قضايا وآراء

العامل الخارجي والتنافس الجيوسياسي ودورهما في تعقيد أزمة اليمن

أجندة متضاربة للأطراف المنخرطة بالحرب في اليمن- أ ف ب
دخلت الأزمة اليمنية عامها الثامن، ويبدو أن آمال التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة بدأت تتلاشى، ولا تزال الأطراف المتحاربة بعيدة عن الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم. وتسببت الحرب في اليمن في مأساة إنسانية، حيث أودت بحياة أكثر من 377 ألف شخص، وتسببت في تشريد أكثر من 24 مليون شخص. كما أدت الحرب إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في اليمن، حيث أصبح أكثر من 80 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وفي البحث عن أسباب غياب الحلول المستدامة لهذه الأزمة المستمرة علينا القول إن أسبابها متعددة ومعقدة للغاية، ويأتي على رأس القائمة الخلافات السياسية بين الأطراف المتحاربة، وهناك انقسام بيني كذلك بين الحلفاء حول الدور المستقبلي للقوى المحلية ونصيبها من الكعكعة اليمنية. وكذلك وكما أشرنا أعلاه فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد تجعل من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار أو العمل على تمديد الهدنة الإنسانية في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

غياب الحلول المستدامة لهذه الأزمة المستمرة علينا القول بأن أسبابها متعددة ومعقدة للغاية، ويأتي على رأس القائمة الخلافات السياسية بين الأطراف المتحاربة، وهناك انقسام بيني كذلك بين الحلفاء حول الدور المستقبلي للقوى المحلية ونصيبها من الكعكعة اليمنية. وكذلك وكما أشرنا أعلاه فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد تجعل من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار أو العمل على تمديد الهدنة الإنسانية في هذا البلد الذي مزقته الحرب
هناك عامل مهم للغاية يساهم في منع استقرار اليمن وهو العامل الخارجي، ففي السابق كان الحديث عن خلاف إيراني- سعودي حول الملف اليمني، وهو ما منع التوصل إلى اتفاقية سلام. والبعض من اليمنيين عقد الكثير من الآمال حول اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران وانعكاس هذا الاتفاق على الوضع في اليمن. وبالفعل فقد تم تمديد الهدنة وزار وفد سعودي رفيع المستوى صنعاء والتقى بمسؤولي جماعة أنصار الله، ولكن هذه التحركات لم تترجم على الأرض ويبدو أنّ الملف عالق دون أمل في تجاوز الأزمة هناك.

ويبدو بأن مهمة المبعوث الأممي "هانس غروندبرغ" في رسم "التوقف"، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى اليمن حيث التقى المسؤولين المسؤولين اليمنيين في الرياض ثم التقى بالمسؤولين في صنعاء، وانعكس صمته على توقعات بأن ملف التهدئة أو الحل السلمي الدائم قد دخل في مرحلة سبات طويلة الأمد، ولم تفلح كذلك عملياته الترميمية بالزيارات المكثفة إلى واشنطن وبكين.

ولكن وعلى الرغم من التقدم الأممي البطيء في الملف اليمني، إلا أن هناك نشاطا غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة في اليمن. فسفير واشنطن في عدن السيد "ستيفن فاغن" يجري لقاءات مكثفة غير رسمية وسرية للغاية، والمثير للاهتمام في هذه اللقاءات أنها جاءت في ظل غياب المسؤولين اليمنيين، مثل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أو أي من أعضاء المجلس الحاكم فضلا عن رئيس الوزراء معين عبد الملك. وتشير هذه التحركات إلى أن واشنطن تتحرك بنشاط لحماية مصالحها في اليمن وتشعر بأنها الحاكم الفعلي له، خصوصا إذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً ونظرنا إلى موقف الولايات المتحدة من قرار المجلس الانتقالي الجنوبي بعدم صرف الرواتب من عائدات النفط؛ بحجة بأن النفط ملك للدولة المنفصلة التي يدعو لها الانتقالي وتدعمها واشنطن.

لم تعد الأزمة اليمنية متعلقة بصراع سياسي داخلي على النفوذ والسلطة وحسب، بل أصبح الملف مرتبطا بمنافسات إقليمية ومعادلات جيوسياسية مرتبطة بتقوية النفوذ في اليمن والقارة الأفريقية
إذا ومنذ 2015 يعود العامل الخارجي للعلب دور أساسي في تعقيد الأزمة في اليمن، فالدور الأمريكي عاد وبقوة إلى المشهد اليمني، ويبدو كذلك بأن قرارات حظر الأسلحة إلى الإمارات التي اتخذته بعض الدول قد تم رفعه كذلك. فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت إيطاليا برفع الحظر عن صفقة أسلحة وُقعت في 2020 بحجة حرب اليمن، ويبدو بأن الأسلحة الإيطالية قد وجدت طريقها إلى الإمارات بوفرة كبيرة للغاية. ولذلك ولتعزيز تعاونها العسكري واللوجستي مع الشركات الغربية ولتعزيز التنافس مع المملكة العربية السعودية، فقد قامت الإمارات بترميم هذه العلاقات والتأكيد على إنهاء دورها العسكري في اليمن. إلا أن الواقع يشير بعكس ذلك تماما، فالإمارات تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى تجزئة وتقسيم اليمن، وهي ذهبت أبعد من ذلك في محاولاتها للسيطرة على الجزر اليمنية كما أنها ذهبت إلى أفريقيا وهي تسعى الأن إلى الاستفادة من الأزمة في السودان لتعزيز النفوذ هناك، خصوصا بعد اتفاق السودان وتركيا على تسليمها جزيرة "سواكن" السودانية.

بناء على ما تقدم لم تعد الأزمة اليمنية متعلقة بصراع سياسي داخلي على النفوذ والسلطة وحسب، بل أصبح الملف مرتبطا بمنافسات إقليمية ومعادلات جيوسياسية مرتبطة بتقوية النفوذ في اليمن والقارة الأفريقية، كما لا يجب أن ننسى الدور الأمريكي الذي يتعاضم في اليمن تحت ستار تحقيق المصالح. وعليه فالأطراف الإقليمية الفاعلة كالسعودية وإيران عليهما السعي إلى بحث الملف بشكل أعمق لتحقيق أقل الإيمان وهو تمديد الهدنة بالاستناد إلى دوافع إنسانية.

twitter.com/fatimaaljubour