سياسة عربية

الكشف عن صلات مشبوهة تربط شركة اتصالات سورية بالحرس الإيراني

قال مسؤول سابق: "لقد فعلوا كل ما يمكن فعله لإخفاء الملكية الإيرانية"- فيسبوك

كشف تحقيق مشترك أعده كل من "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، و"مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد"، الجمعة، عن شبهات ارتباط شركة اتصالات سورية تابعة لنظام بشار الأسد بصلات خفية بـ"الحرس الثوري" الإيراني.

 

وأشار التحقيق إلى إعلان وزير الاتصالات في حكومة النظام السوري، إياد الخطيب، في شباط/فبراير الماضي عن منح ترخيص لمشغل ثالث للهواتف المحمولة في سوريا المشغّلة (وفا تيليكوم) مؤكدا أنها "وطنية بامتياز".

 

وتوصل التحقيق المشترك إلى أن شركة ماليزية هي صاحبة الأغلبية في ملكية المشغل الثالث للهواتف، ولها صلات متعددة بـ"الحرس الثوري" في إيران.

 

وحسب التحقيق، كانت هذه الشركة حتى عام 2019، مملوكة مباشرة لضابط إيراني خاضع للعقوبات بسبب تسهيل عمليات بيع نفط لصالح "الحرس الثوري".

 

 كما يرتبط اثنان من مسؤوليها الماليزيين بشركات فُرضت عليهم عقوبات، لدعمهم الأخير.




التفاصيل

عندما طلبت سوريا عروضا لأول مرة لإدخال ترخيص ثالث للهاتف المحمول في 2010، كان من المفترض أن تكون لحظة فاصلة في تحرير الاقتصاد الذي تهيمن عليه الدولة منذ فترة طويلة.

 

 وطرحت شركات دولية عملاقة عروضها، بما في ذلك "فرانس تيليكوم" و"اتصالات الإماراتية"، وكذلك فعلت "تامكو"، وهي شركة إيرانية، لكن الشركة تم سحبها من المناقصة.

 

وأفاد اقتصاديون سوريون وتقارير إعلامية أن "تامكو" مسمى يعكس اسم ائتلاف "موبين ترست".

وفرضت بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على "موبين" ووصفوها بأنها شركة يسيطر عليها "الحرس الثوري".

 

وأشار التحقيق إلى أن المحادثات سارت ببطء بسبب مساومة السلطات ومقدمي العروض على الشروط، لكن قبل أن يتمكنوا من تسويتها، اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، في آذار/ مارس 2011، وتم تعليق الترخيص إلى أجل غير مسمى.

 

ولفت التحقيق المشترك إلى أن شركتي التشغيل الحالية في البلاد، "سيريتل" و"إم تي إن سوريا" دفعتا للحكومة، في العام 2021، مبلغا إجماليا قدره 130 مليار ليرة سورية (حوالي 37 مليون دولار بمعدل سعر السوق السوداء) باعتباره "حصة الدولة" من الإيرادات.

 

وجعل قطاع الاتصالات فرصة جاذبة لإيران، حيث قال المسؤولون صراحة إنهم يتوقعون رد الجميل لدعمهم.  

 

وأورد التحقيق أن رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، زار إيران، في كانون الثاني/ يناير 2017، ووقع مذكرة تفاهم لمنح رخصة الهاتف المحمول الثالثة لشركة الاتصالات المتنقلة الإيرانية أو MCI، والتي كانت حتى عام 2018 مملوكة جزئيا لـ"الحرس الثوري" من خلال ائتلاف "موبين".

 

وبحسب تقارير إعلامية وقتها قال المسؤولون السوريون إنهم ما زالوا يبحثون في الخيارات، دون تقديم الأسباب.

 

ونقل التحقيق عن اثنين من رجال الأعمال السوريين، قولهما إن ابن خال الأسد، مخلوف، الذي كان يملك جزءا كبيرا من حصص المشغل "سيريتل"، رفض منح "MCI" الترخيص لأنه لا يريدهم أن يقتطعوا حصة "سيريتل" في السوق، أو يستخدموا نظام التجوال الوطني الخاص بها.  

 

وبعد فترة وجيزة، تحركت حكومة الأسد، التي تعاني من ضائقة مالية، لتأكيد سيطرتها على المشغلين الحاليين.

 

وابتداءً من منتصف عام 2020، اتهمت السلطات شركتي "سيريتل" و"إم تي إن سوريا" بأنهما مدينتان بعشرات الملايين من الدولارات كضرائب متأخرة، وعندما رفضتا الدفع، وضعتهما تحت سيطرة "الأوصياء" المعينين من قبل الدولة.

 

"دخول وفا" 

 

وعندما حصلت شركة "وفا تيليكوم" على الترخيص الثالث، بالإضافة إلى احتكار لمدة ثلاث سنوات لتشغيل أول شبكة للجيل الخامس عالية السرعة في البلاد وإذن لاستخدام الشبكات الحالية للمشغلين الآخرين، بدا الأمر وكأنه مجرد امتداد لجهود النظام للسيطرة على القطاع. 

 

وحسب التحقيق، ففي أعقاب تأسيس شركة المشغل الجديد، في عام 2017، كانت نحو 48 في المئة من أسهمها مملوكة لشركة سورية تدعى "وفا إنفست"، شارك في تأسيسها مساعد الأسد، يسار إبراهيم، (39 عاما)، الذي قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه لعب دورا رئيسيا في الاستحواذ "الشبيه بأسلوب المافيا" على مشغلي الاتصالات في سوريا.  

 

ولم يرد إبراهيم، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات بسبب عمله كوكيل مالي للأسد، على طلبات التعليق المرسلة عبر المكتب الإعلامي الرئاسي السوري.

 

وفي العام 2021، تم تخفيض حصة "وفا إنفست" إلى 28 بالمئة، وتم منح 20 بالمئة منها لشركة الاتصالات السورية المملوكة للدولة، مما يجعل الحكومة السورية شريكا مباشرا في المشروع.  

 

أما نسبة الـ52 بالمئة المتبقية فكانت في حوزة شركة مبهمة تدعى "أرابيان بيزنس كومباني" (ABC)، والتي أنشئت في آب/ أغسطس 2020 في منطقة التجارة الحرة بدمشق، حيث كانت متطلبات الإفصاح محدودة.

 

ورفض مسؤولون سوريون الكشف عن هوية مالك شركة "إيه بي سي"ABC.  وفي تصريحات علنية، وصفوها بأنها "شركة وطنية"، مما يعني ضمنا أنها مملوكة لسوريين، دون أن يقولوا المزيد.  

 

لكن وثيقة التسجيل التي حصل عليها معدو التحقيق تظهر أن تلك التصريحات كانت "مضللة".

 

للوهلة الأولى، لا يعطي تسجيل شركة "إيه بي سي"ABC، الذي تم الحصول عليه من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، مؤشرا يذكر على تورط إيران، بينما مساهموها المدرجون، هم رجل أعمال سوري وشركة ماليزية تدعى تيومان جولدن تريجر "Tioman Golden Treasure" تأسست في شباط/فبراير 2013.

 

وكشف التحقيق أن الشركة الماليزية ليست متخصصة في الاستثمار في مجال الاتصالات، كما أن لديها صلات متعددة بـ"الحرس الثوري".

 

وأظهرت السجلات الماليزية التي أوردها التحقيق أنه حتى آب/ أغسطس 2019، أي قبل نحو عام من تسجيل "إيه بي سي"ABC ، كانت 99 بالمئة من أسهم شركة "تيومان" مملوكة لضابط في "الحرس الثوري" يخضع لعقوبات أمريكية يدعى عظيم مونزاوي.

 

وفي أمر العقوبات، الذي أصدرته في مايو 2022، وصفت الولايات المتحدة "مونزاوي" بأنه "مسؤول في الحرس الثوري الإيراني يسهل مبيعات النفط نيابة عن الحرس الثوري الإيراني"، بما في ذلك تحديد مدفوعات النفط من شركة الطاقة المملوكة للدولة في فنزويلا PDVSA.

 



"
واجهة وهمية"

وحسب التحقيق المشترك، لم تنته الصلات بينهم عند هذا الحد حيث أن من يملك واحدا في المئة المتبقية من أسهم تيومان، وهو ماليزي، هو أيضا مالك شركة نفط.

 

في عام 2013، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة "بتروجرين" لعملها كـ"وكيل مشتريات رئيسي" لشركة خاتم الأنبياء، وهي تكتل هندسي إيراني يسيطر عليه "الحرس الثوري".

 

وهناك سجل منفصل يدرج ماليزياً آخر سكرتيرا لشركة "تيومان". كما تم إدراجه سكرتيرا لشركة بتروجرين، وكذلك لشركة ماليزية أخرى تسمى "غرين ويف للاتصالات".

 

في عام 2015، اتهمت محكمة مقاطعة مينيسوتا الأمريكية شركة "غرين ويف" بالحصول على "تكنولوجيا حساسة خاضعة للمراقبة" من الولايات المتحدة لإيران.  

 

وفي وقت لاحق، قال أحد المتهمين بالجريمة إن هذه التكنولوجيا أرسلت عبر ماليزيا إلى شركة "فانا موج"(Fana Moj)، وهي شركة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لتقديمها الدعم لـ"الحرس الثوري". وتمت معاقبة شركة "غرين ويف" نفسها في عام 2018.

 

 



العائد الاقتصادي

وقال مسؤول حكومي سابق على معرفة بقطاع الاتصالات طلب عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته إن شركة "ABC" المالكة للأغلبية في شركة "وفا تيليكوم" قد أنشئت في منطقة التجارة الحرة بدمشق جزئيا لإخفاء تورط طهران.

 

وأضاف المسؤول السابق: "لقد فعلوا كل ما يمكن فعله لإخفاء الملكية الإيرانية".

 

وأشار المحللون إلى عدة أسباب قد تجعل السلطات الإيرانية حريصة على إخفاء أي استثمار في قطاع الاتصالات السوري، تكمن في تجنب جذب انتباه فارضي العقوبات أو حتى لا تخيف العملاء، الذين قد يكونون حذرين، من استخدام شبكة هاتف تابعة لقوة عسكرية أجنبية.

 

وأوضح الخبير الاقتصادي، جهاد يازجي: "بشكل عام، لم يتحدث الحرس الثوري الإيراني، على حد علمي، علنا عن أي مشروع يشارك فيه في سوريا، وبشكل عام يحرص الإيرانيون على إخفاء أجزاء من عملياتهم في سوريا".

 

وأضاف: "لست مندهشا لأنهم عموما قليلو الظهور" في العلن.

 

وفي أيار/ مايو 2020، قال النائب الإيراني البارز، حشمت الله فلاحت بيشه، إن التكلفة الإجمالية لدعم إيران لسوريا تراوحت بين 20 إلى 30 مليار دولار، وإنهم يتوقعون أن يتم سدادها.

 

ولكن من الناحية العملية، لم تكن الأمور دائما بسيطة. فعلى الرغم من أن إيران أقامت مصالح اقتصادية في سوريا، إلا أن المشاركة الأعمق قد تم إعاقتها بسبب العقوبات الغربية والصراع والمنافسة مع الداعم الرئيسي الآخر للأسد، روسيا، للحصول على عقود واستثمارات.

 

وهناك مؤشرات على أن شركة "وفا تليكوم" قد لا تكون مربحة للغاية. حيث كان من المقرر أصلا أن تبدأ الشركة العمل في نوفمبر من هذا العام.

 

 لكن الشركة قالت في أيلول/ سبتمبر الماضي إن الإطلاق سيتأخر إلى أجل غير مسمى.

 

ورغم أن سوريا لديها ما يكفي من المستخدمين لدعم مشغل ثالث، إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي يلقي مزيدا من الشكوك حول مقدار الأموال التي لا يزال من الممكن جنيها من هذا القطاع .

 

واعتبر يونس الكريم، المحلل السياسي السوري المقيم بستراسبورغ، أنه حتى العناصر الأساسية اللازمة لإطلاق شبكة الجيل الخامس 5G، مثل الكهرباء والوقود، تعاني من شح التوفر في السوق المحلي.

 

وقال الكريم إن "انهيار المستوى المعيشي للسوريين يجعل إمكانية الحصول على خدمة الجيل الخامس نوعا من الترف".

 

 وتساءل قائلا: "من سينفق على خدمة اتصالات مثل شبكة الجيل الخامس إن لم يكن قادرا على تأمين احتياجاته الأساسية؟".