يواصل
الفريق الاقتصادي الجديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتخاذ إجراءات "العودة
للسياسات العقلانية"، وفق تعبير وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، والتي كان
آخرها، إعلان "البنك المركزي"، إنهاء الإجراء الذي ينص على استهداف
تحويل الودائع بالعملات الأجنبية إلى ودائع (بالعملة المحلية) محمية من تقلبات سعر
الصرف".
وأوضح
المركزي التركي في بيان، أن الإجراء الجديد يهدف إلى زيادة الودائع بالليرة
التركية، مع تقليل الودائع المتمتعة بالحماية من تقلبات سعر الصرف، بهدف تعزيز
الاستقرار المالي.
انعكاس
سلبي
المحلل
الاقتصادي التركي "ماهفي إيلماز"، استعرض في مقال ترجمته "عربي21"
الآثار السلبية على الاقتصاد التركي نتيجة إدخال نموذج "الودائع
المحمية"، معتبرا أن لجوء البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة قاد البلاد نحو
"كارثة".
وأوضح
الكاتب في مقاله، أن "من يفتح حساب ودائع محمية يقوم بإيداع أمواله إما
بالليرة التركية أو
العملات الأجنبية لفترة محددة مقابل فائدة معينة. وعندما تنتهي
الفترة، يتم مقارنة سعر شراء العملات الأجنبية الذي يُعلنه البنك المركزي مع سعر
شراء العملات الأجنبية عند فتح الحساب، فإذا كان سعر الصرف في نهاية الفترة أعلى
من عائد الفائدة على الحساب يُدفع الفرق، أما إذا كان عائد الفائدة أعلى من اختلاف
سعر الصرف تُدفع الفائدة".
وأردف
أنه "بهذه الطريقة، يحمي هذا النموذج الودائع سواء كانت بالليرة التركية أو
بالعملات الأجنبية من تقلبات
أسعار الصرف. ولا يُفرض خصم ضريبي (ضريبة الدخل) على
الفوائد المُحققة من حسابات
الودائع المحمية، وتُجرى الدفعات بشكل سلس. وهذا يعني
أن خزينة الدولة لا تستفيد. واعتبارًا من نهاية تموز/ يوليو من العام الجاري، بلغت
قيمة حسابات الودائع المحمية 3.3 تريليونات ليرة، وهو ما يعادل 26 بالمئة من إجمالي
الودائع (بالليرة التركية والعملة الأجنبية)".
وأوضح
الكاتب أنه "في البداية كانت فروق أسعار ودائع
الليرة التركية تُدفع من
الخزينة، بينما تُدفع فروق أسعار الودائع المحمية القادمة من حسابات العملات
الأجنبية من قبل البنك المركزي. ولكن بموجب القانون الجديد الصادر مؤخرًا، سيتحمّل
البنك المركزي كل هذه الالتزامات. وبسبب الأعباء الماضية، لا يزال هناك عبء يتوجّب
تحمله على الميزانية"، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بحساب الودائع المحمية،
"كان عبء سنة 2023 في الشهور السبعة الأولى 59.5 مليار ليرة تركية (وكان
العبء السنوي لسنة 2022 في حدود 92.5 مليار ليرة تركية)".
وتابع الكاتب خلال المقال نفسه، أن "المبلغ الذي تم دفعه من قبل البنك المركزي
لفروق أسعار حسابات الودائع المحمية بسعر الصرف غير معلوم بسبب عدم الإعلان عنه.
وعدم الإعلان عن هذه المدفوعات يُعتبر قصورا كبيرًا من وجهة نظر البنك المركزي
الذي يقوم بالإعلان عن الأرصدة اليومية. ونظرا لغياب أرقام رسمية، فإن هناك
تقديرات متنوعة حول المبالغ التي سيدفعها البنك المركزي عن فروق أسعار حسابات الودائع
المحمية".
إلى ذلك أبرز الكاتب أن "التقديرات التي تم إعلانها في السوق تشير إلى أن مدفوعات البنك المركزي لهذه السنة لحسابات الودائع المحمية بسعر الصرف لن تقل عن 500 إلى 550 مليار ليرة تركية. في هذه الحالة، من المتوقع أن تتجاوز المدفوعات الإجمالية لهذه السنة من حسابات الودائع المحمية بسعر الصرف لكل من الخزينة والبنك المركزي التركي 600 مليار ليرة تركية".
وتابع: "في الميزانية التحليلية للبنك المركزي، يعرض بند "الأصول الداخلية" قسما "آخر" من تفصيلاته يُظهر تطوّر أرباح البنك وخسائره. وعند مقارنة المبلغ الحالي الذي بحوزتنا مع المبلغ في نهاية السنة الماضية، نلاحظ زيادة بقيمة 387 مليار ليرة تركية في هذا البند خلال السبعة أشهر الأولى من هذه السنة. وتُظهر هذه الزيادة إلى حد كبير الخسائر الناجمة عن المدفوعات لحسابات الودائع المحمية بسعر الصرف" مؤكدا أن "هذا يعني أن البنك المركزي الذي كان يُعلن أرباحًا في السنوات السابقة ويُحول أرباحه للخزينة، سيتكبد خسائر كبيرة هذه السنة ولن يكون قادرًا على تحويل أرباحه للخزينة".
وأورد الكاتب في
المقال الذي ترجمته "عربي21" أن "البنك المركزي يُقلل من خسائره عن طريق طباعة النقود. وتظهر الزيادة في العرض النقدي الضيق (M0) بنسبة 31 بالمئة والزيادة في العرض النقدي الموسع (M2) بنسبة 42 بالمئة منذ نهاية السنة الماضية حتى الآن أن البنك المركزي يطبع النقود".
وخلص الكاتب إلى أن الوضع الذي وصل إليه الاقتصاد بسبب تخفيض الفائدة دون مستوى التضخم، نتج عنه المشهد الكارثي التالي:
تتولى وزارة الخزانة والبنك المركزي أقساط الوديعة المحمية، التي تحلّ جزئيًا محل الفائدة التي يجب على البنوك دفعها لعملائها، وتُموّل هذه المدفوعات من ضرائب الشعب أو عن طريق طباعة النقود.
المسؤولون هنا ليسوا هم الأشخاص والكيانات الذين استثمروا أموالهم في حسابات الودائع المحمية بسعر الصرف وحققوا منها أرباحًا. فهؤلاء الأفراد والكيانات دخلوا هذا المسار الذي اقترحته الحكومة لتجنب الحصول على عوائد سلبية أمام التضخم العالي، وربما تم تحفيزهم على ذلك أو الضغط عليهم لاتخاذ هذه الخطوة.
إذا لم تبق الفائدة بمعدل أدنى بكثير من معدل التضخم، واستمرت البنوك في دفع الأموال لعملائها كفائدة، ستقوم الحكومة بجمع ضريبة دخل (الاستقطاع) من هذه المدفوعات. وبما أن الفوائد والأقساط على الودائع المحمية بالعملة مستبعدة من الضرائب، فإن الحكومة محرومة أيضًا من هذه الضرائب.
لو لم يكن البنك المركزي مشاركًا في هذه المدفوعات، لكان لديه أرباح ليُحيلها إلى الخزانة. لكن بموجب هذا النموذج، يتكبد البنك المركزي خسائر يضطر إلى تغطيتها من خلال طباعة النقود.