قضايا وآراء

الدرس الأردوغاني

الأناضول
أتفهم تطلع الأمة لنجاح النموذج الأردوغاني، ليس لأنه خليفة كما يتلاسن بعض الموتورين، ولكن لأنهم يرون فيه تلك الروح التي يتمنونها، والقيم الأصيلة التي ينتسبون إليها، والحرية الغائبة التي يتوقون لها، والعزة النادرة التي تشرئب الأعناق لأيامها ولياليها.

أتفهم حنين جمهور الأمة إلى قائد يخدمهم، وحلمهم بحكومة تبذل قصارى جهدها لاسترضائهم، وتطلعهم إلى منظومة صناعية تستثمر طاقاتهم في الإنتاج وليس في الاستهلاك، في الصناعات الكبيرة، والإنجازات التعليمية، والعسكرية، والمشاريع الإنتاجية في كل مناحي الحياة.

نعم.. ما أشوق الشعوب العربية خاصة والإسلامية عامة إلى التخلص من نيران الاستبداد، والتحرر من ربقة الاستعباد، باسم القومية حيناً، والعلمانية حيناً، والوطن والعَلَم والأمن أحياناً!!

والقاسم المشترك بينها، ليس إلا مزيداً من التبعية والتسلط، ومزيداً من الانحدار والانجراف، فلا حافظوا للشعوب على مقدراتها وهويتها، ولا سلكوا بها مسلك التقدم الحضاري كبقية الأمم، حتى تركوا البلاد كالخنثى المُشكل فلا إلى الذكورة والرجولة بمعالمها ومقتضياتها انتصب، ولا إلى الأنوثة وعاطفتها وحيائها وجمالها انتسب!!

هل يستثمر أهل العلم والفكر الفرصة لتعاون بنّاء في تلك الأجواء، ليجمعوا شتات جهودهم، فينسجوا منهجية بناء، وآفاق ارتقاء، ومشاريع نهوض يغيثون بها الأمة في محنتها الفكرية، ويتعالوا على صراعات المصالح، وتطلعات الصدارة وحب الذات، ويقوا الأمة من مزيد من الصدمات والأزمات والنكبات والجراحات؟!

ولكن.. وما أخطر ما بعد لكن، ماذا بعد أردوغان، ونجاح الانتخابات التركية؟

العلماء والمفكرون

هل يستثمر أهل العلم والفكر الفرصة لتعاون بنّاء في تلك الأجواء، ليجمعوا شتات جهودهم، فينسجوا منهجية بناء، وآفاق ارتقاء، ومشاريع نهوض يغيثون بها الأمة في محنتها الفكرية، ويتعالوا على صراعات المصالح، وتطلعات الصدارة وحب الذات، ويقوا الأمة من مزيد من الصدمات والأزمات والنكبات والجراحات؟!

هل يستثمرون الفرصة لإطلاق مشاريع علمية رائدة، ويجتهدوا في رسم منهجية حماية للثوابت، والارتقاء الإيماني المتألق؟

المعارضة المصرية:

هل يستثمر المصريون خاصة في المهجر الفرصة لإعادة لمّ شتاتهم، أم غاية بعضهم ما زالت محصورة في أن يجد ملاذاً آمنا يقضي فيه ما تبقى من حياته، معللاً نفسه ببعض الأنشطة الخيرية، أو اللقاءات النمطية، أو الأنشطة المصلحية؟!!

هل يستثمرون الأيام والليالي لبذل ما تبقى لديهم من جهد، لتخليص البلاد والعباد من نيران الاستبداد، وجنون العسكر، وإهدار المقدرات، وبيع الأصول، وتقزيم الوطن، وتجفيف منابع الإصلاح؟

هل ينطلقون في عمل جاد لإيقاف الانحدار القيمي، والاقتصادي، والاجتماعي، والإنساني في البلاد؟!!

هل يستثمرون التغيرات العنيفة التي تجري في العالم، ربما يجدون فيها فرصة لتخليص إخوانهم وأخواتهم من محنة السجون والمعتقلات، والتي تُعتبر أسوأ كوارث الدهر على الإطلاق، وأعظم مصائب الأمة بأسرها بلا مُنازع، وأخطرها مسؤولية عند الله وعند الناس؟ أو يبحثون عن دعم سياسي ربما يجدون فيه باباً لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات، أو حتى إخراج النساء والبنات، والمرضى وكبار السن؟

الحركة الإسلامية

هل تستوعب الحركة الإسلامية باتساعها وتنوعها الدرس، فتنتفض من سُباتها، وتستيقظ من غفلتها، وتعيد ضبط أفكارها ومنهجيتها ووسائلها، فلربما تنجح في تجميع شتاتها، ورص صفوفها؟

الظاهرة الأردوغانية تستحث العقلاء على التأمل، وتستنهض الهمم، وتشحذ الأفكار، وتُحفز النفوس، وتُطلق شرارة الانبعاث الجديد، فهل من معتبر؟

هل تذكر أو تتذكر أن أردوغان منتج لحركة تمرد على منظومة الحركة، وليس على قيمها، وأن الذين تمسكوا بالمنظومة على حساب الفكرة وتطويرها أضحوا اليوم أتباعاً وأشياعاً وأحلافاً لمن يعادون كل قيمهم وأفكارهم ودينهم؟!!

فهل من استشراف أمين للمستقبل، وهل من إعادة تموضع للعاملين يزرع في الأمة الأمل بعد اليأس، ويفتح آمال الانبعاث بدلاً من الاندثار، والانطلاق بدلاً من التكلس والانكسار، والتجديد بدلاً من التبديد، والتقدم بدلاً من التقادم؟!

إن الظاهرة الأردوغانية تستحث العقلاء على التأمل، وتستنهض الهمم، وتشحذ الأفكار، وتُحفز النفوس، وتُطلق شرارة الانبعاث الجديد، فهل من معتبر؟

والسؤال الأخير:

هل الأمة بحاجة إلى قائد مُلهم فحسب، أم بحاجة إلى رواد أصفياء، ملكوا شجاعة الفرسان، ورصانة الفكر، وأمانة المسؤولية، والتعالي على المُغريات، والاستعلاء على المعوقات، وتخلصوا من حظوظ أنفسهم، وجعلوا حياتهم وقفاً لله تعالى، خدمة للبشرية، واحتراماً للإنسانية، ونشراً للعدالة، وتحققاً بالرسالة، أم أنها إذا تحققت هي بتلك المواصفات رزقها الله تعالى قائداً مُلهماً، يحقق بها ومعها الأماني والتطلعات؟