صحافة دولية

جدل بهولندا حول جدوى الاعتذار عن 250 عامًا من الجرائم ضد البشرية

قال المؤرخ مارتن فان روسيم: أعتقد أنه من غير المنطقي تقديم اعتذار عن أشياء لست مذنباً بفعلها- جيتي
تتجه مملكة هولندا رسميًا للاعتذار عن دورها في 250 عامًا من العبودية، لكن الخطوة المخطط لها تهدد بإحداث انقسام في البلاد، بحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.

وأفاد البرلمان الهولندي بأن رئيس الوزراء، مارك روت، سيلقي برسالة عامة في 19 كانون الأول / ديسمبر تهدف إلى "إنصاف معنى وتجربة العبودية الماضية"، بحسب الصحيفة. 

ومن المتوقع أن تكون هذه الخطوة، اعتذارًا عن الـ 250 عامًا التي مول فيها الهولنديون "العصر الذهبي" الاقتصادي والثقافي من خلال استغلال أكثر من 600 ألف شخص من أفريقيا وآسيا، ما يمثل ما نسبته 5 بالمئة من الـ12 مليونًا الذين استعبدهم الأوروبيون ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر.

وذكرت إذاعة "إن أو أس" الهولندية أن الخطط تشمل 200 مليون يورو لمشاريع التوعية و27 مليون يورو لمتحف العبودية.

وفي المقابل، احتجت جماعات، بما في ذلك لجنة الإصلاح الوطنية في سورينام البلد الواقع بأمريكا الجنوبية والتي احتلها الهولنديون، بالفعل على أن امستردام تتقدم بطريقة "متسرعة وملطخة"، مع الافتقار إلى التشاور الذي يعتقد البعض أن له أصداء الاستعمار.

وتشهد الخطوة الهولندية تزايدا في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات حكومية وطنية.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أيدت أغلبية برلمانية تقديم اعتذار رسمي بعد أن أبلغت مجموعة عمل عن رحلة بحثية إلى سورينام وكوراساو وبونير.

في الأشهر الثمانية عشر الماضية، اعتذر رؤساء بلديات أمستردام وروتردام وأوتريخت ولاهاي ، وكذلك إدارة بنك "دي نيديرلاندشي"، عن دور مؤسساتهم في جرائم العبودية وكسبهم لثروات من ورائها.

وقال البرلماني الهولندي، دون سيدر، و هو من كبار المدافعين عن العمل، إن "الاعتذار مهم لهولندا كمجتمع في محاولاتنا لمكافحة الانقسام والاستقطاب في مجتمع متعدد الثقافات".

وأضاف: "يصعب تصديق ذلك بالنسبة للبعض، لكن زيارتي الأخيرة أظهرت لي أن تجارة الرقيق والاقتصاد الذي تم بناؤه في المستعمرات السابقة لا يزال يؤثر على هذه البلدان حتى يومنا هذا.".

وأوضح: "بما أن الأبحاث تظهر أن 70 بالمئة من المجتمع الأفريقي الكاريبي في هولندا، والذي يتكون في الغالب من أحفاد العبيد، يعتبرون الاعتذار أمرًا مهمًا".

تابع: "إن الغياب المستمر للاعتذار من قبل الحكومة الهولندية كان له عواقب مدمرة للمصالحة أكثر مما يدركه الناس على ما يبدو".

وفي السياق، قالت رئيس بلدية أوتريخت، شارون ديجكسما، إنه سيكون اعترافًا مهمًا بأن النخبة في العصور السابقة قد استفادت بشكل خاطئ من تجارة ذات آثار دائمة.

ومضت بالقول: "بالنسبة لأحفاد العبيد، هذا شيء لا يزال له تأثير في حياتهم اليومية في الوقت الحالي".

وأوضحت: ""من المهم أن ندرك أنه ، بالطبع ، لم يشارك سكان أوترخت اليوم وليسوا مسؤولين عما ارتكبه أسلافنا من أخطاء في الماضي. لكن هذا لا يعني عدم الاعتراف بأن ما حدث تاريخيًا كان خطأ وجريمة ضد الإنسانية ".


وقالت ليندا نويتمير ، رئيسة معهد "نينسيي" الهولندي لدراسة العبودية، إن "الاعتذار مرحب به، لكنه كان البداية فقط في معالجة عدم المساواة، والاستثمار في الفرص العادلة للأقليات العرقية والمجتمعات المحرومة".

وأوضحت أن: "الآثار والبحوث - ولكن أيضًا الاعتذارات - لا ينبغي أن تكون "مرايا وبلورات" القرن الحادي والعشرين.. فخلال فترة العبودية، كان الناس يُشترون بالمرايا والبلورات. حتى عندما يتم تقديم الاعتذار على أعلى مستوى، يجب على الناس أن يعيشوا الاعتذار ويعرفوا ما يعنيه. علينا أن نتعامل مع وجهات النظر حول المنحدرين من أصل أفريقي اليوم ".

وواجهت هولندا تقارير عن العنصرية المنهجية في قوتها الشرطية، حيث  قالت مقررة الأمم المتحدة المعنية بالعنصرية آنذاك ، تنداي أتشيومي، في العام 2020 إن صورة "التسامح" الذاتي كانت تمنع معالجة التمييز.

وفي وقت سابق من هذا العام، اعترف نائب وزير المالية، مارنيكس فان ريج، بوجود انتهاكات عنصرية مؤسسية في مكتب الضرائب الهولندي، بعد أن اتُهم عشرات الآلاف من الآباء، غالبًا ما يكونون مزدوجي الجنسية، بالاحتيال على مزايا رعاية الأطفال.

ولفتت الصحيفة إلى مشاهد الاحتجاجات العنيفة التي تدعم بعض سكان البلدات التي يغلب عليها سكان من أصل أفريقي خلال احتفالات الأطفال بعيد سان نيكولاس. 

وأشارت إلى أن الأشخاص من أصول مهاجرة لديهم منازل أصغر، ومستويات تعليمية ودخل أقل، وصحة أسوأ، وفقًا لتقرير صدر الأسبوع الماضي من مكتب الإحصاء الهولندي.

وذكرت الغارديان أن الاعتذار عن العبودية يثير جدلا في البلاد، حيث أن ما يقرب من نصف الهولنديين لا يؤيدون الاعتذار، بينما تؤيد نسبة 38 بالمئة ذلك، وفقًا لـ"استطلاعات رأي".

وفي تموز/ يوليو 2020، قال رئيس الوزراء الهولندي إنه "لن يكون له سوى تأثير استقطابي".

قال الباحث آشر فان دير شيلدي في مركز "آي أند أو" الهولندي: "معظم الناس من أصول مهاجرة أيدوا بالفعل الاعتذار. يقول الأشخاص المؤيدون للاعتذار إنه يجب علينا الاعتراف بالحقيقة التاريخية ، ويقول البعض إنها يمكن أن تكون مفيدة لأحفاد العبيد".

وأضاف فان دير شيلدي: "الأشخاص المعارضون يقولون إنه مضى وقت طويل، لا يهم، إنه يتعلق بجيل آخر".

وأوضح الباحث الهولندي: "أعتقد أن الخوف هو أنه إذا قدمت اعتذارًا ، فعليك فجأة دفع تعويض ".

اقرأ أيضا:  بريطانيا تُصنّف المهاجرين وطالبي اللجوء القصّر على أنّهم بالغون

وذكرت المؤرخة المهتمة بتاريخ سورينام بجامعة أمستردام، روزماريجن هوفت أنه "من الأهمية الاستماع إلى آراء المجتمعات المتأثرة بالعبودية".

قالت: "الملك يحتاج حقًا إلى دور.. اعتذر الملك لإندونيسيا عن العنف المفرط في الحقبة الاستعمارية وقال إنه كان على علم بأن هذا له تأثير على أجيال عديدة. لماذا قد تكون منطقة البحر الكاريبي مختلفة؟ إذا كنت تريد أن تفعل هذا بشكل صحيح.. يجب أن يكون مع الاحتفالات. إنه عاطفي للغاية وعليك القيام بذلك معًا ".

وحسب الغارديان، يعتقد البعض أن الهولنديين - إحدى آخر الدول الغربية التي ألغت العبودية ، في 1 تموز/ يوليو 1863، قد يشكلون سابقة للمملكة المتحدة بعد أن أعرب كل من الملك تشارلز الثالث وأمير ويلز عن حزن "شخصي" و"عميق" في خطاباتهما في رواندا وجامايكا في وقت سابق من هذا العام.

لكن يعتقد البعض الآخر أن الاعتذار هو عبارة عن سياسة "الالتفات الرخيص"، وفقا للصحيفة البريطانية.

وقال المؤرخ مارتن فان روسيم: "من المألوف للغاية في الوقت الحاضر تقديم الاعتذار عن أشياء مروعة حدثت في الماضي. أعتقد أنه من غير المنطقي تقديم اعتذار عن أشياء لست مذنباً بفعلها".

وتابع: إذا كان علينا أن نعتذر عن العبودية، إذن يجب على جميع الحكومات الغربية المشاركة. هل يجب أن تعتذر فرنسا عن احتلال هولندا في نهاية القرن الثامن عشر؟ هل يجب على الأمريكيين الاعتذار عن كل شيء تقريبًا؟

وأضاف: "إنها عملية لا طائل من ورائها. أنفق المال على فعل شيء حيال المواقف المروعة اليوم، مثل العمل القسري أو التمييز ، بدلاً من الاعتذار عن أحداث وقعت قبل 11 جيلًا ".

وفي المقابل تعتقد رئيسة معهد "نينسيي" الهولندي لدراسة العبودية، أن "الأفعال والكلمات ذات قيمة".

وقالت: "عندما كان من الواضح أن العبودية ستُلغى في سورينام، كان على المستعبدين تغيير أسمائهم.. لقد قرر أحد الأسلاف من جانب والدي منذ ستة أجيال إعطاء العائلة اسم "نويتميير" الذي يعني لن يحدث مطلقا مرة أخرى، "لا مزيد من العبودية"، لن يحدث مطلقا".