صحافة إسرائيلية

عقبات كبيرة أمام تطبيع الرياض وتل أبيب.. كيف قرأت صحف عبرية وأمريكية ما يجري؟

الصحف تحدثت عن أثمان كبيرة قد تدفعها الأطراف كافة في حال إبرام اتفاق هش- جيتي
استحوذت مسألة تطبيع العلاقات بين السعودية والاحتلال بوساطة أمريكية، على تغطية صحف عبرية وأمريكية، والحديث عن تفاصيل ما يجري من اتصالات للوصول إلى نقطة التقاء قد تفضي إلى حدوث اتفاق تطبيع للعلاقات.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت، إن هناك مخاوف إسرائيلية من "قنبلة موقوتة" يمكن أن يتضمنها اتفاق التطبيع بين تل أبيب والرياض.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في افتتاحيتها التي كتبها المحلل العسكري والأمني رونين بيرغمان: " يوجد أدناه لغز منطقي موضعي يتكون مجموعة عراقيل فإيران تشكل تهديدا على الأمن القومي لإسرائيل، والمشروع النووي الإيراني يهدد الاستقرار؛ لأنه سيطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، أما التطبيع مع السعودية، فيساعد في التصدي للتحدي الإيراني".

وأضافت: "كذلك من أجل التوقيع على اتفاق تطبيع مع السعودية، يتعين على إسرائيل أن توافق على أن تفعل الرياض منظومة تخصيب يورانيوم ومفاعلات نووية، وهو بالضبط السبب الذي لأجله عارضت إسرائيل دوما مجرد وجود مشروع تخصيب في إيران، إضافة إلى أن كل منشآت النووي في السعودية ستكون لأغراض مدنية، بل وتحت الرقابة، لكن المسافة بينها وبين التخصيب العسكري ليست واسعة".

وتساءلت الصحيفة: "بفرض أن النظام الحالي في المملكة سيحافظ على الاستخدام المدني فقط، من يضمن للإسرائيل أن يكون النظام مستقرا إلى الأبد ولا تسقط المملكة؟ انظروا لما حصل في إيران"، مؤكدة أن "التوقيع على اتفاق سلام مع السعودية سيساعد الأمن القومي في الصراع ضد إيران، لكنه سيمس بالأمن القومي الإسرائيلي، في الصراع ضد التحول النووي لكل المنطقة".


وتابعت: "كيف يمكن حل هذا اللغز وننجح في مساعدة الأمن القومي دون أن نمس به؟ في هذه المسألة يتردد في الأسابيع الأخيرة سلسلة مسؤولين أمريكيين، سعوديين وإسرائيليين، ويعتقدون أنه لأسباب عديدة ومتنوعة فتحت في هذا الوقت نافذة فرص خاصة للتوقيع على اتفاق تطبيع بين تل أبيب والرياض، بالتوازي، نضجت على ما يبدو المحادثات السرية التي تجري بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في عُمان، لسلسلة توافقات".

وزعمت أنه "في قائمة مطالب ابن سلمان لا يوجد أي تنازل إسرائيلي ذي مغزى في الموضوع الفلسطيني، وإذا ما حصل من الولايات المتحدة على الأمور الهامة التي طلبها، فلن تكون له أي مشكلة في أن يلقي بالفلسطينيين تحت الشاحنة، والمطلب البارز في قائمة مشروع تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية في الرياض".

من جهة أخرى، بحسب الصحيفة، "هو بالضبط عكس السياسة الإسرائيلية طويلة الأمد؛ أنه يجب الاعتراض بكل حزم على كل تخصيب في أي دولة في الشرق الأوسط"، متسائلة: "كيف يحل هذا اللغز، وأن ننجح في مساعدة الأمن القومي دون أن نمس به؟ كيف نطبع العلاقات مع المملكة الغنية دون أن تكون هذه "معاهدة سلام مع قنبلة موقوتة"؟ كما وصف الوضع مصدر استخباري كبير.

تطبيع مكلف
من جانبها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن ولي العهد السعودي عبر في لقائه الشهر الماضي مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن رغبة بالتطبيع مع إسرائيل هذا العام، ولكن بشروط.

ولفتت في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل يعتبر تحولا مهما في عمليات إعادة الاصطفاف الجارية بالشرق الأوسط، وقد ينفع قادة البلدين وكذا الرئيس بايدن الذي سيواجه حملات انتخابية العام المقبل. وسيعطي الاتفاق لو حدث فكرة أن واحدة من أكثر الدول تأثيرا في الشرق الأوسط باتت تنظر لدعم القضية الفلسطينية كأولوية ثانوية. وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن التطبيع مع السعودية سيكون انتصارا سياسيا للزعيم المحاصر والذي تواجه حكومة اليمين المتطرف التي تقودها معارضة محلية.

ومن جانبه، يرغب ولي العهد السعودي بتقوية العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، والحصول على أسلحة متقدمة وموافقة أمريكية لتخصيب اليورانيوم كجزء من برنامج نووي مدني الطابع، وهو أمر قاومته واشنطن. وبالنسبة لبايدن فالتقارب مع السعودية يحمل معه مخاطر سياسية، فقد تعهد في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بجعل السعودية "منبوذة" إلا أن معاهدة سياسية في الشرق الأوسط قد تكون دعما لحملته في 2024.

ويرى المسؤولون الامريكيون منافع استراتيجية لتقوية العلاقات مع السعودية وطريقة لإبعاد الرياض عن الصين، البلدين اللذين يقيمان علاقات دافئة. وحتى يتحقق الاتفاق، يجب على كل طرف التراجع عن موقف ثابت: بالنسبة لإسرائيل التي قالت إنها لن تسمح بتخصيب اليورانيوم في المملكة، وبالنسبة للرياض فستتخلى عن تعهد بعدم التطبيع مع إسرائيل، إلا في حالة قيام الدولة الفلسطينية، أما بايدن فسيكون أمام امتحان حول سبب تغيير موقفه من الأمير محمد.

وفي ضوء الشعبية المتدنية لإسرائيل بين المواطنين السعوديين، فالتطبيع سيكلف محمد بن سلمان رأس مال سياسي، حسب مسؤولين سعوديين، ومن أجل تبرير هذا، فهو يريد تنازلات مهمة من الولايات المتحدة وبعين على ردع إيران، إلا أن مطالب الأمير محمد كانت كبيرة، بما فيها ضمانات أمريكية للدفاع عن السعودية في حال واجهت هجمات، وكذا شراكة أمريكية- سعودية لتخصيب اليورانيوم لبرنامج نووي، وقيود أقل على صفقات السلاح الأمريكي.

واجتمع ريتشارد غولدبيرغ، المسؤول السابق في إدارة ترامب والمستشار الحالي لمجموعة الدفاع عن الديمقراطية مع المسؤولين السعوديين هذا الشهر. وقال إنهم تحدثوا عن التنقيب عن اليورانيوم والتخصيب للحصول على موارد، لكنه يعتقد أن الهدف الحقيقي هو أن تكون لديك القدرات النووية لو فعلت إيران نفس الشيء.

وأوكل نتنياهو مهمة التفاوض للتطبيع مع الرياض إلى فريق خاص موثوق به، ومنهم رون ديرمر، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، ووزير الشؤون الإستراتيجية، إلى جانب تساحي هانغبي، مستشار الأمن القومي، وكلاهما زار واشنطن عدة مرات في الأشهر الأخيرة.

لكن بوجود حكومة متطرفة في إسرائيل، فلا يوجد هناك منظور لتقديم تنازلات للفلسطينيين، إلا أن السعوديين وإدارة بايدن على ضرورة شمل أي اتفاقية على لفتات قوية للفلسطينيين، دون تحديد طبيعتها. وقال انديك: "يحتاج بيبي إلى هذا بشكل كبير، ويشعر أنه يتذوقه".


ومن دون أن يكون هناك تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين، فأي صفقة لن تدوم، وتنازلات الولايات المتحدة للسعودية ستضيع، "من المفترض أن يحقق السعوديون إنجازات للعالم الإسلامي، ولكن لو سمحت الولايات المتحدة لمحمد بن سلمان بالتخلي عن الفلسطينيين، فإن الأمر كله لن يكون مستقرا".

وكرر السعوديون خطابا، وهو أن أي تطبيع مع إسرائيل مشروط بدولة فلسطينية، وهذا كلام يرددونه منذ مبادرة 2002، وكرر ابن سلمان هذا الكلام أمام قمة الجامعة العربية الأخيرة في جدة.

من جانبه، رأى الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، تسيبي شميلوبتس، "احتمالات التطبيع غير عالية، لكن الإدارة قررت تنفيذ قفزة الرأس، وكشف هنا قبل نحو ثلاثة أسابيع تفاصيل جديدة عن الاتصالات بين واشنطن والرياض وتل أبيب، تتضمن المطلب السعودي؛ صفقة سلاح، طائرات "إف 35" وتخصيب اليورانيوم".

وزعم أن شميلوبتس "واشنطن حتى الآن تعارض الطلب السعودي الأخير برنامج نووي مدني، وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن احتمال الصفقة أقل من 50 في المئة".

وحذر من أنه في حال قررت واشنطن السماح للسعودية بـ"إبقاء الفلسطينيين في الخلف، فكل الموضوع يصبح غير مستقر".

إدراك سعودي للعبة

إلى ذلك، أبدت أوساط الاحتلال السياسية والدبلوماسية حيرتها إزاء ما تعتبره تلاعباً يمارسه ولي عهد المملكة محمد بن سلمان بمختلف أطراف الشرق الأوسط، تارة بتجديد العلاقات مع إيران، وفي نفس الوقت الإشارة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، التي باتت نظرتها للمملكة مشوشة، في ظل انشغالها بأمور أخرى.

شلومو ماعوز، الكاتب بصحيفة معاريف، ذكر أنه "بينما تنتظر إسرائيل، القوة العسكرية الإقليمية، بأعين واسعة إلى دعوة الرئيس جو بايدن، لكن السعوديين استوعبوا نظرية المساومة الصعبة المستخدمة بالشرق الأوسط".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "بينما تتخيل إسرائيل المنقسمة داخليًا بشأن العلاقات المفتوحة مع السعودية، فإنها تتفاجأ جدًا بالعمليات السريعة والمكثفة في المنطقة، بوساطة صينية ضخمة وصامتة، خلف ظهر الولايات المتحدة، حتى ظهر أمامها الخيار الإسرائيلي من خلال وصف علاقة تل أبيب والرياض بالمتميزة، بحيث تكون إسرائيل ركيزة فولاذية للمملكة، خاصة في الخدمات الصحية العسكرية والإلكترونية والمستقبلية، مقارنة بالركيزة المكسورة للخيار الإيراني".


وأشار إلى أن "التقييم الإسرائيلي لمستقبل التطبيع مع السعودية ينطلق من كونه قضية استراتيجية، ويخشى أن تفلت من أيدي الولايات المتحدة لصالح الصين وروسيا وإيران، لأنها تطالب بمساعدتها ببناء بنية تحتية نووية للاحتياجات المدنية، دون إشراف أمريكي دولي، والتحرك نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وشراء معدات عسكرية متطورة من الولايات المتحدة، وفي حال وافقت الولايات المتحدة على هذه الشروط، فيمكن للمملكة الانضمام لاتفاقيات التطبيع، رغم أنها من شجعت البحرين والإمارات على التطبيع".

ويشعر الاحتلال بشأن مستقبل التطبيع مع السعودية أنه عالق في الوسط، بسبب حكومته اليمينية المتطرفة التي تجعل من الصعب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المناورة، والاستجابة للمطالب الأمريكية المتعلقة بالانقلاب القانوني، وقد لا يكون أمامه خيار سوى التخلي عن المسار الجوي لاستهداف برنامج إيران النووي، ربما عن طريق المسار البحري، وفيما تشهد حاليا المنطقة تغيرات سريعة متلاحقة، لم تعرفها حتى الآن، فإنها مشغولة بسياسات داخلية متلاحقة.