اقتصاد دولي

هكذا تتخلص الصين من الدولار بوتيرة قياسية للحد من هيمنته

الصين تكثف جهودها للحد من هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية من خلال تشجيع استخدام اليوان في التجارة الدولية- عربي21
نشر موقع "كوين تريبون" الفرنسي تقريرًا، تحدث فيه عن الإجراءات التي تتخذها الصين للتخلص من الدولار بوتيرة متسارعة، مشيرًا إلى أن بكين تعمل على تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي في التجارة والاستثمارات.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الصين تعمل على تسريع عملية التخلص من الدولار من خلال المبيعات القياسية لسندات الخزانة الأمريكية. 

لم تعد الصين تستثمر في الديون الأمريكية 

وأفاد الموقع بأن الصين تخلصت مما يعادل 53 مليار دولار من سندات الخزانة خلال الربع الأول من السنة. وتعد احتياطياتها في الديون الأمريكية في أدنى مستوياتها منذ سنة 2009، إذ بلغت 767 مليار دولار.

ووفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية، تمتلك الصين أقل من 10 بالمئة من 8.1 تريليونات من سندات الخزانة المحتفظ بها في الاحتياطيات على مستوى العالم و2.2 بالمئة فقط من إجمالي ديون الولايات المتحدة التي تصل إلى 34.537 مليار دولار.

ومن جهتها، تعتبر اليابان الدولة التي تمتلك الحصة الأكبر من الديون (1,187 مليار دولار). وتأتي بعد ذلك الصين، والمملكة المتحدة (728 مليار دولار)،ا ولوكسمبورغ (400 مليار دولار)، وكندا (359 مليار دولار)، وأيرلندا (317 مليار دولار)، وبلجيكا (317 مليار دولار).

وذكر الموقع أنه من المحتمل أن تكون المبيعات الضخمة في الصين ردًّا على حظر تطبيق "تيك توك"، بالإضافة إلى الزيادات الأخيرة في الرسوم الجمركية على مجموعة من المنتجات الصينية. ومن جانبه، يهدد دونالد ترامب برفعها إلى 60 بالمئة في حال إعادة انتخابه في أيلول/ سبتمبر المقبل.

في هذا السياق، يقول ستيفن تشيو، استراتيجي سوق العملات الآسيوية واستراتيجي أسعار الفائدة في "بلومبرغ إنتليجنس": "من الممكن أن تتسارع عملية بيع الصين لسندات الدين الأمريكية مع استئناف الحرب التجارية بين البلدين".

وعلى العكس من ذلك، فإن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا في أفضل حالاتها. فقد أعلن فلاديمير بوتين، الموجود حاليا في الصين، في أول رحلة له إلى الخارج منذ إعادة انتخابه أن: "القرار المشترك الذي جاء في الوقت المناسب لضمان تنفيذ المعاملات بعملاتنا الوطنية قد أعطى دفعة قوية لتجارتنا. اليوم، 90 بالمئة من المدفوعات تتم بالروبل واليوان".

إلغاء الدولرة = التضخم

وبين الموقع أنه قد مر 37 شهرا متتاليا ولم ينخفض معدل التضخم السنوي عن 3 بالمئة في الولايات المتحدة؛ فارتفعت الأسعار بنسبة 20 بالمئة تقريبا في أقل من أربع سنوات. وبالتأكيد أكثر من ذلك لأن المعاهد الإحصائية تستخدم الحيل المحاسبية لإخفاء الواقع.

وبعبارة أخرى، فقد الدولار خُمس قوته الشرائية في أقل من بضع سنوات. يبدو أن الحلم الأمريكي أصبح بعيد المنال، وأن عملية إنهاء الاعتماد على الدولار لن تُحسن الأوضاع.

لقد استفادت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة من احتفاظ الدول باحتياطياتها من النقد الأجنبي في شكل سندات خزانة. وهذا يسمح بعرض ميزان تجاري يعاني من العجز المزمن دون أن ينخفض الدولار.. وهذا هو ما يسمى "الامتياز الباهظ" الشهير، الذي من دونه لكان التضخم أعلى بكثير عبر المحيط الأطلسي.

من جهته، صرح جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان، في مقابلة مع بلومبرغ: "هناك الكثير من القوى التضخمية التي تنتظرنا". وتتعلق القضية بالتكاليف المرتبطة بتحول الطاقة، وإعادة التسليح، والإنفاق على البنية التحتية، والحروب التجارية، دون أن ننسى العجز في الميزانية.

وأضاف قائلًا: "أعتقد أن فرص بقاء التضخم مرتفعًا أو ارتفاع أسعار الفائدة أكبر مما نعتقده".

وكان جيمي ديمون قد أدلى بتعليقات مماثلة في رسالته السنوية إلى المساهمين، معلنا استعداده لأسعار فائدة تتراوح بين 2 إلى 8 بالمئة، أو حتى أكثر"...

وبالنسبة للمصرفي، تعد المخاطر الجيوسياسية أمرًا بالغ الأهمية؛ نظرًا لتأثيرها على أسعار النفط والغاز والتجارة ولعبة التحالفات. وحذّر من أنه مع الحرب في أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط واستخدام الابتزاز النووي، فإن الوضع الجيوسياسي "متوتر للغاية".

والسيناريو الأسوأ هو فرض حظر على النفط ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين. كما أن أي انخفاض جذري في التجارة الصينية الأمريكية من شأنه أن يؤدي أيضا إلى تضخم شديد.

مع العلم أن التضخم وصل بالفعل لدرجة أن هناك إشاعات بأن البنوك المركزية سترفع هدف التضخم في السنوات المقبلة. هذا ما أشارت إليه كريستين لاغارد خلال مقابلة مع مجلس العلاقات الخارجية.

تأمين البيتكوين
لن تنخفض الأسعار أبدًا، وستستمر قيمة الدولار في التبخر. من الأفضل أيضًا للأجيال الجديدة أن تختار استثماراتها بحكمة لأنها لن تحصل على معاش تقاعدي، ودعونا لا نتحدث عن ذروة النفط التي ستجعل الأمور أسوأ".

على المستوى الوطني، إنها مسألة وقت فقط قبل أن يرفض بعض الدول قبول العملات الورقية لجيرانها المعادين. لكن، لماذا توافق بكين على وضع احتياطياتها في ديون الولايات المتحدة إذا حصلت في المقابل على رسوم جمركية أعلى من أي وقت مضى؟

وليس من قبيل الصدفة أن تعمل الصين والدول التي تتحدى السلام الأمريكي على زيادة احتياطياتها من الذهب. فقد جمعت جميع الدول المتقدمة الكبرى أكبر قدر ممكن من الذهب المادي في أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية...

ويمثل الذهب اليوم 5 بالمئة من الاحتياطيات الصينية و20 بالمئة في حالة روسيا. ولسوء الحظ بالنسبة للذهب، فهو ليس شبكة دفع مثل شبكة سويفت. حتى في زمن معيار الذهب، كان الدولار هو الذي يتم تداوله بالفعل.

وأورد الموقع أن العالم يحتاج إلى مخزون للقيمة يكون في نفس الوقت شبكة دفع دولية. هذا بالضبط ما تمثله عملة البيتكوين، اثنان في واحد. فهي في الواقع مخزون أفضل للقيمة لأنها موجودة بكمية محدودة كما أن ما يقرب من 94 من عملات البيتكوين متداولة بالفعل. 

المشكلة هي أن المملكة الوسطى لا تزال تنظر إلى عملة البيتكوين باعتبارها تهديدًا لضوابط رأس المال لديها. ولكن إذا كان الصينيون راغبين في التجارة على قدم المساواة مع الغرب، فيتعين عليهم أن يبادروا إلى القيام بلفتة في هذا الاتجاه. 

وفي تقرير آخر نشره موقع "كوين تريبون" بعنوان "البريكس: هل ينهي اليوان الصيني حكم الدولار؟"، ورد أن العديد من البلدان، بما في ذلك الصين، تعمل على تقليل اعتمادها على الدولار من خلال تشجيع استخدام عملاتها في المعاملات الدولية. ومع ذلك، على الرغم من المحاولات الدائبة للتنويع النقدي التي قامت بها الصين، الدولة العضو في مجموعة البريكس، يشكك بعض الخبراء في نجاح المبادرة.


الصين تحاول التغلب على الدولار الأمريكي

ويضيف الموقع ذاته أن الصين تكثف جهودها للحد من هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية. ومن خلال تشجيع استخدام اليوان في التجارة الدولية، ولا سيما من خلال اتفاقيات التجارة الثنائية مع الدول الأعضاء في مجموعة البريكس مثل روسيا، تسعى الصين إلى إنشاء عملتها كبديل عملي للدولار. وفي الآونة الأخيرة، قامت بمعاملات ناهزت قيمتها 260 مليار دولار باستخدام اليوان مع روسيا، وتعمدت استبعاد الدولار من هذه التبادلات.

وتنطوي هذه المبادرة ضمن دراسة تقوم بها دول البريكس أيضًا لتطوير عملة رقمية مشتركة، مستقلة عن النظام المالي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. ويهدف هذا المشروع الطموح إلى إنشاء هيكل مالي متعدد الأقطاب، لا يمثل فيه الدولار العملة الاحتياطية العالمية الوحيدة.

وبحسب الموقع، تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية داخلية تساهم في تدهور وضع الدولار، بحيث تؤجج المؤشرات الاقتصادية مثل ارتفاع الدين الوطني والشكوك الاقتصادية المخاوف بشأن استقرار العملة واستمرار جاذبيتها كعملة احتياطية عالمية. وقد يخدم هذا الوضع جهود مجموعة البريكس. ومع ذلك، يمثل الدولار العملة المفضلة للعديد من الاقتصادات العالمية.

قضية خاسرة بالنسبة للصين؟
على الرغم من الجهود التي تبذلها بكين لتدويل عملتها، لا يزال اليوان مقيدًا بسبب سياسات الرقابة الصارمة على رأس المال ومحدودية السيولة الدولية، العوامل المسؤولة جزئياً عن إحجام الأسواق العالمية عن اعتماد اليوان على نطاق أوسع.

من جانبه، يعتقد المحلل في بنك "مورغان ستانلي" جيمس لورد، أنه في غياب تحرير السياسة النقدية في الصين وانفتاح سوق رأس المال بشكل أكبر، لن يهدد اليوان سيادة الدولار بشكل جدي؛ لأن إجراءات الرقابة الصارمة التي تتخذها بكين تهدف إلى تحقيق استقرار اليوان، لكنها على نحو متناقض تحد من اعتماده كعملة عالمية.

وأشار الموقع إلى أن أزمة العقارات الأخيرة في الصين وعلامات الضعف في القطاعات الاقتصادية الأخرى تفتح المجال للشك في جدوى اليوان على المدى الطويل كمنافس خطير للدولار. وعلى الرغم من طموحات الصين، تستمر قوة الاقتصاد الأمريكي والثقة العالمية بالدولار في تعزيز مكانتها باعتبارها العملة الاحتياطية البارزة.

وفي ختام التقرير، نوه الموقع بأن المحللين يعتقدون أن الدولار قادر على الصمود في وجه الاضطرابات، ويتفوق في الأداء على اليوان.