لم ينج قطاع اقتصادي أو تجاري، ولا سلعة استهلاكية أو غذائية، من أزمة فوضى الأسعار وزيادتها بشكل مطرد، وشح المعروض وتراجع المخزون في
مصر منذ قيام الحكومة بخفض قيمة
الجنيه ثلاث مرات منذ آذار/ مارس 2022.
في جولة لمراسل "عربي21" داخل بعض الأسواق، قفزت أسعار الكثير من السلع والمنتجات والخدمات 300% كما في سوق السيارات، وقطاع الدواء، والأجهزة الكهربائية حيث وصلت أسعار بعض الثلاجات إلى أكثر من 100 ألف جنيه (الدولار يساوي 30.9 جنيه).
امتدت فوضى الأسعار إلى أسواق الدواجن واللحوم والألبان والأسماك والدخان والسجائر والأثاث والملابس، وقطع الغيار، حتى بات لا يمكن شراء سلعة والعودة إليها بعد أيام وشرائها بنفس السعر، إلى جانب ظهور عبارة "نفدت الكمية" أسفل العديد من السلع أو سوف "تتوفر قريبا".
تتحدث المواقع الإخبارية المحلية عن الأسعار المبالغ بها وغير المبررة وجشع التجار واستغلالهم للأزمة واحتكار السلع. توجه مراسل "عربي21" بسؤال إلى بعض المستوردين والمصنعين والتجار، عن ما يجري في الأسواق المصرية، هل هو جشع واستغلال أم أزمة نقص السلع ومستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الخام؟ وهل السبب في ذلك شح الدولار وتقييد الاستيراد؟
جريمة مشتركة
يقول عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية المصرية، أحمد شيحة، إن "فوضى الأسعار جريمة مشتركة بين الجميع سواء الحكومة أو المستوردين أو التجار، ويأتي على رأس الأزمة قرار الحكومة بتعويم الجنيه، وعدم فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، وشح الدولار وبالتالي زيادة سعر التكلفة، وبالتالي تراجع حجم البضائع والسلع يشجع التجار على الجشع واستغلال الظروف".
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "هناك بالفعل أسعار غير مبررة في الكثير من السلع والبضائع، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الكثير من المستوردين بسبب تعطل البضائع في الموانئ لتأخر توفير الدولار من قبل البنوك لدخولها البلاد يدفعون غرامات ورسوم أرضيات تصل إلى ثمن الشحنة، بالتالي أثر ذلك بشكل مباشر في زيادة أسعار المنتجات والسلع".
وأرجع شيحة استمرار ارتفاع الأسعار وعدم توقفها إلى "قيام البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه باستمرار أكثر من مرة بالتالي تتحرك الأسعار، إلى جانب خنق عملية الاستيراد، وتحكم فئات قليلة في عملية الاستيراد جعل الكثير من السلع تحت رحمة الاحتكار والمحتكرين".
معاناة التجار والمنتجين والمستهلكين
يعتقد عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، أشرف حسني، أن "هناك أسبابا كثيرة لارتفاع الأسعار بعيدة عن التجار، أولها هو انخفاض سعر العملة المحلية وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية لها وزيادة التضخم، ثانيها أزمة شح الدولار، ثالثها تراجع الإنتاج، المنتج المصري غير قادر على توفير خامات وقطع غيار بالشكل المناسب".
مضيفا لـ"عربي21": "يمكن القول إن التجار يعانون مثلهم مثل المنتج ومثل المستهلك، والتاجر في هذه الظروف يتدهور رأس ماله وتتراجع أرباحه، لأن رأس ماله بالعملة المحلية انخفض للنصف، والسلع سريعة الدوران وفي كل دورة تتراجع قيمتها ويقل حجمها".
وفي ما يتعلق بالمستهلك، أوضح حسني "أن قدرة المستهلكين على الشراء تراجعت بشكل كبير، واتجه البعض للبحث عن بدائل أو تقليل الكميات أو الاستغناء عن بعض المنتجات لتقليل الإنفاق، وبدأنا نعاني من ما يسمى الركود التضخمي، وأصبحت معاناة التجار مثلهم مثل أي فرد في المجتمع".
ودعا إلى "ضرورة التكاتف، وعدم إلقاء التهم جزافا، وحل مشاكل المصانع من أجل زيادة الإنتاج، وتخفيف الأعباء الضريبية عن المصنعين والمنتجين، وحل مشاكل الاستيراد والتصدير وبالتالي توفير العملة الصعبة، بالتالي يقل التضخم وتزيد قدرة الجنيه على الشراء".
أزمة صانع القرار الاقتصادي
استبعد الرئيس السابق للشعبة العامة للملابس بالغرفة التجارية، محمود الداعور، أن يكون الغلاء بسبب جشع التجار، قائلا: "الأزمة تكمن في صانع القرار الاقتصادي، حيث تم اتخاذ مجموعة قرارات مثل قرار فبراير الأسود (في إشارة إلى منع الاستيراد بالاعتمادات المستندية)، ما أدى إلى نقص السلع والبضائع ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وتكدس البضائع، وبالتالي ارتفاع التكلفة بشكل كبير".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "إذا كان هناك جشع لدى التجار، فهناك جشع لدى الحكومة، والسؤال هنا لماذا تزيد أسعار الكهرباء والمياه والغاز والوقود لنفس الأسباب تزيد أسعار السلع، والجميع يقومون بالبيع طبقا لأسعار صرف، إذن ما نراه ليس جشع تجار إنما مواكبة للأسعار".
وأكد أن "هناك أزمة سيولة لدى الناس، والوضع الحالي يتطلب وجود حكومة اقتصادية قادرة على إدارة الأزمة، وتحميل التجار المسؤولية وليس صانع القرار هو هروب من الأزمة وعدم مواجهتها، لكن طالما أن هناك حكومة كل هدفها الجباية فمن الصعب تغيير الأوضاع".
تغير نمط شراء المصريين
كشفت دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن 65.8% من الأسر تأثر نمط انفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية نتيجة للأزمة الاقتصادية، كما انخفض استهلاك حوالي 74% من الأسر من السلع الغذائية.
وذكرت الدراسة أن حوالي 90% من الأسر انخفض استهلاكها من البروتينات (لحوم وطيور وأسماك) مقارنة بما كان قبل بداية الأزمة، وأن 85% من الأسر تغير نمط شرائها من السلع فأصبحوا يقومون بشراء ما يحتاجونه لمدة أسبوع فقط مقارنة بنمط استهلاكهم قبل الأزمة.
ورصد تقرير للبنك، استند لبيانات التضخم، في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى نيسان/ أبريل 2023، مجيء مصر في المرتبة الثانية عربيا والسادسة عالميا من حيث ارتفاع الأسعار، والتي وصلت إلى 55 بالمئة في القيمة الاسمية، و24 بالمئة في القيمة الحقيقية.
مستويات جديدة للتضخم
أظهرت استطلاعات بعض البنوك الاستثمار المحلية والعالمية أن يعاود معدل التضخم الأساسي الارتفاع صوب مستويات قياسية في أيار/ مايو تصل إلى 40%؛ نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وزيادة أسعار السلع التموينية والمواد الغذائية.
وأشارت تلك الاستطلاعات إلى ارتفاع أسعار المستهلكين في المدن إلى أكثر من 31%، كان أعلى مستوى وصل إليه التضخم عند 32.9 في تمو/ يوليو 2017 بعد تحرير سعر صرف الجنيه بشكل كامل نهاية عام 2016، لكن تظل الأرقام غير الرسمية أعلى من ذلك بكثير.