صحافة دولية

WP: سياسة بايدن تجاه غزة هي أحدث خطأ فادح في الشؤون الخارجية الأمريكية

أدت القرارات التي اتخذتها أمريكا بغزو العراق وانتخاب دونالد ترامب رئيسا إلى إضعاف الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة تتمتع بأخلاق وقيم قوية ومن ثم يجب على الدول الأخرى أن تحذو حذوها في الشؤون العالمية - إكس

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي بيري بيكون جونيور قال فيه؛ إن جو بايدن شن حملته الانتخابية على مبدأ استعادة المكانة والقيادة الأمريكية في الخارج، لكن دعم إدارته القوي لإسرائيل وهي تدمر غزة وتقتل المدنيين الفلسطينيين بشكل عشوائي، هو أحدث تذكير بأن الحكومة الأمريكية، سواء بقيادة ديمقراطي أو جمهوري، غالبا ما يكون لها حكم سيئ في الشؤون الخارجية، وليست المدافع القوي عن الديمقراطية والحرية التي تدعي.

وإذا كانت الولايات المتحدة تؤدي دورا إيجابيا في الشؤون العالمية، كان بطبيعة الحال موضع خلاف منذ فترة طويلة. في السنوات الأخيرة، أدت القرارات التي اتخذتها أمريكا بغزو العراق وانتخاب دونالد ترامب رئيسا، إلى إضعاف الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة تتمتع بأخلاق وقيم قوية، ومن ثم يجب على الدول الأخرى أن تحذو حذوها في الشؤون العالمية.




بدا بايدن، بفضل عقوده من الخبرة والعلاقات مع القادة في جميع أنحاء العالم، وكأنه لا يمكن أن يكون مجرد تحسن عن ترامب، بل رئيسا عظيما في السياسة الخارجية، وقد فعل بعض الأشياء الجيدة. قادت الولايات المتحدة تحالفا لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها بعد الغزو الروسي واسع النطاق، كجزء من حملة الإدارة من أجل "نظام دولي قائم على القوانين"، تحترم فيه الدول في جميع أنحاء العالم والسلطات العالمية مثل الأمم المتحدة القانون الدولي. مع تراجع الانتخابات الحرة والنزيهة وغيرها من التدابير التقليدية للحرية في جميع أنحاء العالم، كان تعزيز الرئيس بايدن للديمقراطية في كل من الولايات المتحدة وخارجها جديرا بالثناء، كما كان الرئيس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيرهما من كبار مسؤولي الإدارة، أكثر صدقا وتعاطفا في التعبير عن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والعمل مع دول أخرى مما كان عليه فريق ترامب.

لكن الشهرين الماضيين جلبا سلسلة رفيعة المستوى من الأحكام الخاطئة التي تمحو الذكريات الإيجابية لسياسات بايدن الخارجية، ربما بشكل دائم.

بادئ ذي بدء، توضح الولايات المتحدة أنها لن تدافع عن القوانين والأعراف الدولية إذا انتهكها أحد أقرب حلفائها. أدان المسؤولون الأمريكيون روسيا بشدة لقصفها المدارس والمباني السكنية في أوكرانيا، لكنهم لا ينتقدون إسرائيل بنفس القدر لفعلها الشيء نفسه في غزة. تصدر منظمة العفو الدولية وأطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش والعديد من المنظمات الأخرى كل يوم، تقارير وبيانات توضح بالتفصيل كيف تنتهك الأعمال العسكرية الإسرائيلية القانون الدولي، وتؤدي إلى قتل الأطفال والجوع الجماعي وتدمير المؤسسات الرئيسية للثقافة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص.




وكتب قادة منظمة اللاجئين الدولية ومنظمة إنقاذ الطفولة الأمريكية، وأربع منظمات إنسانية رئيسية أخرى في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع: "لا يوجد حرب أخرى يمكن أن نفكر فيها في هذا القرن، حيث كان المدنيون محاصرين إلى هذا الحد، دون أي وسيلة أو خيار للهروب لإنقاذ أنفسهم وأطفالهم".

ويشكو المسؤولون الأمريكيون علنا من عدد المدنيين الذين قتلوا، بما في ذلك تعليقات بايدن هذا الأسبوع، التي كانت من بين أكثر انتقاداته لدولة الاحتلال منذ أن شنت حملتها العسكرية في غزة. لكن الإدارة تواصل تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي لتل أبيب، وهي أمور أكثر أهمية من الكلمات. لقد تجاوزت إدارة بايدن الأسبوع الماضي الكونغرس وباعت لإسرائيل من جانب واحد ما قيمته أكثر من 100 مليون دولار من ذخيرة الدبابات. وفي هذا الشهر، كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة من بين 15 دولة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي عارضت قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقد اعترف مسؤولو إدارة بايدن مؤخرا لصحيفة واشنطن بوست بأنهم، كما جاء في مقال الصحيفة، "لا يقومون بإجراء تقييمات في الوقت الحقيقي لالتزام إسرائيل بقوانين الحرب". (أعلنت حكومة الولايات المتحدة استنتاجها بأن روسيا ترتكب جرائم حرب بعد شهر واحد فقط من الغزو الشامل لأوكرانيا).

ثانيا، يعمل بايدن على إضعاف حسن نواياه باعتباره بطلا للديمقراطية وحقوق الإنسان. وللدفاع عن دعمها للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، أكدت الإدارة أن "إسرائيل" دولة ديمقراطية، على عكس العديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط.




ولكن الأحداث التي شهدتها دولة الاحتلال والأراضي الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، تشكل في واقع الأمر مثالا جيدا لأوجه القصور التي تشوب الحرية والمساواة، التي تسبب قدرا كبيرا من القلق بشأن حالة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. يعاني الفلسطينيون من قيود كثيرة على حقوقهم وحرياتهم؛ لدرجة أن العديد من المنظمات الدولية تصفهم بأنهم يعيشون في ظل نظام فصل عنصري. هذا العام، أقرت الحكومة اليمينية في تل أبيب إصلاحات كبيرة للحد من سلطة القضاء في البلاد، على الرغم من الاحتجاجات الجماهيرية ومعارضة بايدن نفسه لهذه التغييرات. خلال الشهرين الماضيين، قُتل عشرات الصحفيين في غزة، مع اتهامات موثوقة بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف الصحفيين عمدا، كما تم إيقاف عضو في الكنيست الإسرائيلي عن العمل بعد انتقاده للقصف على غزة.

يمكن لإدارة بايدن أن تدافع بإخلاص عن سياساتها المؤيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلية، من خلال تأكيد  العلاقات طويلة الأمد بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وأهمية الحفاظ على دولة يهودية. لكن تأطير دعم بايدن لقصف دولة الاحتلال لكل شيء في غزة باعتباره دفاعا عن الديمقراطية، هو مثال آخر على أن المسؤولين الأمريكيين يستشهدون بالديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يكون ذلك مناسبا، ويتجاهلونهما عندما لا يكون الأمر كذلك.



ثالثا، يضر بايدن بسمعته الشخصية فيما يتعلق بالتعاطف والاستقامة. لقد صرح الرئيس خطأ أنه تم قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين خلال هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وشكك في تقديرات الضحايا الفلسطينيين، وألمح خطأ إلى أنها مبالغ فيها. وردا على سؤال حول ما إذا كانت تل أبيب تنتهك قوانين الحرب؟ رد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أحد أقرب مستشاري بايدن، بقسوة؛ إنه لن يكون "قاضيا أو هيئة محلفين" في هذه المسألة، معترفا بشكل أساسي بأن الولايات المتحدة غير مبالية بما إذا كان حليفها لا إنسانيا أو غير ذلك.

طوال فترة رئاسته، أكد بايدن احترامه للأقليات والمجموعات التي تواجه التمييز تقليديا، سواء هنا أو في الخارج. ولكن بناء على تصرفاته وكلماته خلال الشهرين الماضيين، من الصعب التصديق أن الرئيس يقدر حياة الفلسطينيين بقدر ما يقدر حياة الإسرائيليين.

يشعر الناس في جميع أنحاء العالم بخيبة أمل شديدة إزاء نهج بايدن في التعامل مع الصراع في غزة.

وكتبت أغنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، على موقع X (تويتر سابقا)، أن الولايات المتحدة تظهر "افتقارا تاما لقيادة العالم". وقبل أيام قليلة من مقتله في غارة جوية إسرائيلية، كتب الشاعر والأكاديمي الفلسطيني رفعت العرير على موقع X، "الحزب الديمقراطي وبايدن مسؤولان عن الإبادة الجماعية التي ترتكبتها إسرائيل في غزة".




مثل الكثير من الأمريكيين، لا أتابع الشؤون الخارجية عن كثب كما ينبغي لي على الأرجح. لقد افترضت بشكل عام أن الولايات المتحدة، وخاصة مع وجود بايدن في منصبه، تؤدي دورا إيجابيا إلى حد بعيد في الخارج. ومشاهدة كبار المسؤولين في الولايات المتحدة يتبنون مقاربة معيبة للغاية، ثم الإدلاء بتصريحات مضللة بشأن هذه المقاربة، جعلني أكثر قلقا وتشككا في تصرفات أمريكا في أجزاء أخرى من العالم. إذا كان فريق بايدن مخادعا إلى هذا الحد بشأن ما يحدث في غزة، فهل يجب أن أثق في كلماته بشأن أوكرانيا أو السودان أو الصين؟

دفاعا عن إدارة بايدن، هذه ليست قضية بسيطة، وحتى لو قررت الولايات المتحدة سحب دعمها الدبلوماسي لتل أبيب، فقد تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلية عملياتها في غزة. ليس من الواضح كيف يمكن إضعاف حماس بشكل دائم حتى لا يتكرر أي هجوم مروع مثل الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر مرة أخرى. إن الطريق إلى السلام الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين أصبح حتى أقل وضوحا.

ولكن سيكون من السهل والمنطقي بالنسبة للولايات المتحدة أن تنضم إلى الدعوات الواردة من مختلف أنحاء العالم لوقف إطلاق النار والتوقف عن تزويد دولة الاحتلال بالمزيد من الأسلحة. وكل يوم تواصل فيه الولايات المتحدة دعم تصرفات تل أبيب في غزة، يزيد من تآكل مصداقية أمريكا في الشؤون الخارجية.




إن الولايات المتحدة، من خلال الجمع بين قوتها العسكرية والثقافية والسياسية، هي الدولة الأكثر أهمية وتأثيرا في العالم، ويمكن للولايات المتحدة أن تقود العالم في اتجاه أفضل، لكن الناس لا يستمعون إليك عندما تتخذ قرارات سيئة باستمرار، ولا ينبغي لهم ذلك. ترتكب الولايات المتحدة خطأ فادحا فيما يتعلق بقضية رئيسية تتعلق بالسياسة الخارجية مرة أخرى.