة على المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد مؤخرا، لكنها لم تبرز نوع السياسات التي قد تتبعها للتغلب عليها، وتكتفي فقط بتوجيه الانتقادات دون شرح وجهة نظرها ومقترحاتها تجاه هذه القضية للناخب.
السياسة الخارجية
وتعد السياسة الخارجية المتخذة من الرئيس أردوغان، إحدى الأوراق الرابحة في العملية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية.
واتبعت أنقرة سياسة متوازنة في ظل العلاقات المتوترة بين العالم الغربي وروسيا، وتلعب دورا ناجحا في التوسط في الأزمة الأوكرانية، مما يشكل عبئا للمعارضة التركية.
وتشكل قضية المهاجرين التي ترتبط بالسياسة الخارجية، أبرز المواضيع التي تركز عليها المعارضة التركية داخليا، ورغم الموقف السلبي لحزبي "الشعب الجمهوري" و"الجيد" تجاه قضية اللاجئين فإنهما لم يقدما أي تصور تجاه حل هذه القضية، والآلية التي سيتبعونها لتحقيق عودة طوعية للاجئين إلى بلادهم.
ويقول الكاتب برش: "إن مخاوف أحزاب المعارضة من إزعاج ارتباطاتها الدولية تمنعها من استخدام خطاب أكثر قسوة حول هذه القضية، تسهم في خسارة منافعها السياسية الداخلية لصالح حزب النصر المعادي للاجئين".
الإرهاب والأمن
تركز تركيا في الآونة الأخيرة في مجال الأمن عبر "مكافحة الإرهاب"، حيث تشكل منظمة العمال الكردستاني "وتنظيم غولن" تهديدا للبلاد، كما يذكر الكاتب برش الذي أشار إلى أن دور حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بتقديم الدعم لـ"العمال الكردستاني" يمنع الطاولة السداسية من إظهار موقف واضح في مسألة "مكافحة الإرهاب".
وأضاف بريش، أن الموقف ذاته ينطبق في مسألة مكافحة "تنظيم غولن"، حيث يؤكد أعضاء في تحالف المعارضة أنهم إذا وصلوا إلى السلطة فسوف يعيدون الأشخاص الذين تم إبعادهم بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016، بمرسوم رئاسي.
وأشار إلى أن "تجاهل المسافة التي قطعتها تركيا مؤخرا في الحرب ضد الإرهاب، يزيد من قلق المعارضة من زيادة دعم الناخبين للحكومة".
اقرأ أيضا: تصدع بطاولة المعارضة بتركيا.. هل تنهار بسبب مرشح الرئاسة؟
الحكومة تأخذ زمام المبادرة في السباق السياسي الداخلي
الكاتبة كوبرا بار في تقرير على صحيفة "خبر ترك"، قالت إنه حتى قبل أشهر قليلة تشير التوازنات السياسية إلى صورة لصالح المعارضة، حيث ارتفع التضخم وانخفضت العملة التركية بشكل كبير، وبدأت الحكومة تعاني من خسائر كبيرة في الأصوات.
وأضافت أن ستة أحزاب معارضة اتحدت في طاولة مشتركة، ومع أخذ عين الاعتبار بأصوات حزب الشعوب الديمقراطي، كان التوقع لديها بأنها ستفوز بالانتخابات بشكل مؤكد، وقد ظهر تفوق الخطاب السياسي إلى حد كبير لصالحها.
وقامت زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار بجولة شملت كافة الولايات التركية، وأجرت زيارات للتجار، وكانت استطلاعات الرأي تظهر أن أصوات حزبها القومي آخذة بالارتفاع.
وتابعت الكاتبة بار، بأن القضايا التي أثارها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو حول مشكلة "سكن الطلبة" وديونها، وحصة القناة "TRT" في فواتير الكهرباء إلى قضية بيانات هيئة الإحصاء التركية أجبرت الحكومة على اتخاذ خطوات.
ورأت أن "الرياح بدأت تهب في الاتجاه المعاكس، وتملأ أشرعة حزب العدالة والتنمية وأردوغان مرة أخرى".
وقالت إن المكانة التي اكتسبها أردوغان خارجيا، في لعب دور الوسيط في الحرب الأوكرانية الروسية، والجمع بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا على طاولة واحدة، ووضع يده على كتف ماكرون ودعوته له للمشاركة في الاتحاد التركي، ومفاوضات الغاز الطبيعي مع بوتين، تنعكس إيجابيا في الداخل التركي.
وأضافت أنه رغم ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب التضخم، لكن الألم الذي يعانيه الشعب التركي قد جرى خفضه عبر رفع الرواتب والدعم الاجتماعي، كما أن تقديم سبعة ملايين مواطن طلبا في مشروع الإسكان الاجتماعي الجديد في ثلاثة أسابيع فقط كانت خطوة لا يستهان بها لصالح الحكومة.
بوتين حريص على عدم ترك صديقه أردوغان
ورأت الكاتبة بار، أن هذه الإجراءات غير كافية، والحكومة بحاجة إلى تدفق كبير من الأموال الساخنة إلى البلاد، واللافت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو أنه حريص جدا للوقوف إلى جانب صديقه أردوغان في الأوقات الصعبة وتلبية الحاجة للأموال الساخنة.
ونوهت إلى أنه ومع اقتراب الانتخابات، لن يكون هناك أي تأثير أمريكي يمنع تدفق الأموال العربية إلى تركيا لا سيما من الإمارات والسعودية، وإذا تم إضافة قطر إلى هذه الدول الثلاث، فلن يكون مفاجئا إذا وجد أردوغان التدفق المالي الساخن الذي يحتاجه بحلول عام 2023.
اقرأ أيضا: بوتين يقترح جعل تركيا خطا أساسيا لنقل الغاز الروسي لأوروبا
اختبار للمعارضة
وإذا تم استخراج الغاز الطبيعي في البحر الأسود في أذار/ مارس المقبل كما هو مخطط له، فقد ينتقل التفوق بشكل كبير إلى حزب العدالة والتنمية قبيل الانتخابات، بحسب الكاتبة التي نوهت إلى أن المعارضة في ذات الوقت تعمل على تطوير مشاريعها، كما أن كليتشدار أوغلو تحدث عن "برنامج إصلاحي شامل" سيعلن عنه في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وتابعت بار، بأنه إذا قدمت المعارضة أطروحات نظرية في مسألة الاقتصاد كما فعلت سابقا، وتصورات يصعب فهمها حتى من المتعلمين، فإنها ستجد صعوبة في خلق الإثارة، ويجب عليها تقديم مشاريع ملموسة كما تفعل الحكومة التركية.
وأضافت أنه بدلا من طرح الأطروحات القديمة التي عفا عنها الزمن في السياسة الخارجية، على المعارضة أن تطرح موقفا قائما على "تركيا القوية".
ورأت أن توقيت الزيارة التي أجراها كمال كليتشدار أوغلو للولايات المتحدة، ومستوى الشخصيات التي قابلها ألحقت أضرارا كبيرة بصورته، كما أنه إذا لم يستطع الحفاظ على قضية "الحجاب" وصوت بـ"لا" للتعديل الدستوري، فسيتم التشكيك في مصداقيته.
ومع الاعتراض الذي أبدته أكشنار بالقول "لسنا كتاب عدل"، والجدل بشأن الحجاب، وتأثير سفره للولايات المتحدة، فقد تضررت فرص كليتشدار أوغلو في الترشح بشكل كبير، وأصبحت مسألة "المرشح" للمعارضة مملة لدى الناخب التركي، ناهيك أن حزب الجيد غير قادر على اتخاذ خطوات تجذب انتباه الجمهور له.
الحزب الحاكم بتركيا يقدم تعديلات دستورية بشأن الحجاب وحماية الأسرة
المعارضة التركية تعلن عن مسودة دستور تقيّد صلاحيات الرئيس.. تفاصيل
انقسامات داخل طاولة المعارضة بتركيا.. وتساؤلات بلا إجابة