أثار القرار المفاجئ لرئيس الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي، أسامة حماد بمنع المسؤولين الأجانب والدوليين من التجول في مناطق نفوذ حكومته، التساؤلات حول تداعيات وأهداف هذه الخطوة، وما إذا كانت تستهدف جولات المبعوث الأممي والسفير الأمريكي لدى
ليبيا.
وأصدر حماد قرارا وزاريا يطالب فيه الأجهزة الأمنية بعدم السماح لأعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية من الدخول، أو التجول في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، إلا بعد أخذ الموافقة من رئاسة الحكومة شخصيا.
"صمت الدبيبة"
وتواصلت "
عربي21" مع المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، لكنها لم تتلق أي إجابات عن موقفهم من هذا القرار، كونها الحكومة التي تمنح التصاريح، كما جرى التواصل مع المتحدثة باسم المجلس الرئاسي الليبي للتعليق، لكنها رفضت دون إبداء أسباب لذلك.
وتمنح وزارة الخارجية بحكومة الدبيبة التصاريح للبعثات الدبلوماسية والأممية والسفراء للتجول في ليبيا، وعقد لقاءات سياسية وأمنية وقبلية.
وشهدت عدة مدن ليبية زيارات لسفراء أجانب ومسؤوليين دوليين التقوا مع أحزاب سياسية وعسكريين، وبعضهم قام بجولات سياحية التقى خلالها بشيوخ قبائل ومجالس بلدية، ولم تخل هذه اللقاءات من الحديث عن الانتخابات والضغط الشعبي لإجرائها.
"جولات مخابراتية"
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي، خليفة الدغاري أن "القرار صائب من الناحية الأمنية والسياسية، ويحافظ على سيادة الدولة الليبية؛ كون هؤلاء
السفراء والأجانب والمسؤوليين الدوليين يتحركون في كل ربوع البلاد بكل أريحية، ويعقدون لقاءات مع عمداء بلديات وشيوخ قبائل دون رقيب أو حسيب".
وأوضح في تصريحات لـ"
عربي21"، أن أغلب هذه الجولات تحمل "طابعا مخابراتيا؛ لذا غهذا القرار في محله، لكن يجب أن يكون الإذن من وزارة الخارجية وليس رئيس الحكومة، طبقا للأعراف الدبلوماسية.
ورأى أن الخطوة تستهدف ضمنيا السفراء، وليس المبعوث الأممي؛ كون طبيعة عمل البعثة تختلف لأنها تلتقي بالجميع.
وأضاف أن أغلب السفراء يحصلون على إذن الدخول والتحرك من حكومة الدبيبة؛ كونها تحظى بالاعتراف الدولي، وقرار حكومة حماد يستهدف بعض السفراء، خاصة الأمريكي نورلاند، وسفراء تركيا وبريطانيا.
"خط أحمر"
ورأى عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همومة، أن الهدف من هذا القرار، محاولة الحصول على اعتراف دولي ضمني بهذه الحكومة؛ لأنه بمجرد أخذ الإذن، يعني أن هذا السفير ودولته اعترفوا بها.
وأكد في تصريح لـ"
عربي21"، أن "هذا القرار أيضا يحمل محاولة من الحكومة للفت النظر إليها بأنها موجودة وتعمل وتسيطر، أما بخصوص المبعوث الأممي "باتيلي" والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا "نورلاند"، فهذان خطان أحمران لايجرؤ أي مسؤول ليبي على المساس بتحركاتهم أو تقييدها"، كما يعتقد.
"مضاد للأعراف الدبلوماسية"
السفير الليبي السابق، إبراهيم قرادة، رأن الحكومة الليبية غير مدركة في فهم مهام السفير وحقه في التجول حسب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، معتبرا أن ذلك يعد "موروثا من الديكتاتورية وربط الدبلوماسية بـ"الجوسسة" مع اعتبار مبدأ المعاملة بالمثل، وهذا أحد أسباب القرار".
وأشار في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "الحكومة في الشرق تريد دفع الدبلوماسيين للاتصال بخارجيتها لترتيب زيارتهم، وهكذا تتحقق درجة من الاعتراف، ولكن يفوت صاحب القرار أن لقاء السفير أو الدبلوماسي بطرف سياسي أو حكومي، لا يعني بالضرورة الاعتراف أو دعمه، غير أنه في ظل الثقافة السياسية المنتشرة، يمكن تسويق ذلك للرأي العام كاعتراف".
وأضاف أن "القرار يحمل توجيه رسالة لأطراف محلية بأن أي لقاء مع دبلوماسيين أجانب أمر غير محبذ، أما تهديد السفراء وتعرضهم للعقوبات، فهو أمر مربك، بالنظر إلى أنهم يأتون عبر المطارات والمنافذ التي تسيطر عليها الحكومة".
"ديناميكية سياسية"
لكن أستاذ علم الاجتماع السياسي والأكاديمي الليبي، رمضان بن طاهر قال؛ إنه من الصعب تحديد ما إذا كان القرار يستهدف جولات باتيلي ونورلاند، أو غيرهما من المسؤولين الدوليين بشكل مباشر.
ورأى أن الهدف الرئيسي للقرار، قد يكون عدم الاعتراف بالمسؤولين الدوليين، الذين لا يرون حكومة البرلمان شرعية أو لا يعطونها الأهمية الكافية.
وأضاف، أنه ينبغي أخذ القرار في سياق التوترات السياسية والعسكرية المستمرة في ليبيا، التي تؤثر على العلاقات الدولية والجهود الدبلوماسية في البلاد.
وأوضح أن مثل هذه القرارات، هي جزء من الديناميكيات السياسية المعقدة في ليبيا، حيث تتنافس القوى المختلفة للحصول على السيطرة والتأثير في البلاد.