ملفات وتقارير

قوات الأسد تحولت إلى آلة قتل ضارية

القتال في سوريا
في النقاش حول القدرات الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري ووافق على تدميرها بعد الإتفاق الأمريكي- الروسي في شهر أيلول/سبتمبر جرت المقارنة بين عدد من قتل جراء استخدامها ومن قتلوا ويقتلون يوميا بسبب إعتماد النظام على ترسانة من الأسلحة المتطورة. وهي نسبة وتناسب لا تأخذ بعين الإعتبار المواجهة اليومية مع قمع النظام ووحشيته.

 فالبنسبة للسوريين  فتخلي النظام عن الأسلحة الكيماوية لا يعني ضعفه فلا يزال يمتلك أسلحة قوية ومتقدمة تمكنه على مواصلة القتل. وكما يقول جيفري وايت، الباحث في الشؤون الدفاعية بـ "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني" فقد "تحولت قوات بشار الأسد النظامية وغير النظامية إلى آلة قتل فعالة ضارية تتمتع بالموارد الكافية وتضم عشرات الآلاف من السوريين في لباس رسمي أو غير رسمي يشاركون في ذبح أبناء وطنهم سواء من قُرب أو من بُعد". 

وقدم الباحث في دراسته المنشورة على موقع المعهد عرضا للطريقة التي تطورت فيها آلة القتل السورية وتعامل النظام مع المتظاهرين السلميين فلم يتورع النظام منذ البداية عن اللجوء لأي سلاح ضد المتظاهرين، ولم يكن لديه تردد في تطبيق الحل الأمني الذي اتسم بالتصعيد، بدأ أولا  بالضرب والإعتقالات الجماعية ولجأ ثانيا  إلى الأسلحة الخفيفة، لتتنقل بعدها  قواته إلى استخدام الدبابات ومركبات المشاة القتالية والمدافع المضادة للطائرات ومدافع الهاون الثقيلة ومدفعية الميدان وصواريخ المدفعية والحوامات القتالية المزودة بقنابل برميلية والطائرات المقاتلة ذات الجناح الثابت المزودة بأسلحة حارقة وانشطارية وصواريخ أرض- أرض، وأخيراً الأسلحة الكيماوية.

ورافق هذاالتصعيد في استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين والمسلحين على حد سواء حملة اعتقالات وتعذيب وإعدامات ميدانية وحملات تجويع لحرمان أفراد ومجتمعات كاملة من الطعام والماء والخدمات الطبية.  وكما يقول وايت "باختصار، شن الأسد حرباً داخلية شاملة ضد المعارضة المسلحة وغير المسلحة أدت إلى نتائج مروعة من حيث الإصابات، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنشاط الاقتصادي وتشريد السكان. وقد أصبحت معظم سورية فعليا منطقة مفتوحة تستخدمها قوات النظام لإطلاق النار". 

وعن طبيعة القوى التي أسهمت القتل يقول وايت أنها تضم مؤسسات تابعة للجيش النظامي، وأجهزة أمنية وقوات دفاع شعبي او ميليشيات أضف الى هذا كله جماعات "الشبيحة"، وكذا الجماعات المقاتلة من خارج سورية خاصة مقاتلو حزب الله، والمتطوعون الشيعة من العراق وإيران. وتعمل كل هذه المجموعات النظامية معا، سواء بالدعم والتنسيق. فمن أهم مؤسسات القتل في سورية اليوم هي  القوات النظامية التي انخرطت  في الحرب الأهلية منذ البداية. فقد كان دورها حاسما من ناحية قدرة النظام على البقاء في السلطة  واصبحت عصب بقائه.

وعليه فقد اشتركت هذه القوات وعلى نطاق واسع في جرائم العنف ضد المدنيين. وتفيد تقارير للمعارضة أن ما يزيد عن ستين لواءا نظاميا وتشكيلات على مستوى الأفواج شاركت في الحرب. ولا يستبعد الكاتب حدوث نوع من المبالغة والأخطاء في تسمية الأفواج النظامية المشاركة في المعارك إلا أن هذا لا ينفي حقيقة مشاركة  جزء كبير من الجيش النظامي في المعركة. 


ويقول أن صواريخ النظام بر- بر لعبت دوراً فعالاً في الحرب - على الأقل منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، عندما بدأت الضربات المستمرة على أهداف في منطقة واسعة. وفي الوقت الحالي تشير تقارير  المعارضة عن ضربات صواريخ بر- بر على قاعدة شبه يومية مع شن هجمات متعددة في بعض الأيام.كذلك شاركت  قوات الدفاع الجوي النظامية في عمليات القصف وإطلاق النار. 
هذا عن القوات النظامية اما عن القوات غير النظامية فقد بات النظام يعتمد  عليها بشكل متزايد لمواصلة لحرب. ولا تتورع هذه  العناصر غير النظامية عن القيام بأية أعمال وحشية. وتتحمل مسؤولية  بعض أسوأ الحوادث في هذه الحرب.

 ففي الوقت الذي يعتبر فيه  جنود القوات النظامية قتلة تقليديون بدرجات متباينة، إلا أن القوات غير النظامية كانت من بين القتلة الذين مارسوا القتل  "عن قرب وعلى مستوى شخصي" في الصراع. وتتكون معظم هذه  القوات غير النظامية من مجموعات غير منضبطة تعمل تحت قيادة "قوات الدفاع الوطني" و "هي منظمة شكلت  لتنظيم صفوف مجموعة غير متجانسة من مؤيدي النظام المتشددين وزيادة كفاءتهم من الناحية العسكرية وربطهم بعمليات القوات النظامية".

 وتشمل  "قوات الدفاع الوطني" عناصر الشبيحة و"اللجان الشعبية" والميليشيات المحلية. وينحدر هؤلاء الأفراد من طيف واسع من المجتمع السوري بمن فيهم العلويين وغيرهم من مجتمعات الأقلية والقطاعات الحضرية والريفية.

  خسائر النظام المتزايدة أدت إلى قيام حلفاء الأسد أيضاً بدفع قوات كبيرة إلى المعركة. وقد أصبح المقاتلون من «حزب الله» والشيعة العراقيين وبعض الإيرانيين بصورة تدريجية عنصراً أكثر أهمية بين قوات النظام وخاصة خلال الهجمات في محافظة حمص وضواحي دمشق. وقامت هذه العناصر بعمليات مشتركة إلى جانب القوات النظامية والقوات غير النظامية التابعة لها؛ وفي الواقع أصبح أفراد «حزب الله» صفوة المشاة لدى النظام. ومع هذه الجماعات يشارك "جهاز الأمن الداخلي" التابع للأسد في عمليات القتل الروتيني. وتشمل هذه أجهزة المخابرات والشرطة، التي تواصل احتجاز المدنيين وتعذيبهم وإعدامهم. كما اشتركت المنظمات والوحدات التي تُنتج وتنشر أسلحة النظام الكيماوية في أعمال القتل.

 ومنها "مركز الأبحاث والدراسات العلمية" (المسؤول عن البحث والتطوير والإنتاج)، والوحدة 450 (المسؤولة عن أمن ونقل الذخائر الكيميائية)، وبعض وحدات المدفعية والجو من القوات النظامية. 
 ويشير الكاتب إلى أن وسائل القتل التي يستخدمها النظام تتراوح ما بين استخدام الأسلحة التقليدية المتقدمة إلى الوسائل البدائية من مثل التجويع وحرمان الأحياء من أبسط متطلبات الحياة.

 فبحسب تقارير اللجان التنسيقية يشن النظام ما معدله 440 غارة جوية وهجوما مدفعيا. وبحسب إحصائيات مركز توثيق الإنتهاكات في سورية يسقط نتيجة هذه الهجمات كل أسبوع نحو 340 شخصا. وتشير أيضا التقارير الصادرة عن اللجان المحلية أن الغارات الجوية التي يشنها النظام يقوم خلالها باستخدام القنابل الحرارية والفراغية والإنشطارية. واستخدم النظام صواريخ باليستية، وصواريخ سكود.

 يضاف إلى هذا استخدام النظام وسائل القتل البدائية  وارتكاب مذابح. واستخدم النظام وسائل التجويع، فقد حاصرت قواته المناطق التي يسيطر عليها الثوار في مدينة القصير وحمص وضواحي معينة من دمشق.. كما دمرت قوات النظام المحاصيل وقتلت المواشي وقصفوا الأفران والمرافق الصحية في مناطق المعارضة. وقد وردت تقارير أيضا عن تسميم إمدادات المياه. 

ويخلص الكاتب في نهاية مقاله للقول أن "الجهود التي يقوم بها النظام لقمع ثورة شعبية بشكل عنيف،  أدت لجر جزء كبير من المجتمع السوري وأدخاله في منظمات وعمليات القتل التي يقوم بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر" كما أن النظام واجه ثورة الأغلبية السنية بثورة أقلية علوية/شيعية مضادة  مما سيعقد الوضع بشكل كبير ويقضي أمل لإعادة بناء الدولة على أسس نُظُمها القديمة. وفي ضوء الدم الذي سفحته قوات النظام، فمن غير المرجح أن يقبل  الذين يقاتلون ضد النظام أن تلعب قواته دورا في سورية ما بعد الحرب.