رغم الطفرة التي أحدثتها هجمات الحوثيين في
البحر الأحمر، والتي تجسدت في استهدافهم للسفن المرتبطة بدولة الاحتلال دعما للمقاومة
في غزة، فإن الصين قد اتخذت دور المراقب البعيد مما يحصل في البحر الأحمر
ومضيق باب المندب منذ أشهر.
في نهاية تشرين الأول/ نوفمبر الماضي احتجز الحوثيون سفينة
"غالاكسي ليدر"، تعبيرا عن استيائهم من الدعم الذي تتلقاه دولة الاحتلال
في عدوانها ضد غزة.
وتوسعت استهدافات الحوثيين لتشمل أي سفينة مرتبطة
بدعم تل أبيب. استجابة لهذا التصاعد، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية
"البنتاغون" تأسيس التحالف البحري "حارس الازدهار"، الذي يضم
أكثر من 20 دولة.
وفي حين استنكرت الصين هجمات الحوثيين بشكل غير
فعّال، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن غارات عسكرية على مواقع حوثية.
هل الصين مستفيدة؟
يرى الكاتب الأمريكي مينكسين بيي أن الهجمات
الأميركية على الحوثيين تشكل مخاطرة للولايات المتحدة بحياة جنودها، وتستهلك
مواردها العسكرية العالية التقنية والباهظة الثمن.
واعتبر بيي، الذي يشغل وظيفة أستاذ في علوم
الحكم في كلية "كليرمونت ماكينا" بكاليفورنيا، أن هذا التدخل الأمريكي
يأتي لحماية حركة النقل العالمية عبر البحر الأحمر وضمان فتح الممرات المائية،
بحسب "بلومبيرغ".
وذكر أن الصين ستكون المستفيد الرئيسي في حال
نجاح القوات الأميركية والبريطانية في كبح هجمات الحوثيين، حيث تعتمد نسبة كبيرة
من صادرات الصين (60 بالمئة) على الممر البحري الذي يمر عبر البحر الأحمر، خاصة أن
اتلصين لم تحرك سفينة واحدة لمواجهة التحديات التي تحيط بالممر التجاري البحري.
طموح بالوساطة
من
جهة أخرى، يخالف مراد العريفي من "مركز صنعاء للدراسات
الاستراتيجية"، رأي الكاتب الأمريكي، فهو يرى بأن الصين كغيرها من
الدول غير مستفيدة مما يحصل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، خاصة وأن 12
بالمئة من حجم التجارة الدولية يمر عبر المضيق.
واعتبر التوتر في البحر الأحمر "تهديدا لمصالح بكين
الاقتصادية"، المرتبطة بالاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط.
لكن في المقابل، يقرأ العريفي المشهد بأن
الصين تحاول توظيف الأزمة من خلال لعب دور الوساطة من خلال علاقتها المستقرة مع
طهران، لتكون بمثابة ما قامت به سابقا بين إيران والمملكة العربية السعودية، ولذلك
لم تقم بالتصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 الذي دان هجمات الحوثيين، وفق حديثه
لـ "عربي21".
وذكر أن بكين لا تسعى لجعل جماعة "الحوثي"
عدوة لها، كما تسعى إلى كسر التفوق الأمريكي في إنشاء تحالفات في تلك المنطقة.
وقبل أيام، قال
مسؤولون أمريكيون، إن إدارة الرئيس جو بايدن طلبت من الصين حث طهران على كبح جماح الحوثيين الذين يهاجمون السفن التجارية في البحر الأحمر، لكنها لم تتلق
أي مؤشر يذكر على المساعدة من بكين.
وذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز ترجمته "عربي21" أن الولايات المتحدة
أثارت الأمر مرارا مع مسؤولين صينيين كبار في الأشهر الثلاثة الماضية، وطلبت منهم
نقل تحذير إلى إيران بعدم تأجيج التوترات في الشرق الأوسط على إثر الحرب الدائرة
في قطاع غزة.
لكن مسؤولين
أمريكيين قالوا إنه لا توجد أدلة تذكر على أن الصين مارست أي ضغوط على إيران لكبح
جماح الحوثيين، باستثناء بيان معتدل أصدرته بكين الأسبوع الماضي يدعو
"الأطراف المعنية" إلى ضمان المرور الآمن للسفن التي تبحر عبر البحر
الأحمر، وهو طريق شحن بالغ الأهمية.
أما فيما يتعلق بالأرقام والتقديرات، فقد تأثر
مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات إثر هجمات الحوثيين، حيث شهد ارتفاعا بنسبة 161٪ منذ
15 ديسمبر الماضي، وارتفعت قيمة المؤشر من 1029 دولارا إلى 2694 دولارا.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى تغيير مسار السفن حول
رأس الرجاء الصالح وتجنب استخدام قناة السويس، مما أضاف نحو 14 يوما إلى مدى
الرحلة.
وفي سياق متصل، تشير التقديرات إلى أن تكلفة
شحن حاوية بحجم 10 أقدام من الصين إلى الموانئ الأوروبية قد تجاوزت 5000 دولار في
الأسبوع الثاني من الشهر الحالي.
يذكر أن الحرب في اليمن عام 2015 أدت إلى
انسحاب الشركات الصينية من مشاريعها العملاقة في البلاد، ورغم ذلك، تظل الصين
مهتمة بالمشاركة في إعادة إعمار اليمن.
عرقلة خصوم
"الحزام والطريق"
وربما تكمن استفادة الصين من هجمات جماعة الحوثي
العسكرية، إلى ضرب أي مشروع نقل تجاري تنافسي مع "الحزام والطريق"
الصيني في الشرق الأوسط.
فوفقا
لتحليل المحلل الاستراتيجي اليمني، علي الذهب، فإن هذه الهجمات تمثل شاغلا أمنيا للولايات
المتحدة، ويشتت انتباهها عن قضايا تهم الصين مباشرة، مثل تايوان ونفوذ بكين في
القرن الإفريقي.
وأشار الذهب في حديثه لـ "عربي21"،
إلى أن الهجمات الحوثية تساهم في إعاقة أو تأجيل مشروع "قناة بن غوريون"
بين الاحتلال وبريطانيا وأمريكا، وكذلك تؤثر على الممر الاقتصادي الهندي المعلن في
قمة العشرين.
وعليه
فإن مبادرة "الحزام والطريق" ستحظى بمتانة أكبر، وتبلورها سيكون بشكل
أكبر على أرض الواقع، بحسب الذهب.
وتواصل الولايات
المتحدة وحلفاؤها قصف مواقع الحوثيين في اليمن رداً على 33 هجوماً للحوثيين على الأقل
على السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر. ونفذت
الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات واسعة النطاق مرة أخرى مطلع الأسبوع
الحالي.
و"تضامنا مع
قطاع غزة" الذي يتعرض منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لعدوان إسرائيلي مدمر
بدعم أمريكي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها أو
تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى "إسرائيل".
مطالب أمريكية بفرض عقوبات على رئيس محكمة مكافحة الإرهاب السعودي عوض الأحمري
ما مدى فاعلية الضربات الأمريكية والبريطانية على الحوثيين؟ خبير عسكري يجيب
115 نقابة ومنظمة حقوقية تدين العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن