في مثل هذا اليوم من عام 1967 سلّم وزير الدفاع السوري
حافظ
الأسد، القنيطرة على طبق من ذهب للكيان الصهيوني، وسلمّ معها مرتفعات
الجولان
الحصينة المعروفة بتضاريسها الوعرة، والتي أقضّت مضاجع بني صهيون لعقود، فجاء من
يسلمهم إياها عُربون سلف لوصوله إلى السلطة، وتحكّمه بالشعب السوري لعقود، بل وتحكّمهم
بالمنطقة كلها كما ظهر لاحقاً.
ولعل ما يجري للشعب السوري على مدى عقود وخاصة في زمن
الثورة السورية، من تجريب كافة الأسلحة المحرمة دولياً على أجساده وأرضه، يؤكد أن الثمن
قد دُفع مسبقاً لحماية بني صهيون، وإلاّ فما هو التفسير لما يجري كله؟!
لا أعتقد أننا بحاجة إلى التدليل بعد هذه الفترة
الزمنية التي فضحت العصابة الطائفية في الشام، فلم يُخفِ نتنياهو غير مرة رغبته في
إبقاء النظام الحالي جاثماً على أرض السوريين، للتدليل على خيانة النظام السوري،
وسوْق الأدلة المكررة بشأن تسليمه القنيطرة والجولان وخياناته المتكررة. فالعصابات
الصهيونية لا تُخفي رغبتها ببقاء عصابات الكبتاغون في السلطة، ولذلك فقد وضعت
الفيتو على ترحيلها وإسقاطها، على الرغم من الأكلاف الباهظة التي دفعها السوريون
من دمائهم وأرضهم ومعاناتهم، طوال تلك الفترة المظلمة من تاريخ السوريين، ومعهم
دفع العالم كله الكلفة الكبيرة أيضاً؛ وذلك من مصداقيته، إن كان من حيث التبجح
بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية ونحوها من الشعارات البرّاقة، أو من حيث وضعه
جدراً حمراء على استخدام أسلحة محرمة دولياً، لنجد تكرار استخدامها لأكثر من 317
مرة على السوريين، مما تسبب في كارثة قتل وسجن وتشريد لم يُسبق إليها في العصر
الحديث.
الصهيونية لا تُخفي رغبتها ببقاء عصابات الكبتاغون في السلطة، ولذلك فقد وضعت الفيتو على ترحيلها وإسقاطها، على الرغم من الأكلاف الباهظة التي دفعها السوريون من دمائهم وأرضهم ومعاناتهم، طوال تلك الفترة المظلمة من تاريخ السوريين، ومعهم دفع العالم كله الكلفة الكبيرة أيضاً
لعل أهم كتاب وثّق تلك الفترة الزمنية من سقوط
القنيطرة وبيع الجولان، هو "سقوط الجولان"، لضابط الاستطلاع العسكري
السوري مصطفى خليل، وقد كلّفه سنوات من حياته، حيث تم سجنه جزاءً على ما أقدم عليه.
وقد كشفت شهادات قادة مصر السابقين عن جرّ نظام البعث
السوري الطائفي نظام جمال عبد الناصر إلى تلك الحرب، ثم انسحابه منها، لتدفع مصر
ثمناً باهظاً في الحرب، وكأن قادة مصر لم يتعلموا شيئاً من سلوكيات وسياسات نظام
البعث حين تم الغدر بهم في أيام الوحدة (1958-1961)، حيث دفعهم إلى وحدة عاجلة،
كان نظام البعث أشد الأطراف حاجة إليها، وحين انتفى غرضه منها تخلى عنها فكان ما
كان من انهيار الوحدة، وانهيار أي أمل بها في المستقبل.
الظاهر أن السوريين لم يدفعوا وحدهم ثمن تحكّم هذه
العصابة بالحكم في دمشق، فقد دفعت المنطقة كلها ثمناً باهظاً لتحكم وبقاء هذه
العصابة الطائفية جاثمة على صدور السوريين، ومعها على صدور الفلسطينيين
واللبنانيين وحتى الأردنيين. ولعل ما حدث للشعب الفلسطيني واللبناني منذ دخول قوات
الأسد إلى لبنان عام 1976 وحتى الآن؛ كان دليلاً واضحاً على كبح جماح هذين الشعبين
لصالح بني صهيون، فكانت حملات الإبادة التي نفذتها عصابات الأسد في لبنان من مجازر
في مخيم تل الزعتر والكرنتينا والبداوي وبرج البراجنة وطرابلس.
حين نرى كل هذا الإجرام النازل بحق السوريين، ونرى معه حجم الصمت الذي يستمسك به العالم كله تجاه مجازر السوريين، نفهم تماماً لماذا يحصل ذلك كله، فحين نعود إلى المقدمات التي سبقت هذه المجازر، نفهم النتائج التي نحصدها اليوم
ما ارتكبته هذه العصابة بحق الفلسطينيين ومقاومتهم أمر
مخيف ومريع، ويستحق المجلدات لتكتب عنه وتفضحه، وقد تجلّى بتآمرها مع المجرم إرئيل
شارون على ترحيل ياسر عرفات والمقاومة الفلسطينية إلى تونس، وتمكين حزب الله
ومنظمة أمل وغيرهما، وهم المعروفون إما بتآمرهم معه ضد الفلسطينيين، أو بقيامهم
بأعمال خطف تمكّن حاكم دمشق من بيع المخطوفين في سوق النخاسة الدولية، وكأن
العملية سلعة يتاجر بها سياسياً، كحال حزب الله الذي فتك بالسوريين واليمنيين
والعراقيين، فدفع الثمن لبني صهيون مؤجلاً عن مهزلة الانسحاب
الإسرائيلي من جنوب
لبنان، وتم تصويره كقائد للعملية وصاحبها. وبينما عجزت تل أبيب لعقود عن الفتك
بعواصم وحواضر الأمة كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، جاء الحزب ليقوم بالمهمة على
أكمل وجه من وجهة نظرها.
اليوم حين نرى كل هذا الإجرام النازل بحق السوريين،
ونرى معه حجم الصمت الذي يستمسك به العالم كله تجاه مجازر السوريين، نفهم تماماً
لماذا يحصل ذلك كله، فحين نعود إلى المقدمات التي سبقت هذه المجازر، نفهم النتائج
التي نحصدها اليوم، فإن كانت المقدمات تقود إلى النتائج، فإن الأخيرة أيضاً تدلنا
عن طبيعة المقدمات، تماماً كما أن نتائج المسير يقود إلى الأثر فإن نتائج الأخيرة
تُرشدنا إلى المقدمات وهي السير. ولذلك كانت مقدمات تسليف العدو الصهيوني لتسليم
القنيطرة وبيع الجولان نتائج، أو العكس صحيح، لا فرق.