قوم.. قوم..
هذه الكلمات التي استيقظتُ عليها عند
الساعة 4:00 صباحاً عندما كان يحيط بسريري حوالي 15 فردا من قوة اليمام المختصة، بكل عدتها وعتادها.
وفي لحظات وقبل أن تُشعل إنارة المنزل كانت فقط أضواء الليزر الأخضر المصوّب من البنادق
هي الإنارة الوحيدة في الغرفة، وعند إضاءة الغرفة أدركت أنه صحو من نوع آخر يحترف
الاحتلال صناعته، ففي هذا الصحو يُستبدل صوت فيروز بصوت القيود البلاستيكية وهي تتشكل
على يديك لتدرك لحظتها أن الرحلة قد بدأت.
إنها المحاولة الثامنة، السادسة
بالاعتقال
وإدارياً هذه المرة، السابعة بالإقامة الجبرية والإبعاد القسري لأسرتي عن أرض
الوطن، والثامنة
بسحب الهوية. إنها قواعد الطرد القتالية، قواعد الاقتلاع تدريجياً
والإبعاد القسري عن أرضي، بيتي، محيطي الاجتماعي، ذاكرة مكاني وحكاياتي..
إنها المحاولة الثامنة، السادسة بالاعتقال وإدارياً هذه المرة، السابعة بالإقامة الجبرية والإبعاد القسري لأسرتي عن أرض الوطن، والثامنة بسحب الهوية. إنها قواعد الطرد القتالية، قواعد الاقتلاع تدريجياً
إنها ليست حكايتي، بل إنها حكاية شعب لم
تتوقف نكبته منذ عام 4819. يومياً اعتقال، طرد، مراقبة، متابعة،
تضييق وقتل وتهجير.. فأنا الفرد والجماعة وأنا الأسرى والوطن.. نحن نواجه مشروعاً
استعمارياً استيطانياً يريد أرضك دونك، يصادر حلمك ويحطم واقعك ويحاول نفي ذاكرتك،
ويتهمك بالإرهاب والتخريب، يحاول تسئيمك وتجريدك من بعدك الإنساني وعناصره، وتطويعك
وإخضاعك بكل السبل والطرق، يحمّلك مسؤولية قتله لك وتعذيبك وملاحقتك اليومية ومراقبتك،
وتحويلك إلى حقل تجارب واسع لأسلحته؛ قديمها وجديدها، ولوسائل قمعه ومتابعته وملاحقته،
حتى أجهزتنا الخلوية لم تسلم من رقابة الاستعمار الصهيوني الشاملة، وكان لي نصيب
منها. أنا وشعبي وعائلتي وأرضنا وهويتنا وثقافتنا وذاكرتنا، كلها تحت الاستهداف الشامل.
أنت الآن لا تملك بطاقة شخصية تدل على أنك
مقدسي المولد والهوى، لكن ما حاجتك لهذه الشهادة؟! فأزّقة البلدة القديمة وأحياء
القدس، ترابها وجدرانها وناسها، يزودونك بهذه الهوية والانتماء.
يمكنهم إرسالك إلى الضفة، أو الحاقك بمن
سبقوك منذ عام 48، فأنتم مقسمون ما بين فلسطينيي الخارج والداخل،
ما بين داخل العام 48 والضفة، وما بين القدس وغزة، تعيشون حالة انشطار
لا تتوقف وتتعايشون مع ما حددناه لكم من قواعد جغرافيّة، تبنّت كل منها ثقافة وهوية،
وحدودها حدود جغرافيتنا، إنها جغرافية الاستعمار، قديمة عربية وقديمة
فلسطينية،
تفرض عادة ما وتتحول إلى قوة تُشظي الشعب، الهوية والقضية..
جغرافيا ملموسة تنتج أفكاراً وتصورات وتصبح
"النحن" (نحن وأنتم) حراسها الذين لا يحرسون ناراً مقدسة بل يحرسون
جريمة. تمنع هذه الجغرافيا قصة حب ما بين شاب وشابة، تمنع العلاقة الإنسانية وتحاول
أن تشكل فلسطيني داخلٍ وآخر في الضفة والقدس وغزة وغيرهما في الخارج، وتحاول أن
تنتج هوية تشبهها وثقافة محددة بحل، وتتحول إلى قيد وسلك شائك تخطيه ممنوع، لكنا
كما قلنا دوماً نقاوم النسيان ونتحدى من يحاول أن يفرضه، وهذا الواقع لا يستطيع أن
يمنع إرادة التواصل وقوة الانتماء التي لا تقوى أن تهزم الهوية.
أنا ما زلت أترقب، ربما يتم إبعادي وسأواجه هذا الخيار، فالوطن والانتماء وتحدي الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لا يحتاج بطاقة هوية.. يحتاج وعياً وهوية ومشروع، يحتاج إرادة ورؤية
نتحدى هنا وهناك، وإن ما زلنا نعتقد ومؤمنين
أن خيارنا هو ذاك المشروع الوطني المؤسَس على قاعدة الشعب الواحد والقضية والخيار
والمقاومة الشاملة، المؤسَس على المشاركة الشاملة، على قاعدة التحرير والمقاومة وتحدي
جغرافيا الاستعمار، فالفلسطيني أينما حل يحمل هموم شعبه ووطنه وهويته وتحل معه
حيثما حل.
وأنا ما زلت أترقب، ربما يتم
إبعادي وسأواجه
هذا الخيار، فالوطن والانتماء وتحدي الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لا يحتاج بطاقة
هوية.. يحتاج وعياً وهوية ومشروع، يحتاج إرادة ورؤية، فكل منا يتحدى بموقعه ومكانه،
يشارك ويقاوم. ولا نستأذن ولا نعتذر.
(ملاحظة: سيتم ترحيل الحموري إلى فرنسا)