قال الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري في
تونس، لطفي المرايحي، إن حملة
الاعتقالات الواسعة التي يشنّها الرئيس
قيس سعيد ضد معارضيه مرشحة تتجه إلى المزيد من التصعيد الكبير خلال الفترة المقبلة، وهي "تدل على أنّ قيس سعيّد يشعر بأنه مُهدّد في وجوده على رأس الدولة، وهذا مرتبط بإخفاقه في إدارة الدولة، وتراجع الرضا الشعبي عنه".
وأكد، في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، أن "الأنظمة المستبدة عندما تشعر بنهايتها تصبح أكثر دموية وأكثر عنفا، وقيس سعيّد لا يختلف عن سابقيه في هذا المنحى، وأعتقد أن هذه الحملات إن دلت على شيء، فهي تدل على أنه يتخبّط حقيقة، ويجد نفسه في مأزق لا يدري كيف يخرج منه؛ فيعتقد أنه بمزيد من البطش بمعارضيه سيتقي شبح زوال سلطته".
وشدّد المرايحي على أنه "لا توجد بشائر حقيقية لخروج تونس من الأزمة التي تعاني منها، بل إن جميع المؤشرات تدّل على أن الأزمة ماضية إلى الاستفحال، ذلك بأننا أمام رئيس يمسك بالسلطة متنطّعٍ وغير قابل لأي اختلاف معه، ويعتقد أنه يملك الحقيقة كلها، وأن الآخرين جميعا، خاصة مَن يعارضوه، هم خونة وفاسدون".
وأشار إلى أن "رفض صندوق النقد الدولي منح تونس قرضا جديدا أمر ليس عفويا، بل يندرج في رغبة المانحين، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، في ممارسة مزيد من الضغوط على سعيّد لإجباره على تقديم تنازلات قصد تغيير وجهة نظام حكمه وطريقة حكمه أو دفع الناس للغضب عليه بعد تآكل شعبيته وتهيئة الظروف لتنحيته عن المشهد".
ومنذ 11 شباط/ فبراير الجاري، بدأت السلطات التونسية حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال.
وبعد ثلاثة أيام، اتهم سعيد بعض المعتقلين مؤخرا بـ"التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما أبعاد حملة الاعتقالات الأخيرة التي تشنّها السلطات الأمنية ضد قوى المعارضة؟
يجتهد قيس سعيّد في إخراج حملة الاعتقالات الأخيرة المتصاعدة على أنها حملة لمقاومة الفساد تأتي استجابة لرغبة شعبية، وتمشيا مع سياسة تعقّب الفاسدين واستئصال مكامن الفساد، لكنها في الحقيقة لا علاقة لها بالفساد، وإنّما هي أداة لتكميم الأفواه، خاصة أنها استهدفت شخصيات أعلنت معارضتها لمسار 25 تموز/ يوليو وتتحرك إمّا علنا أو في الخفاء لإقامة أحلاف أو لتقريب وجهات النظر بين الجهات المعارضة لقيس سعيّد قصد تشكيل حزب واسع سياسي ومدني ضد السلطة القائمة.
والشخصيات التي جرى اعتقالها تدعو إلى تغيير الواقع الموجود بالطرق السلمية، في حين حاول النظام القائم أن يلصق بها تهما كالتآمر على أمن الدولة، ولكن يبدو أن الملفات التي أعدّها النظام على عجل غير مستوفاة للحجج الواهية ولا تستقيم لإلصاق هذه التهم لهذه الشخصيات.
ثم اتخذ سعيّد منحى آخر وأراد الزجّ بالمعتقلين في زاوية الفساد ومقاومة الفساد، وهي اتهامات ستتضح بمرور الأيام أنه لا أساس لها من الصحة، وإنما بطبيعة الحال يستهوي هذا التمشي وهذه المقاربة الشارع بشكل عام وتدغدغ الغرائز الانتقامية الموجودة في شعب كشعبنا وقد تجد الصلة القائمة إلى حين تعاطف أو مؤازرة شريحة واسعة من الشعب لاعتقاد سائد بأن هذه السلطة تقاوم الفساد، ولكن سيتبين الأمر جليا، خاصة عندما يتضّح أن هذه الملفات خاوية، والتهم الملصقة بأصحابها تهم ملفقة.
ما الذي ستنتهي إليه تلك الاعتقالات من وجهة نظركم؟
كما قلت لكم إن موجة الاعتقالات جاءت لتدغدغ الغرائز البدائية في جانب من الشعب التونسي، وخاصة عند الشرائح التي ترى نفسها محرومة وتجد في هذه الاعتقالات فرصة للتشفي من رموز أو شخصيات قد تمثل بالنسبة لها الشماعة التي أراد النظام أن يُعلّق عليها فشله ويحمّلها مسؤولية الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، وبعد محاولة إلصاق تهم التآمر على أمن الدولة، والتي لم يجد لها مبررات أو مؤيدات فإنه -كما أشرت- صار ينعتها بـ "الشخصيات الفاسدة"، وهي تهمة جاهرة يسحب استعمالها على كل مَن يعارض السلطة القائمة.
لذلك، فإن جانبا من التونسيين الذين يدركون حقيقة ما يسعى إليه النظام من تكميم للأفواه وتشفٍّ من معارضيه أصبحوا يمسكون عن المجاهرة برأيهم وتقديم المساندة الكافية للشخصيات التي وقع اعتقالها، وبقيت المساندة والمؤازرة لهذه الشخصيات مقتصرة على الحقوقيين وبعض من الطبقة السياسية في حين أن أغلبية الشعب إمّا يهلّل لهذه الاعتقالات أو لا يبالي بها، وفي اعتقادي فإن هذه الاعتقالات مرشحة للتصاعد في الأيام القادمة.
وما دلالة تصعيد حملة الاعتقالات تلك؟
حملة الاعتقالات مرشحة إلى المزيد من التصعيد الكبير، وهي تدل على أنّ قيس سعيّد يشعر بأنه مُهدّد في وجوده على رأس الدولة، وهذا مرتبط بإخفاقه في إدارة الدولة من ناحية ومن ناحية أخرى في تراجع الرضا الشعبي عنه، وإن كانت موجة الاعتقالات هذه أكسبته في المدة الأخيرة شيئا من انتعاشة في الشعبية إلا أنها ستتلاشى مع قادم الأيام عندما سيتبيّن الناس أن هذه الملفات كانت مُلفقة، وهو ما سيدعوه إلى المزيد من إحكام قبضاته الأمنية وتعقّب معارضيه، وهكذا ديدن الأنظمة المستبدة عندما تشعر بنهايتها تصبح أكثر دموية وأكثر عنفا، وقيس سعيّد لا يختلف عن سابقيه في هذا المنحى، وأعتقد أن هذه الحملات إن دلت على شيء فهي تدل على أنه يتخبّط حقيقة، ويجد نفسه في مأزق لا يدري كيف يخرج منه؛ فيعتقد أنه بمزيد من البطش بمعارضيه سيتقي شبح زوال سلطته.
هل رفض صندوق النقد الدولي منح تونس قرضا جديدا سيفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد؟ وهل موجة الاعتقالات مرتبطة بهذا الأمر؟
ليست هناك علاقة مباشرة على ما أعتقد بين هذه الاعتقالات وعدم موافقة صندوق النقد الدولي على منح قرض جديد لتونس، ولكن هنالك علاقة غير المباشرة، بمعنى أن إمساك صندوق النقد على تقديم جرعة من الأكسجين للاقتصاد الوطني، وخاصة للمخزون من العملة الصعبة في هذا الظرف الدقيق، يجعل السلطة في حرج أكثر وفي عجز عن تلبية مواد أساسية، وهذا من شأنه أن يؤجج حالة عدم الرضا المتنامية لدى شرائح كبيرة من الشعب التونسي، ورغم تعلات قيس سعيّد وادعائه بوجود شبكات لاحتكار المواد الأساسية ومحاولته إنكار الحقيقة في أن الواقع يقول بأنه ليس للدولة المخزون الكافي من العملة الصعبة لاستيراد هذه المواد.
وإمساك صندوق النقد الدولي ليس عفويا، بل يندرج في رغبة المانحين، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، ممارسة مزيد من الضغوط على سعيّد لإجباره على تقديم تنازلات قصد تغيير وجهة نظام حكمه وطريقة حكمه أو دفع الناس للغضب عليه بعد تآكل شعبيته وتهيئة الظروف لتنحيته عن المشهد. أظن أن هناك علاقة، وإن كانت غير مباشرة، بين هذا المعطى وطريقة تصرف السلطة يحرج أكثر فأكثر قيس سعيّد، ما يدفعه إلى المزيد من التعنت.
لكن لماذا غاب الاحتجاج الشعبي رفضا لحملة الاعتقالات؟
طبعا الشعب التونسي كغالب الشعوب العربية فيه جانب عاطفي ونزعة للتشفي، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية، وهو يعتبر شخصيات مُحدّدة أو طبقة مُحدّدة على أنها استأثرت بكل الخيرات في ظل فساد مستشرٍ، ما جعلته يقاسي الأمرين ويكابد المصاعب اليومية الحياتية في ظل وضع اجتماعي واقتصادي متردٍ، لذلك يستحسن كل الدعوات للمحاسبة ومعاقبة الفاسدين. ولذلك، فكل حملة تحت عنوان محاربة الفساد تُحرّك فيه استحسانا وعرفانا فيباركها ويؤيدها.
لكن أعتقد أن هذا الصعود في الأسهم لقيس سعيّد ليس إلا أمرا ظرفيا مؤقتا، لأنه سريعا ما سيكتشف الناس أولا أن واقعهم لم يتغير رغم هذه الاعتقالات وغيرها، وأن واقع الأمر ليس مرتبطا بشخصيات معينة تنسج مكائدا أو تحتكر موادا أو تخطط لنسف الدولة ولإرباك الاقتصاد الوطني، كما يُروّج له قيس سعيّد، وإنّما يعود إلى وضع اقتصادي متردي يشكو هيكليا من عدم القدرة على تحقيق النمو في ظل غياب استراتيجية واضحة للدولة، وأن الملفات التي اُعتقل من أجلها أصحابها هي ملفات مُلفقة وخاوية والتهم تهم واهية، حتى وإن تواطأ بعض القضاة انقيادا لأوامر السلطة.
وأملي أن يجد أغلبية القضاة من الشجاعة والاستقلالية ما يجعلهم ينصفون الموقوفين ويطلقون سراحهم، ويبطلون عنهم التهم والدعاوى التي يحاول النظام إلصاقها بهم.
وماذا عن تقييمكم لأداء ورد قوى المعارضة على موجة الاعتقالات؟
مع الأسف تبقى المعارضة مُشتتة منذ اليوم الأول للانقلاب، أي منذ 26 تموز/ يوليو 2021، وللأسف كذلك حتى بعض من يقف اليوم أمام قيس سعيّد جاء متأخرا للمعارضة بعدما راهن في أول الأمر على قيس سعيّد.
وبالتالي ما فرص توحيد المعارضة؟
اليوم هناك صعوبة في توحيد هذه المعارضة، وقد لمست ذلك عندما أطلقت مبادرتي لتوحيد المعارضة تحت شعار "ارحل"، وسعيت إلى تجميعهم حول نقطة التقاء وحيدة، وهي رفضهم لسلطة قيس سعيّد والمطالبة برحيله باعتبار أنه أصبح خطرا على استمرارية الدولة وعلى كينونتها، ولكن لمست كما من الضغائن بين الأحزاب المختلفة، جعلها غير قادرة على الجلوس على نفس الطاولة والالتقاء حول الحد الأدنى، والتنسيق حول هذه النقطة الوحيدة، وهي رحيل قيس سعيّد.
لذلك، ليس لي أمل كبير في أن تلعب المعارضة دورا هاما، بل ستبقى هكذا مُشتتة، كما أنها إضافة إلى الاختلافات التي تشوبها، تشقها عديد الطموحات وصراعات التموقع استعدادا لما بعد قيس سعيّد، وهو ما يجعلها غير قادرة اليوم على الالتقاء.
وفي غياب بدائل واضحة وأمل يدفع الشارع إلى التحرك سيراوح على الأرجح الوضع مكانه حتى يقترب موعد الانتخابات الرئاسية، وإن كان هناك الكثيرون يرون أنّ قيس سعيّد قد يُقدم في حركة بهلوانية أخرى قصد تأخير موعد الانتخابات الرئاسية بحجج مختلفة، فإنني أرّجح أنه لن يكون قادرا على ذلك، لأن الشعب الذي يعاني الأمرين اليوم قد يجد في اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فرصة للأمل من جديد آملا في أن تُجرى هذه الانتخابات وتأتي بشخصية أخرى خلافا لقيس سعيّد قد تغيّر الواقع.
فحينها سيبرز الأمل في التغيير، وأعتقد أن هذا الأمل سيكون كفيلا بدفع الناس إلى الضغط على السلطة القائمة، وحينها سيجد قيس سعيّد نفسه مُجبرا على الانصياع لهذه الإرادة الشعبية والرضوخ لها وتنظيم الانتخابات في أوانها.
أرجو أن يكون ذلك هو المخرج السلمي لانتقال السلطة، لأنه إذا ما غاب فكل الفرضيات تصبح مفتوحة، وأخطرها أن يقع انفلات شعبي وردة فعل شعبية غير محسوبة قد تُخلّف وراءها حالة من الفوضى العارمة.
وما رؤيتكم لطبيعة العلاقة اليوم بين قيس سعيد والاتحاد العام التونسي للشغل؟
أرى أن اتحاد الشغل أخطأ خطأ جسيما بقراره مساندة قيس سعيّد غداة الانقلاب. ووقع ضحية حسابات سياسية ضيقة ونكاية في حركة النهضة وعداء لها، ولم يأخذ في الحسبان حقيقة الواقع ولم يكن وفيّا لرمزيته ولدوره التاريخي، وأتضح اليوم أن اتحاد الشغل أُكل يوم أُكل الثور الأبيض؛ بعدما تبيّن سريعا أن قيس سعيّد ليس في حاجة لمَن يشاركه السلطة وليس مُستعدا لتقاسمها مع أحد.
لقد تهاوت حسابات اتحاد الشغل بمرور الأيام، وأصبح اليوم في وضع حرج جدا؛ إذ ينظر إليه طيف واسع من الرأي العام بعين الريبة، ويحملّه المسؤولية عن العشر سنوات السابقة بوصفه كان طرفا فيها، ويُحمّله مسؤولية الإضرابات التي يعتبرها السواد الأكبر من الشعب التونسي سببا من الأسباب التي في أضرت بالاقتصاد الوطني.
وأتضح أن قيس سعيّد ينظر بعين غريبة للاتحاد ويعتبره "متآمرا" على سلطته، وساعيا إلى منازعته شرعيته، وهو ما يصعب معه إعادة حبل الود بينهما، لأنّ لكلّ حساباته، ولكلّ تموقعه، وطبيعة قيس سعيّد تجعل منه رجلا غير قابل للحلول الوسطى وللتعاطي بمرونة مع الصراعات لطباعه الحادة والعدائية في خصوماته.
واتحاد الشغل تشقه تيارات سياسية مختلفة يحاول توليفها وصياغة قرار مشترك يراعي جميع هذه الحساسيات، ومنها من كانت مناهضة لحركة النهضة وألقت بثقلها على الموقف الذي اتخذه اتحاد الشغل بعد انقلاب 25 تموز/ يوليو وجعلته يصطف شكليا وفعليا في خندق قيس سعيّد.
ولكن سرعان ما تبيّن لاتحاد الشغل أنّه أخطأ في حساباته عندما تصوّر أنّ ستكون له اليد الطولى أو أنه سيكون شريكا في السلطة، كما دأب على ذلك مع الباجي قائد السبسي، كما أدرك خاصة مع الحوار الوطني أنّ سعيّد غير مستعد لتقاسم السلطة مع أي كان، فهمّش اتحاد الشغل عن قصد بعد أن راوغ طويلا في قبول مقترحه بالحوار الوطني قبل أن يصرف عنه النظر.
كما أعتقد أنّ قيس سعيّد يدرك اليوم أن اتحاد الشغل ليس بالقوة التي كان عليها من قبل وليس على أحسن ما يرام من حيث وحدته الداخلية. لذلك لا يجد حرجا في تصعيد الموقف تجاهه.
في المقابل قد تدفع الأوضاع الاجتماعية اتحاد الشغل إلى رص صفوفه والوقوف أمام قيس سعيّد، وهذا بطبيعة الحال رهين قدرته على تعبئة منخرطيه وتحريك الشارع، خاصة إذا ما تجاوز الخطوط الحمراء التي كان قد رسمها لنفسه في عدم التعامل مع الأحزاب؛ فلو تمكّن اتحاد الشغل -كما دعوناه سابقا- إلى أن يكون قاطرة الحوار الوطني يعني أن يكون مظلّة تجمع تحتها جميع التيارات من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني المناهضة لسلطة سعيّد، وهي الأغلبية في خط واحد، وفي مقاربة موحدة، سيحدث ذلك نقلة نوعية في الجبهة الداخلية ويمثل قوّة وازنة قد تحرج السلطة بشكل جدي.
ما فرص نجاح مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والتي أعلنها قبل أسابيع ماضية؟
أعتقد أنه من السابق لأوانه إعلان فشل مبادرة اتحاد الشغل، ومآل هذه المبادرة يبقى رهين قدرة اتحاد الشغل اليوم على التوجه إلى الأحزاب السياسية والقبول بوجود فاعلين سياسيين ضمنها متجاوزا موقفه المبدئي من بعضها وخاصة من حركة النهضة؛ ولو دعا اتحاد الشغل جميع الفرقاء إلى الجلوس حول نفس الطاولة أعتقد أن العديد سيلبي هذه الدعوة، وسيجتمع طيف كبير من المعارضة حول اتحاد الشغل ومبادرته ويكسبها ذلك مزيدا من الفاعلية والنجاعة على أرض الميدان، وزخما شعبيا وجماهيريا يكون منطلقا لإحراج قيس سعيّد، ويدفع القوى الصلبة الداعمة لقيس سعيّد إلى مراجعة حساباتها وإعادة تحديد موقفها من السلطة القائمة.
لكن ما مدى فاعلية وتأثير اتحاد الشغل في المشهد التونسي؟
لا يزال اتحاد الشغل قادرا على تحريك الشارع، لكنه ليس بالزخم المطلوب لإحراج السلطة، وأعتقد أن تضافر جهد اتحاد الشغل من ناحية وجبهة الخلاص وباقي المكونات الحزبية والمجتمعية لو وقع تنسيق بينها؛ قادر فعلا على حشد قوى لا بأس بها في جميع المناطق، وفي كل جهات البلاد، وهذا قد تكون له تداعيات مُحرجة لنظام قيس سعيّد، وكما قلت لعله يدفع القوى الصلبة المساندة لقيس سعيّد إلى إعادة تحديد موقفها من هذا المسار القائم اليوم.
وما تداعيات قيام قيس سعيّد بطرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش؟
طرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للعمال قد يكون له تأثيرات سلبية. إلى حدّ الساعة لم تصدر عن الكونفدرالية ردود أفعال أو تصريحات وقرارات صارمة، لكن هذا لا يعني أن لن يكون هناك تدبير قد يقع التهيئة له مستقبلا لمعاقبة السلط التونسية، ولنا سابقات مع الكونفدرالية الأوروبية، خاصة الفرنسية، مع السلط التونسية؛ حيث سجلت وقائع تاريخية تمثلت في رفض عمال الموانئ والرصيف إنزال سلع تونسية كانت معدّة للتصدير في ميناء مرسيليا، وامتناع إنزال هذه السلع في التراب الفرنسي، ما تتسبب في إتلاف العديد من المنتوجات المصدرة، وليس مستبعدا أن تقوم الكونفدرالية الأوروبية بالتعاون مع كونفدراليات البلدان الأوروبية بأعمال مماثلة لهذا معاقبة منها للسلط التونسية. ولا أظّن أنّهم سيتركون هذه الحادثة تمرّ دون ردّة فعل ملموسة على أرض الواقع.
هناك مَن يرى أن قيس سعيّد مجرد أداة في أيدي شخصيات وجهات أخرى.. ما مدى صحة ذلك؟ وهل هو الوحيد صاحب السيطرة على زمام الحكم؟
طبعا وإن كان قيس سعيّد يبدو الماسك بجميع أدوات القرار والمهيمن على المشهد، فإنه من المؤكد أن هناك شخصيات قريبة منه تلعب أدوارا إما بالنصح أو التوجيه أو الإرشاد، وهذه الشخصيات لا بدّ أن تكون من محيطه القريب، ومن الشخصيات التي تعوّد التعامل معها، لأن طبيعة شخصية سعيّد تجعله لا يرتاح للغرباء ولا يرتاح لمَن لا يعرفهم ولم يخبرهم ولم يأنس لهم، وأظّن أن أطرافا سواء من عائلته أو من أصهاره أو من أصدقائه القلائل والمُقربين قد يكون لهم دور في تحديد بعض -لا أقول الخيارات لأنه ليست هناك خيارات حقيقية- وإنما بعض من الأفعال التي يأتيها قيس سعيّد أو ما يصدر عنه من ردود أفعال.
هل هناك معطيات تشير إلى قرب حل الأزمة التونسية؟
للأسف ليست هناك بشائر حقيقية لخروج تونس من الأزمة التي تعاني منها، بل إن جميع المؤشرات تدّل على أن الأزمة ماضية إلى الاستفحال ذلك بأننا أمام رئيس ماسك بالسلطة متنطّعٍ وغير قابل للاختلاف، ويعتقد أنه يملك الحقيقة كلها، وأن الآخرين جميعا -وخاصة مَن يعارضوه- هم خونة وفاسدون، وليست له أيّة نيّة لإرساء أي حوار مع أيّ كان، وهو لا يدرك طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ويتمترس وراء شعارات من قبيل السيادة الوطنية المطلقة في حين هو في أشد الحاجة للدعم المالي.
والواقع أن هناك شح في العملة الصعبة، يتسبب في فقدان الكثير من المواد الأولية في السوق التونسية، وقائمة هذه المواد مرشحة إلى التوسع، لكن رغم ذلك يبدو أن الشارع التونسي لا يزال مستعدا للقبول بالمزيد من التضحيات، ولم يعبّر عن ردّة فعل أمام تردي أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية وتراجع مقدرته الشرائية والتضييق على حياته اليومية في جانبها الاقتصادي والاجتماعي.
ويبدي عدم الاكتراث إلى حد الآن بالدعوات للتحرك ولا يستجيب للأصوات التي تدّق نواقيس الخطر، بل أن هناك جانب من الشعب التونسي لازال يعتقد أن قيس سعيّد يحاول فعلا إصلاح ما أفسدته سنوات ما بعد الثورة، وهو ما يجعل الوضع مرشّحا للاستمرار والتأزم.
وستكون هذه السنة سنة صعبة على تونس في ظل أزمة اقتصادية عالمية معلومة، وسيكون الواقع أشدّ على التونسيين، وقد يحرّك فيهم الأمل في الخروج من هذه الأزمة مع سنة 2024 مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ما قد يدفعهم إلى المطالبة بانتخابات رئاسية في حينها وفي آجالها المعلومة. وحتى إن حاول قيس سعيّد الالتفاف حول هذا الموعد والتحايل وتأخير ميعاده، فأعتقد أنه سيكون هناك ضغط شعبي يجعله يقبل بالموعد ويذعن له.
رجائي أن يكون هذا السيناريو المخرج المرتقب من الأزمة، وبوابة التداول السلمي على السلطة، حتى تتجنب بلادنا ويلات الفوضى وانفلاتات أمنية لا تُحمد عقباها.