ملفات وتقارير

اللاجئون السوريون بلبنان يفتقدون الدفء في أجواء ثلجية

مخيم للاجئين السوريين في أورفا (تركيا) كما بدا الأربعاء بعد سقوط الثلوج (من الفيسبوك)

انقلب المثل القائل "ذاب الثلج وبان المرج" في بلدة عرسال شرقي لبنان، حيث كشفت الثلوج المتساقطة نتيجة العاصفة "ألكسا" التي تضرب دول شرقي البحر الأبيض المتوسط منذ مساء يوم الثلاثاء، حجم المأساة التي يرزح تحتها أكثر من 50 ألف لاجئ سوري يواجهون أقصى الظروف المناخية بوسائل بدائية، إذا توفرت.

أمام خيمهم التي استخدموا ما توفر بين أيديهم من مواد لاستكمالها، وقف عشرات الأطفال بعضهم حفاة وآخرون لا يحمي أقدامهم من الثلج إلا إخفافا من البلاستيك، يتأملون في عدسة الكاميرا بحثا عن مصدر دفء حتى إن بعضهم لجأ إلى عادم إحدى السيارات علّه يمنح أجسادهم قليلا من الحرارة.

ويعيش في البقاع  اللبناني شرقا، 260 ألف لاجئ سوري من أصل 835 ألفاً مسجلين كلاجئين في لبنان، فيما تؤكد السلطات اللبنانية أن عددهم الإجمالي فاق المليون و200 ألفا. وتستقبل عرسال الحدودية التي ترتفع عن سطح البحر ما يزيد عن 1500 متر، أكبر عدد من اللاجئين بعدما فاق مؤخرا 50 ألفا مع تدفق أكثر من 25 ألفا إليها الشهر الماضي مع احتدام المعارك في منطقة القلمون في سورية.

ويعيش "المحظوظون" منهم في منازل أهالي البلدة اللبنانيين او في منازل استأجروها، أما الغالبية العظمى فقد لجأت الى مدارس مهجورة وصالات أفراح والجوامع، ومن ضاقت بهم الأمكنة نصبوا خياما عشوائية تفتقر لحد أدنى من مقومات العيش.

وتتوزع هذه الخيم في محيط البلدة بين مناطق وادي حميد والحصن وراس السرج، إلا أن أكبرها يقع في وادي حميد والحصن، حيث عمد اهالي البلدة وبعض الجمعيات إلى تحصين ودعم الخيم لمنع تسرب المياه إليها او تحطمها بفعل الرياح.

وقد أدّت سماكة الثلوج التي تساقطت صباحا، فقاربت الثلاثين سنتمترا الى قطع الطرقات الفرعية داخل البلدة، أما الطريق الرئيسية الوحيدة فبقيت سالكة بفعل عمل جرافة تابعة للبلدية على فتحها باستمرار أمام السيارات والآليات. أما الطريق الى مخيمات النازحين السوريين فأقفلت إلا امام السيارات الرباعية الدفع والمجهزة بسلاسل معدنية.

أنس، نازح سوري في عرسال، من بلدة قارة في ريف دمشق، تحدث لوكالة "الأناضول" عن "إخفاق" المنظمات الدولية في تأمين الحد الادنى من متطلبات المساكن لإيواء النازحين، مشيرا إلى أن "كل ما تقدمه عبارة عن مساعدات غذائية وبعض الأغطية والفراش وخيم غير متينة".

وأعرب أنس عن تخوفه من أن يؤدي تدني درجات الحرارة إلى ما دون الصفر الى وفيات خاصة لدى صغار السن، داعيا لاعلان "حالة الطوارئ".

أما أم خالد النازحة من النبك السورية الى عرسال، فرفعت يديها الى السماء طالبة من الله الخروج وعائلتها سالمين من "ألكسا". هي التي تسكن مع أولادها الأربعة في إحدى الخيم في مخيم وادي الحصن، أشارت إلى أنها لم تعانِ في حياتها أمرا مماثلا. وأضافت: "سبق أن مررت في ظروف صعبة جدا قبل النزوح القسري من بلدتي لكن ما نشهده اليوم لا مثيل له".

وناشدت أم خالد المنظمات الدولية "الرأفة بحالهم" من خلال تأمين المسكن، "لأنه بالإمكان البقاء بدون طعام إلا ان البرد لا يرحم خاصة اذا كنت تعيش في خيمة".

وبثت محطات التلفزة تقارير من عرسال صورا لمخيمات تغطيها الثلوج مهددة بتدميرها، بينما سكانها يرتجفون بردا.

وقال عضو المجلس البلدي في عرسال وفيق خلف في اتصال هاتفي مع فرانس برس: "هناك برد قارس، درجة الحرارة تتدنى الى ما تحت الصفر". وأضاف: "اليوم، هناك طبقة من الثلج تبلغ عشرة سنتيمترات، لكن يتوقع المزيد من الثلج خلال الساعات القادمة"، داعيا الى "بناء غرف من الإسمنت للاجئين، لأن لا حل غير ذلك".

سعدنايل:

في سعدنايل (شرق لبنان)، تغرق قدما فيصل في الوحل داخل خيمته المحاطة بطبقة من الثلج في منطقة سعدنايل في شرق لبنان حيث تضرب عاصفة قاسية منذ صباح الاربعاء، ويقول اللاجئ السوري بلهجة يائسة "اتمنى لو نموت الف مرة ولا نتعرض لهذا الإذلال".

ويقطن فيصل (48 عاما) القادم من ادلب (شمال غرب سورية) هذه الخيمة مع أفراد عائلته المؤلفة من زوجته وأربعة أولاد، ضمن مخيم غير رسمي يفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية من عاصفة تدنت فيها درجات الحرارة الى دون الصفر، ويضم اكثر من 500 سوري هربوا من الحرب في بلادهم ويواجهون البرد والثلج والمطر التي تهدد خيمهم الهشة.

ويعبر الرجل عن خيبة أمله من تخلي العالم عن السوريين: "لم يصل أحد الى ما وصلنا إليه. كل الدول تآمرت علينا، كلهم خونة".

في المخيم، قليلون الذين يملكون وسيلة للتدفئة في مواجهة عاصفة يتوقع ان تستمر حتى نهاية الأسبوع.

ويقول صقر (13 عاما) لوكالة فرانس برس: "لا نتحمل البرد. البرد شديد... لا يوجد تدفئة في خيمتنا. عندما يذوب الثلج يدخل الى البيت وتفيض المياه في كل مكان. والبراكيات (الخيم) تهبط علينا".

وفي تقارير بثتها محطات تلفزة محلية، كان يمكن مشاهدة خيم هبطت تحت ثقل الثلج الذي تراكم عليها.

في مخيم الفيضة في سعدنايل، شاهدت وكالة فرانس برس رجالا يعملون بواسطة المطرقة على تثبيت سقف خيمتهم خوفا من انهيارها. بينما آخرون يزيلون الثلج عن الخيم.

مراسلة ومصور وكالة فرانس برس غرقت اقدامهما في الوحل، كما تلك الاحذية المرمية عند مدخل بعض الخيم والمغطاة بالوحل. بعض اللاجئين ضحوا بأحذيتهم من اجل الحصول على التدفئة.
وتقول نجلا (40 عاما) "نضع كنادرنا (أحذيتنا) في الصوبيا (المدفأة) لأننا لا نملك المازوت". رائحة الوقود او الأحذية او الحطب تملأ بعض الخيم التي يعيش في كل منها ستة أشخاص كحد أدنى، الى حد الشعور بالاختناق.

وأبدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة قلقها على آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في الخيم في مناطق لبنانية عدة.

وتعمل المفوضية على مدار الساعة لتأمين مستلزمات الشتاء، بما فيها أغطية حرارية ومبالغ مالية من اجل الحصول على وقود للتدفئة.

لكن على الرغم من كل هذه الجهود، تقول ليزا ابو خالد من المفوضية "نحن قلقون لأن البرد قارس في منطقة البقاع (شرق)، ونحن قلقون خصوصا على اللاجئين الذين يعيشون في خيم، لأن بعض هذه الأمكنة تفتقر الى الحد الادنى من الحماية".

بين المساعدات التي تقدمها المفوضية بطانيات من الصوف وفرش بلاستيكية وفرش عادية للذين تضررت فرشهم نتيجة العاصفة.

في مخيم الفيضة، تغلب براءة الطفولة على البعض فيبتسمون رغم كل شيء. يقف عدد منهم خارج الخيم تحت الثلج المتساقط، ينفخون في أيديهم لتدفئتها، وبعضهم من دون اي شيء يغطي رأسه او عنقه، فيما هواء جليدي يصفر في المكان.

ويتكئ رجل على عكازيه متأملا ارض خيمته الموحلة وكأنه غير مصدق. ثم يشكو مرضه وعجزه عن شراء الأدوية. من كل مكان، ترتفع الأصوات تطلب مساعدات.

حملات إغاثة:

ويعيش67% من السوريين الموجودين في لبنان في شقق مستأجرة أو لدى عائلات مضيفة، فيما يقطن 8% في مرأب سيارات ومواقع العمل، و9% في أبنية ومنازل قيد الإنشاء. وتستضيف مدارس مهجورة ومساجد 2% منهم ويعيش 14% في خيم، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين.

وفي ظل اعلان الدولة اللبنانية عجزها عن تلبية احتياجات اللاجئين وبدء تسويق فكرة ترحيلهم الى مخيمات داخل سورية، تقود مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، التابعة للأمم المتحدة حملات الإغاثة، وهي أطلقت الشهر الماضي "خطة طوارئ شتوية" لمساعدة اللاجئين بشكل عام في مواجهة ظروف الطقس القاهرة وخاصة أؤلئك الذين يسكنون في خيم في المناطق الحدودية.

وأشارت المتحدة باسم المفوضية في بيروت دانا سليمان لوكالة "الأناضول" إلى أن الخطة تستهدف بشكل أساسي "الأسر الضعيفة اللاجئة والتي تقطن في أماكن على ارتفاع 500 متر، وكل لاجئ، مسجل أو غير مسجل، يقطن في ملاجئ سيئة على غرار المستودعات والخيم العشوائية ومراكز الإيواء الجماعية".

وتلحظ الخطة تزويد 28 ألف أسرة تعيش في ملاجئ دون المستوى المطلوب بوسائل وأدوات وسبل التدفئة (ثياب، بطانيات حرارية، أغطية، أبواب، وقود..).

ولفتت سليمان الى "معوقات" كثيرة تواجه المفوضية، "فالميزانية المخصصة لملف اللاجئين السوريين لا تستطيع تغطية كافة الاحتياجات نظرا للاعداد الهائلة، فيما  تعتمد الميزانية بالدرجة الاولى على تقديمات الدول المانحة كالولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية وغيرها مما يعيق تنفيذ المشاريع أحيانا". ورأت ان المساعدات التي قدمت للاجئين السوريين "كبيرة وضخمة ولكنها غير كافية على الإطلاق".

وتتركز جهود المفوضية حاليا على منطقة عرسال الحدودية الواقعة شرقي لبنان حيث يتواجد حاليا 22 الف لاجئ مسجلين رسميا لدى مكاتب المفوضية فيما يؤكد رئيس البلدية أن عددهم الاجمالي فاق 50 ألفا.

وبمسعى لدعم جهود الامم المتحدة، أطلقت مجموعة من الشبان اللبنانيين مؤخرا عبر موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي حملة لدعم النازحين السوريين في عرسال بعنوان "دفيهم واكسب الأجر" لتأمين كسوة الشتاء.

وأكد المسؤول الإعلامي في الحملة عمر كنيعو ان "الهدف الأساس للمبادرة هو جمع مستلزمات فصل الشتاء الأساسية من أغطية وبطانيات وملابس وأدوية وإيصالها الى عرسال".

وأشار كنيعو إلى أن "التبرعات العينية تأتي من مختلف المناطق اللبنانية بحيث يتم تجميعها خلال الأسبوع في مسجد محمد الأمين وسط العاصمة بيروت، ومن ثم شحنها بنهاية الأسبوع وتوزيعها في عرسال على النازحين السوريين".

ولفت إلى أن "الدعوة تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأنها الأكثر فاعلية اليوم، ويمكن عبرها استهداف أكبر شريحة ممكنة من المواطنين، وحثهم على التبرع نظرا لأن أزمة اللاجئين السوريين إنسانية بامتياز ومسؤولية الإغاثة تقع على الجميع".

ويعمل اتحاد الجمعيات الاغاثية في لبنان منذ أكثر من عام على تنظيم وضع الخيم التي يسكنها اللاجئون لتصبح ملائمة للسكن وخاصة في فصل الشتاء، ولهذه الغاية أطلق الاتحاد مؤخرا حملة "الخيمة الآمنة" التي تهدف لإنشاء حوالي 150 خيمة صالحة للسكن في عرسال.

ولفت رئيس اتحاد الجمعيات الإغاثية في لبنان الشيخ حسام الغالي إلى "ان التركيز الاساس لدى مختلف الجمعيات ينصب على المناطق الحدودية كعرسال في البقاع ووادي خالد في الشمال نظرا لتأثر هذه المناطق بالعوامل الطبيعية".

ويضم اتحاد الجمعيات الاغاثية 100 جمعية مختلفة توحدت لدعم النازحين السوريين في المجالات الإغاثية، والطبية والتربوية والإجتماعية.

وأشار الغالي الى "وجود أزمة حقيقية في موسم الشتاء بظل غياب اي خطة رسمية من قبل الدولة اللبنانية مما يزيد الضغط على الجمعيات الخيرية.

وقال ان "المساعدات المخصصة للاجئين السوريين في بيروت وضواحيها تقلصت بشكل كبير بسبب تركيز الأولويات على البقاع والشمال".