نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، مقالا، قالت فيه؛ إن الولايات المتحدة، بعد ما يقرب من ستة أشهر من الحرب في
غزة، وجّهت إنذارا نهائيا لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الرابع من نيسان/ إبريل: إما التحرك فورا لحماية المدنيين الفلسطينيين، أو مواجهة "تغييرات في سياستنا".
وأوضح المقال أن هذه كانت أقوى إشارة حتى الآن، إلى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مستعد لخفض الدعم العسكري أو الدبلوماسي الحيوي لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت قائلة؛ إن الدعم الأمريكي ضروري لضمان بقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك سيظل بايدن يجد صعوبة في وقف القتال، ومن الصعب إيجاد تسوية سياسية في غزة، ومن المستحيل التخلي تماما عن حكومة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية المتشددة. ومع ذلك، فإن تدخّل الرئيس يزيد بشكل كبير من احتمالات التحدي السياسي لنتنياهو، وهو ما قد يكون ما يريده البيت الأبيض في نهاية المطاف.
وتابعت المجلة، أن تحذير بايدن جاء في مكالمة هاتفية متوترة مع نتنياهو استمرت حوالي 30 دقيقة. وطالب الرئيس، دولة الاحتلال الإسرائيلي "بالإعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة، والقابلة للقياس لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة".
كذلك، طالب نتنياهو بمنح مفاوضيه سلطة إبرام اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والسجناء وتحقيق "وقف فوري لإطلاق النار". وقال بايدن؛ إن السياسة الأمريكية ستتحدد من خلال "الإجراءات الفورية" التي ستتخذها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لم يحدث منذ أن تشاجر الرئيس، جورج بوش، الأب مع إسحق شامير بشأن محادثات السلام والمستوطنات اليهودية في عامي 1991 و1992 أن قامت إدارة أمريكية بتوبيخ حكومة الاحتلال الإسرائيلية علنا إلى هذا الحد. إن كون بايدن "صهيونيا" كما يقول عن نفسه، يجعل الأمر أكثر إثارة للدهشة.
كلماته بعيدة كل البعد عن احتضانه غير المشروط لحق دولة الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن نفسها، بعد أن قضى مقاتلو حماس على 1200 شخص، واحتجزوا أكثر من 200 آخرين في المستوطنات في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
ومع تزايد المخاوف، والمطالبات الأكثر إصرارا بأن تبذل دولة الاحتلال الإسرائيلي المزيد من الجهد لحماية المدنيين، واصلت إدارة بايدن تسليح الاحتلال الإسرائيلي، حتى مع ارتفاع عدد الشهداء إلى حوالي 33 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين.
لقد كانت وفاة سبعة من العاملين في المجال الإنساني من مؤسسة أمريكية، "المطبخ المركزي العالمي"، التي كانت تعمل على إطعام الفلسطينيين، هي التي دفعت بايدن إلى تغيير موقفه. ومن بين القتلى أمريكي كندي وأسترالي وبولندي وثلاثة بريطانيون وفلسطيني. "لم يكن الهجوم المروع الذي وقع هذا الأسبوع على المطبخ المركزي العالمي، هو الحادث الأول من نوعه. وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية: "يجب أن يكون الأخير".
ويبدو أن مقتل عمال الإغاثة يسلط الضوء على الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها حملة الاحتلال الإسرائيلية: فقد قاموا بتنسيق حركتهم في غزة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت مركباتهم الثلاث تحمل علامات واضحة، ومع ذلك فقد تم ضربهم بشكل منهجي من جيش الاحتلال.
وتابعت المجلة في التقرير ذاته، أن طائرة بدون طيار مسلحة بأسلحة دقيقة قصفتهم. ويشير الهجوم إلى أنه حتى القوة العسكرية المتطورة مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي، كانت إما مهملة أو غير آبهة في حماية أرواح الأبرياء. إن حقيقة أن توفير الغذاء في غزة أصبح الآن في أيدي منظمات الإغاثة الخاصة التي تدير تحديا مميتا، توضح الفوضى السائدة هناك؛ حيث ترفض دولة الاحتلال الإسرائيلي تحمل المسؤولية الكاملة عن توزيع الغذاء.
وأثارت الوفيات ضجة بين الديمقراطيين ذوي الميول اليسارية في أمريكا، الذين أصبح غضبهم من الحرب مشكلة سياسية لبايدن في عام الانتخابات. وكان بايدن والديمقراطيون يزيدون الضغوط تدريجيا على نتنياهو: فرض عقوبات على المستوطنين اليهود العنيفين في الضفة الغربية، وإسقاط المواد الغذائية من الجو فوق غزة، والسماح بتبني قرار للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، دون الفيتو الأمريكي المعتاد.
ودعا تشاك شومر، وهو زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ والحليف الوثيق للرئيس، إلى إجراء انتخابات لإقالة نتنياهو. فيما يحذر بلينكن، الآن، من أنه "إذا لم نر التغييرات التي نحتاج إلى رؤيتها، فستكون هناك تغييرات في سياستنا".
واستفسر: "ما الذي تطلبه أمريكا على وجه التحديد؟ بعض مطالبها واضحة. أمريكا تريد "إغراق المنطقة" في غزة بالمساعدات. وفيما يتعلق بالتكتيكات العسكرية، ترغب أمريكا في الحصول على مزيد من الالتزامات بشأن حماية المدنيين، كما ترغب أن تقوم إسرائيل باستبعاد أو تأجيل غزو رفح في جنوب غزة إلى أجل غير مسمى، حيث تتحصن حماس إلى جانب 1.5 مليون مدني".
وتزداد المطالب الأمريكية تعقيدا فيما يتعلق بوقف إطلاق النار. وأشار بايدن إلى أن الأمر سيظل مشروطا باتفاق بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماس لتبادل الأسرى. وقد ثبت حتى الآن أن هذا الأمر بعيد المنال، ويرجع ذلك جزئيا إلى تشكك نتنياهو في المفاوضات، ولكن أيضا لأن حماس قدمت مطالب، مثل الخروج الدائم لجيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، وهو أمر لن يكون مقبولا بالنسبة لأي حكومة للاحتلال، وربما أمريكا أيضا.
وسرعان ما أدى ضغط بايدن إلى تنازل متأخر. وفي غضون ساعات من المكالمة، التزم مجلس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بفتح معبر إيريز، والسماح بالشحنات المباشرة من أسدود، وفتح قنوات رئيسية جديدة إلى غزة. لكن نتنياهو سيكون مترددا في تقديم المزيد.
ويكره شركاؤه في الائتلاف اليميني المتشدد مبدأ تحمل المزيد من المسؤولية تجاه الفلسطينيين، وفي الواقع، فقد شجعوا الاحتجاجات لوقف قوافل المساعدات إلى غزة، حيث التزم نتنياهو بغزو رفح، ممّا يجعل من الصعب التراجع عنه. وقد يقاوم محادثات وقف إطلاق النار لأن وقف القتال قد يشجع أعداءه السياسيين، ويخلق طريقا لمناقشة الدولة الفلسطينية، وهو أمر مكروه بالنسبة له ولبعض شركائه في التحالف. وكل ذلك يشير إلى أن هناك الكثير من القتال القادم.
أكبر عصا يملكها بايدن، هي حجب المساعدات العسكرية، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بايدن مستعدا لمنع وصول الأسلحة الأمريكية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في خضم الحرب، وإلى أي مدى، كما فعل أسلافه مثل رونالد ريغان في الثمانينيات.
وتحت ضغط الانتخابات الرئاسية الوشيكة، كما تقول دانييل بليتكا، من معهد المشروع الأمريكي، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، بذل بايدن حتى الآن جهدا "لإرضاء الجميع بشأن إسرائيل، من خلال اللجوء إلى الخطاب العام الغاضب، والدعم الصامت لإسرائيل دون تغيير واقعي على الأرض".
واستمرت المساعدات العسكرية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في التدفق، حتى مع توتر العلاقات بين بايدن ونتنياهو. وفي كانون الأول/ ديسمبر، تحايل بايدن على الكونغرس للموافقة على بيع قذائف دبابات ومعدات أخرى لدولة الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 107 ملايين دولار.
وكانت هناك أيضا عمليات نقل أصغر حجما، ليست كبيرة بما يكفي لإخطار الكونغرس بشأن الذخائر الموجهة، والقنابل الخارقة للتحصينات، وغيرها من الأسلحة المهمة.
ويقول ناتان ساكس، من معهد بروكينغز، وهو مركز أبحاث آخر؛ إن الأمريكيين يمكنهم أيضا متابعة إشارة أقل بهرجة تعبر عن استيائهم، من خلال إبطاء عمليات تسليم الأسلحة وقطع الغيار حسب الطلب. وهذا قد لا يعيق على الفور قدرة الاحتلال الإسرائيلي القتالية، ولكنه يشكل تحذيرا واضحا: فبدون الدعم العسكري الأمريكي، تصبح قدرة الاحتلال الإسرائيلي على الدفاع عن نفسها على المدى الطويل في مواجهة تهديدات لا تعد ولا تحصى موضع شك.
أما بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين، فقد لا يتمكن بايدن من فعل المزيد لمساعدتهم بشكل مباشر. إن اتفاق الميزانية الذي تم التوصل إليه مؤخرا، والذي وقعه الرئيس ليصبح قانونا، يمنع التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، المزود الرئيسي للدعم الإنساني في غزة، لمدة عام واحد.
وقامت أمريكا ودول أخرى بتعليق المدفوعات، بعد أن اتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي موظفي الأونروا بالمشاركة في عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر أو التواطؤ مع حماس. كما أن فكرة الرصيف العائم المؤقت في البحر، التي أعلنت عنها أمريكا قبل أسابيع، من غير المرجح أن تكون جاهزة للعمل قبل أشهر.
وفي مكالمته مع نتنياهو، أوضح بايدن أنه على الرغم من القطيعة بينهما بشأن غزة، فإن أمريكا "تدعم إسرائيل بقوة" في مواجهة التهديدات الإيرانية، التي ازدادت حدة بعد غارة جوية نسبت إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، قتلت أعضاء رفيعي المستوى في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، في المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق يوم 1 نيسان/ أبريل.
وسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى طمأنة الإسرائيليين، قائلا في منشور على منصة "إكس"؛ إن المدنيين لا يحتاجون إلى "شراء مولدات، وتخزين الطعام، وسحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي".
والآن، أصبح نتنياهو عالقا في كماشة شديدة؛ إذا فعل ما يطلبه بايدن وخفف من استراتيجيته الحربية، فسوف ينفّر شركاءه في التحالف اليميني المتشدد، وإذا رفض الانصياع ودمر العلاقات مع الحامي الحيوي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد لا يغفر له الجمهور الإسرائيلي. إن ضعف نتنياهو أصبح واضحا بشكل متزايد.
وتتصاعد الاحتجاجات في دولة الاحتلال الإسرائيلي للمطالبة بعودة الأسرى واستقالة نتنياهو. وفي الثالث من نيسان/ أبريل، انشق بيني غانتس، وهو عضو حكومة الحرب ورئيس الوزراء البديل الأكثر ترجيحا، عن الصف، ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة في أيلول/ سبتمبر من أجل "تجديد الثقة" داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي. إن إجراء انتخابات وتغيير القيادة، إذا حدث، من شأنه أن يجدد الثقة مع أمريكا أيضا.