في الوقت الذي تواجه فيه
دولة الاحتلال مخاطر أمنية متصاعدة، فإن الاتهامات تتواتر بشأن عدم جاهزية جيشها للمواجهة القادمة، مما زاد من تدهور وضع الاحتلال الأمني القومي، وبات محفوفا بالمخاطر، مع العلم أن غالبية الجمهور الإسرائيلي لا يعرفون حقيقة هذا الوضع بشكل مؤكد بسبب عدة عوامل تحجب الوضع الحقيقي لجيش الاحتلال في الفترة التي ربما تسبق
الحرب.
الجنرال يتسحاق بريك مفوض الشكاوى السابق في جيش الاحتلال، ذكر "عددا من النقاط التي تشرح بوضوح أسباب تردّي الوضع الإسرائيلي الأمني القومي والشخصي غير المستقر هذه الأيام، وجهل الإسرائيليين بما يواجهه من مخدرات يقدمها ساستهم على شكل مهدئات سياسية، فيما دأب المتحدث باسم
الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي على إلقاء الرمل في عيون الجمهور منذ سنوات عديدة، ولا يخبره بالحقيقة عما هو متوقع منه في الحرب الإقليمية القادمة".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
مكور ريشون، وترجمته "عربي21" أن "مؤسسة المتحدث باسم الجيش، التي يخدم فيها مئات الجنود والضباط، تحولت مع مرور الوقت إلى هيئة علاقات عامة، وظيفتها إبراز صورة الجيش في أعين الجمهور، على حساب التقارير الصحيحة، فيما الوزراء وأعضاء الكنيست جاهلون بحقيقة الجيش، وغالبًا ما تنطلي عليهم العروض الوهمية التي تقدمها القيادة العليا للجيش لمجلس الوزراء ولجنة الشؤون الخارجية والأمن".
وأشار إلى أن "الساسة الإسرائيليين جاهلون لدرجة أنهم ما زالوا لا يفهمون التهديد الخطير الذي اشتد حول إسرائيل لأبعاد لم نعرفها من قبل، ويعتقدون أن لدينا جيشًا قويًا، وأن الأمر يتعلق فقط باتخاذ قرار بالذهاب للحرب وهزيمة العدو، وبات الأمر كما لو أن هؤلاء السياسيين يعملون في واقع افتراضي، ولا يقرأون الوقائع، وما يحركهم هو التفسيرات والمعتقدات والآراء والمشاعر، وقليل جدًا من الحقائق، وكأنه ليس لديهم أي فكرة عن حالة الجيش غير المستقرة، حتى الجنرالات الاحتياط والمتقاعدون يملأون أفواههم بالماء، ويخشون التحدث عن ذلك".
وأكد أن "هذا الصمت يعني أن المصلحة الشخصية للساسة الإسرائيليين تغلب على مصلحة الدولة، بتهرّبهم من تحمل المسؤولية عن إخفاقات كبار القادة، فالمعاهد البحثية أصبحت متحدثًا باسم الجيش، بدلاً من إجراء بحث موثوق عنه، وفي السنوات الأخيرة ألقوا الرمال في عيون الجمهور، وأخبروا الجمهور بأن لدينا جيشًا قويًا، بعضهم أصبحوا معلقين على القنوات التلفزيونية، ويواصلون جعل الجمهور ينام، حتى أجهزة المخابرات المتخصصة بجمع المعلومات عن الأهداف، لكن تقييمات بشأن اندلاع الحروب لا مسألة فيها نظر".
وأوضح أنه "في السنوات العشرين الماضية، وعندما اشتدّ التهديد حول حدود إسرائيل، فقد اكتفت أجهزة الاستخبارات بتحليل أن العدو ليس لديه نية لخوض حرب ضدنا، دون الاقتراب من حقيقة أن الجيش ليس مستعدًا لحرب إقليمية، وكما حدث في حروبنا السابقة، يتضح أن استخباراتنا لم تكن دقيقة في تقديراتها المبنية على نوايا العدو، وليس على قدراتنا".
وأشار إلى أن "هناك مسؤولية متعلقة بوزارة الحرب، التي كلفت الجيش بخوض استراتيجية المعركة بين الحروب من خلال تفعيل القوات الجوية، مع الإهمال التام لجيش البرّ، لأن التصور الخاطئ الذي رافق جميع رؤساء الأركان في العشرين سنة الماضية بأن الحروب البرية الكبرى مرّت من العالم، ويمكن الاعتماد بشكل أساسي على القوة الجوية حتى لا يتم خدش أي جندي على الأرض، لكن الحقيقة أن سلاح الجو أثبت أكثر من مرة أنه غير قادر على وقف وتيرة إطلاق الصواريخ، حتى من هدف صغير مثل غزة".
وتساءل عن "كيفية وقف جيش الاحتلال لآلاف الصواريخ والطائرات المسيرة التي ستنطلق كل يوم على إسرائيل من مسافات تصل مئات الكيلومترات، ومن آلاف منصات الإطلاق من جميع الحدود المجاورة، في حال اندلاع حرب إقليمية، وعدم تحضير الجبهة الداخلية لها، بسبب التصور الخاطئ بأن الحروب الكبرى قد انتهت من العالم".
من خلال تلخيص هذه القراءة العسكرية الإسرائيلية المحبطة من
تراجع قدرات الجيش، يمكن الإشارة إلى عدة جهات تتسبب بانتشار هذه الصورة المتشائمة، وعلى رأسها وسائل الإعلام التي تستضيف المعلقين العسكريين ومراسلي الميدان الذين يقدمون صورة مخادعة مثلما كانت قبل حرب 1973، عندما ردد الجميع أن "وضعنا لم يكن أفضل من أي وقت مضى".
الجهة الثانية المتهمة بتعميم هذه الصورة الخاطئة هي مجلس الأمن القومي الذي تأسس كاستخلاص من دروس الحروب السابقة، ويتمثل دوره بتقديم أوراق الموقف ووثائق عمل للحكومة، لإجراء مناقشات بانتظام في الحكومة ومجلس الوزراء حول تقييمات الجيش للمستقبل بمواجهة التهديدات الناشئة، لكن في الوقت ذاته فإن هذه المباحثات في الحكومة ومجلس الوزراء لا تتعامل مع الرؤية الاستراتيجية والأمن القومي لدولة الاحتلال.
في الوقت ذاته، فإن الانقسام الإسرائيلي الداخلي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة التي خرج فيها "الجني من القمقم"، هو نتيجة للصراع بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، وأسفر عن كراهية شديدة بينهم، ويتسبب بتسريع التدهور على منحدر زلق نحو الهاوية، ونتيجة كل هذا وأكثر، فإن دولة الاحتلال اليوم في أسوأ وضع أمني منذ حرب 1948، في ضوء وجود تهديد حقيقي لوجود الدولة في ذاتها، مما سيؤدي للفوضى وفقدان السيطرة في إدارة الحرب.