اقتصاد عربي

ماذا يعني استبعاد بنك "جي بي مورغان" الأمريكي مصر من مؤشراته؟

مصر خاضعة لمراقبة المؤشر منذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي- جيتي
أثار إعلان بنك "جيه بي مورغان"، الأمريكي مساء الأربعاء، استبعاد مصر من سلسلة مؤشراته للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة اعتبارا من نهاية كانون الثاني/ يناير الحاري، التساؤل عن معنى هذا الاستبعاد، وأسبابه، ودلالاته، وتبعاته، أو النتائج المترتبة عليه.

استبعاد أي دولة من مؤشر "جيه بي مورغان"، يعني وفق خبراء، عدم توافق اقتصادها مع معايير البنك الأمريكي، الأمر الذي يقلل من حوافز إقبال المستثمرين على أوراقها المالية، ويعني في الحالة المصرية عدم ترشيح البنك السوق المصري أمام المستثمرين الأجانب.

وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، من بيان البنك، فإن مصر خاضعة لمراقبة المؤشر منذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، على خلفية "مشكلات تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبي، أبلغ عنها مستثمرون يتم الرجوع إليهم لتقييم الأداء".

كما أوضح "جيه بي مورغان"، الذي يصدر عنه المؤشر العالمي المتنوع، أنه بعد دراسة ومتابعة فإن "وزن مصر بالمؤشر بلغ حتى 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عند 0.61 بالمئة"، مبينا أن للقاهرة 13 من السندات بالجنيه في مؤشراتها، بآجال استحقاق تتراوح بين 2024 و2030".

وبسبب أزمة شح الدولار التي تضرب السوق المصري منذ الربع الأول من 2022، مع هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد، إثر الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح خروج عوائد وأرباح الشركات التي تم تأسيسها او الاستحواذ عليها أو شراء حصص بها في مصر يمثل أزمة للمستثمرين الأجانب.

كما أن سماح الحكومة المصرية بتخارج أية شركات ترغب بالخروج من السوق، بجانب تصريحات المسؤولين المصريين، ومنها قول الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان، إنه "لا توجد أية قيود قانونية أو تنظيمية تحد من خروج العوائد لأي مستثمر داخل مصر"، لم تخفف من حجم الأزمة.

"أجواء القرار"
المثير أن إعلان البنك الأكبر في الولايات المتحدة، استبعاد مصر من سلسلة مؤشراته للسندات الحكومية للأسواق الناشئة يأتي بالتزامن مع عدة أحداث ومؤشرات تشير لزيادة الدعم الغربي للقاهرة في أزمتها الاقتصادية، خاصة مع استمرار حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل بحق قطاع غزة المجاور لمصر.

ويتزامن إجراء البنك الأمريكي مع زيارة ثلاثة من كبار المسؤولين الماليين المصريين إلى أمريكا، حيث التقى وزير المالية محمد معيط، ومحافظ البنك المركزي حسن عبدالله، ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، بوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وبرئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، الثلاثاء.

ويأتي القرار  في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة السندات السيادية المصرية المقومة بالدولار بنحو 1.6 سنت الأربعاء، حسبما أظهرت بيانات "تريدويب"، بعد إعلان وزارة الخزانة الأمريكية، مساء الثلاثاء، تعهد واشنطن بدعم الاقتصاد المصري.

كما أن بيانات "تريد ويب"، الأربعاء، كشفت عن ارتفاع جميع السندات الدولارية لمصر، وزيادة سعر استحقاق آذار/ مارس 2024 إلى 98 سنتا للدولار.

أيضا يجيء قرار "جيه بي مورغان"، بعد تقدم مصري ملحوظ في المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي، لزيادة برنامج تمويله للقاهرة، ورفع قيمة قرض بقيمة 3 مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليه في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

ولذا فإن مراقبين، يرون أن من توابع القرار تراجع الثقة الحاد في قوة الاقتصاد المصري أمام وكالات التصنيف الائتماني الدولية والمستثمرين الأجانب، خاصة مع تأثير ودور بيانات البنك الأمريكي في قرارات المستثمرين الأجانب في الاستثمار بأي سوق من عدمه.

ورأي أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة الدكتور حسن الصادي في مقابلة مع "العربية Business"، أن القرار "سوف يترتب عليه صعوبات كثيرة في عملية طرح سندات حكومية جديدة بالأسواق الدولية أو الداخلية بالعملة الصعبة"، متوقعا أن يتم مضاعفة معدلات الفائدة لتعويض المستثمر الأجنبي عن مخاطر عدم قدرته على تحويل العملة الأجنبية للخارج.

"إفساد خطط حكومية"
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمات هيكلية بينها تراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وتفاقم حجم الديون الخارجية إلى جانب حلول الكثير من آجال الديون وفوائدها وأقساطها، وذلك إلى جانب أزمات معيشية لأكثر من 105 ملايين مصري بينها ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم.

ووفق خبراء فإن قرار البنك الأمريكي خبر اقتصادي سيئ جدا، ويفسد خططا حكومية تسعى نحو سوق السندات الدولية، ويعد ضربة للتوجات المصرية نحو إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 و30 سنة لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين الحالي والمقبل.

وذلك خاصة وأن القاهرة تسعى لإصدار سندات "الساموراي" اليابانية، و"الباندا" الصينية، و"الروبية" الهندية، للوفاء بخدمة دين تصل 26 مليار دولار بالنصف الأول من 2024، و16 مليار دولار  بالنصف الثاني من العام.

والسبت الماضي، أصدرت الحكومة المصرية، وثيقة بعنوان: "أبرز التوجهاتِ الاستراتيجيةِ للاقتصادِ المصري للفترةِ الرئاسيةِ الجديدة (2024-2030)، تحدثت عن "دراسة توريق نسبة تتراوح بين 20 و25 بالمئة، من العائدات الدولارية للدولة، من خلال إصدار الحكومة سندات مقابلها، تقوم بنوك ومستثمرون دوليون بشرائها بالعملة الأجنبية بعائدات تتراوح ما بين 1.4 و10 مليارات دولار سنويا".

ما دفع مراقبين إلى توجيه تساؤلهم للحكومة المصرية: بعد قرار البنك الأمريكي برفض السندات الحكومية المصري وتوجه الدولة نحو توريق الإيرادات الدولارية بسندات، أين ستبيعون تلك السندات؟



"انعكاس لوضع سيئ"
المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، تحدث لـ"عربي21"، عن معنى هذا الاجراء، من البنك الأمريكي، وتطرق إلى أسباب هذا الاستبعاد ودلالاته، كما عرض إلى بعض تبعاته أو النتائج المترتبة عليه.

كما أنه تطرق للحديث حول مدى تضارب إجراء هذا البنك تجاه السندات الحكومية المصرية مع التوجه الدولي بدعم الاتحاد الأوروبي للقاهرة بنحو 10 مليارات دولار، وتوجه صندوق النقد الدولي بزيادة تمويله لمصر، ووعود واشنطن، بدعم الاقتصاد المصري قبل أيام.

الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، قال: "لا شك أن إعلان بنك جيه بي مورغان، استبعاد مصر من مؤشره للسندات الحكومية للأسواق الناشئة؛ GBI - EM / Emerging markets مع نهاية يناير الحالي، بعد وضع مصر تحت المراقبة Index Survelliance ، هو أمر هام للغاية".

وأضاف: "وذلك لأن هذا المؤشر يمثل أهمية خاصة؛ حيث يبلغ حجم المتابعة عليه ما يتعدى 200 مليار دولار".

ولفت إلى أنه "وبحسب تقرير موقع (بلومبرغ) الأمريكي، فسوف يتم إزالة مصر أيضا من مؤشر (ELMI) في 29 آذار/ مارس المقبل".

وأكد الأكاديمي المصري، أن "هذا انعكاس ونتيجة مباشرة للصعوبات الخاصة بتوفر العملة الأجنبية في مصر، والتقارير الخاصة بصعوبات عمليات التحويل والتي تؤثر على الاستثمار الأجنبي بصورة مباشرة".

وتوقع أن يزيد القرار "من الصعوبات التي تواجهها الدولة لسد العجز وتوفير العملة الأجنبية المطلوبة لعمليات الاستيراد، وسيزيد من تحديات الحكومة".

وأشار إلى تأثير ذلك الاستبعاد على "العلاقة المستقبلية مع صندوق النقد الدولي، وقد يقوم الصندوق بإعادة تقييمه للموقف".

واستدرك بقوله: "لكن الصندوق مازال يعتبر مصر شريكا قويا ويقف معها في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، حسب تصريح رئيسة الصندوق، مؤخرا بعد اجتماعها مع وزير المالية المصري ومحافظ البنك المركزي".

ويعتقد الشاذلي، أيضا أن "قرارا الإتحاد الأوروبي بدعم مصر بمبلغ 10 مليارات من الدولارات، وكذلك الدعم الأمريكي لن يتأثرا بإزاحة مصر من المؤشر".

وفي نهاية حديثه لفت إلى أنها "قرارات سياسية لها علاقة مباشرة بالدور الهام الذي تلعبه مصر في المنطقة حاليا ونجاحها في بناء تحالفات وعلاقات سياسية قوية ومستديمة".

"وضع كارثي"
وفي رؤيته قال السياسي المصري وليد مصطفى، إن "الواضح للجميع أن الوضع الاقتصادي لمصر فاق كل تصورات الخطر، خاصة وأن كل الحديث الاقتصادي يدور حول كيفية جلب ديون جديدة لسداد فوائد الديون السابقة، وليس لشيء آخر، وهذا أمر خطير جدا".

عضو حزب "الوسط" المعارض، أبدى تعجبه في حديثه لـ"عربي21"، من أنه "لا يوجد حديث عن الإنتاج، ولا عن استثمار الموارد المصرية، لا ترشيد الإنفاق، ولا خطوات جادة لوقف الإسراف والسفه الحكومي".

وتابع: "لا توجد خطوات جادة في الرقابة الحقيقية والشفافية الحكومية على المشروعات وكيفية اختيارها وطرق ترسيتها وتنفيذها ونتائجها".

"وكذلك لا توجد قوانين تؤمن لأي مستثمر من الداخل أو الخارج ليجد مناخا آمنا للاستثمار، سواء من حيث القرارات الاقتصادية أو من حيث الأمن العام في البلاد، بل لا توجد خطوات تقول إن مصر بها خطوات ممكن أن يصل بها الاقتصاد لمرحلة الاستقرار حاليا أو قريبا".

ولفت إلى أن "هذا الوضع القائم الذي تعيشه مصر، ولذا فإن ما قام به (بنك جيه بي مورغان)، تجاه السندات الحكومية المصرية هي نقطة  في بحر أو قطر من غيث كما يقال، فالأمر سيئ جدا".

وأعرب مصطفى، عن أسفه من الطرق التي تحاول الحكومة معالجة أزماتها، منتقدا ما أسماه "تفتق ذهن الحكومة ورؤيتها بأن الحل في توريد المصريين كعمالة للخارج"، معتبرا أن "هذا أكبر دليل على فشل المنظومة غير القادرة على الاستثمار في المصري، وتنميته".

وتساءل: "كيف تعطيه لدول أخرى، تستثمر فيه وتنميه وتحصل على إنتاجه وخيراته، ويتقدمون به؟"، مؤكدا أنها "هنا تؤجر شعبها وتبيع دمه وثرواته".

ويعتقد السياسي المصري، أن "المرحلة الأسوأ هي ما تتم حاليا بسيطرة دول البترودولار الخليجية والتي ترى بوضوح انتهاء عصر البترول وتستعد للقادم الأسوأ فتتجه وبقوة لشراء استثمارات في دول".

وتابع: "ولا أفضل لهم من مصر الآن حيث دولة لا نظام فيها ولا قانون، ويمكنهم شراء مشروعات رابحة بأراضيها ومبانيها وعمالتها بمبالغ زهيدة، والنظام لا يستطيع الرفض وإلا سيتم مطالبته برد القروض والودائع والمنح التي حصل عليها فينهار الاقتصاد المصري فيشترون بسعر بخس".

وفي نهاية حديثه حذر من أن "مصر ستتحول في القريب بهذه السياسيات العفنة من النظام الحالي إلى مجرد أرض عليها مواطنين مصريين مملوكين لدول الخليج، في ظل الوضع الكارثي التي تعيشه مصر".
ويرى الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، في حديثه لـ"عربي21"، أن "قرار جيه بي مورغان، يعكس وجهة نظر مؤسسات التمويل الخاصة، بأقل قدر من الانحيازات السياسية".

وأضاف: "بينما قرارات مؤسسات متعددة الأطراف مثل بنك الاستثمار الأوروبي أو صندوق النقد الدولي وغيرها، فإنها تخضع لاعتبارات سياسية بدرجة كبيرة".

وأوضح أنه "لذلك فإن قرار البنك الأمريكي يعكس عدم الثقة في السياسة الاقتصادية وفي سوق التمويل المصري كأحد أدوات الاستثمار".

وقال إن "هناك أسبابا كثيرة لذلك؛ لكنها تتلخص في عجز السيولة وعدم الشفافية وانخفاض مستوى الكفاءة".

نوار، يعتقد أيضا أن "القرار يعتبر صادما للحكومة التي فقدت بذلك المنفذ الذي كان متبقيا لتداول السندات المصرية من خلال مؤشر جيه بي مورغان، لسندات الأسواق الناشئة".

وكشف أن "الميزة الأساسية للتداول من خلال هذه المؤشرات هي أن المستثمر يضمن درجة سيولة عالية للورقة المالية للحكومة، ويستطيع أن يتخارج منها أو يشتريها بسهولة من خلال المؤشر".

ولفت إلى أنه "ومن ثم فإن حرمان الحكومة من هذه الميزة لسنداتها يقضي على كل طموحاتها في الوقت الحاضر للبدء في تنفيذ استراتيجية توريق الأصول وطرح الأوراق في الأسواق العالمية".

وبين أن "كل ما سيتبقى لها هو أسواق الخليج والسوق المحلي، وربما بعض الأسواق الأخرى في دول الجنوب التي لديها فوائض مالية للاستثمار وهي قليلة".

ولفت إلى أن "مسألة حصول مصر على دعم سياسي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستكون هي العامل الحاسم الذي يطلق الضوء الأخضر للمؤسسات الدولية المتعددة الأطراف لزيادة حجم التمويل لمصر".

وبالنسبة لصندوق النقد الدولي تحديدا، قال نوار، إن "انكشافه على سوق الديون المصرية، التي تحتل المركز الثاني في قائمة الدول المدينة للصندوق، تمثل أحد حوافز التساهل مع مصر لزيادة التمويل حتى يتجنب توقف مصر عن السداد، ويشجعها على المضي قدما في تنفيذ البرنامج المتفق عليه في قرض الـثلاثة مليارات دولار المتوقف حاليا".

ويظن الخبير المصري، أن "هناك اتفاقا مبدئيا أو أن الطرفين على مقربة من وضع ملامح اتفاق بشأن إرسال وفد من الصندوق إلى القاهرة لإجراء المراجعتين الأولى والثانية".

وأكد أنه "في حال إتمامهما بنجاح فإن مصر ستحصل على الدفعتين المتأخرتين مرة واحدة".

وختم بالقول: "كذلك فإن من المحتمل أن تتضمن خطوط التفاهم بين الطرفين زيادة تمويل الصندوق لمصر، من خلال قرض جديد من صندوق الصلابة والاستدامة، على خلفية الأضرار التي لحقت بمصر بسبب حرب غزة والتوتر في البحر الأحمر".

"استمرار الأزمة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، رصدت صفحة "سوق المال"، الاقتصادية تأثير قرار البنك الأمريكي على الاقتصاد المصري قائلة عبر بـ"فيسبوك"، أن خروج مصر من المؤشر سيتبعه تخلص الصناديق التابعة لهذه المؤشرات من السندات المصرية بالتدريج.

وأوضحت أن هذا "نظريا سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة التأمين على مخاطر السندات المصرية، وارتفاع تكلفة الاقتراض"، مؤكدة أن "قدرة مصر على طرح سندات دولية جديدة خلال 2024، ستتأثر، وبالتالي الاستمرار في الأزمة الحالية".