قالت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إن السوريين اللاجئين في
مصر يعيشون وضعا صعبا. فقد تحولت مصر من بلد يرحب بالقادمين إليها من مناطق الحرب إلى "حالة من العدوانية تجاه ما يقدر عددهم بـ 235 ألف لاجئ سوري.
ويتهم الناشطون الشرطة المصرية بممارسة الضغوط على السوريين للعودة إلى بلادهم التي مزقتها الحرب".
وتقول الصحيفة إن "وفاء (سيدة
سورية) ظنت لخمسة أشهر أنها تعيش بأمان في مصر التي وصلتها مع عائلتها في شباط/ فبراير الماضي. ومع أنها وزوجها لم يجدا عملا ولم يُسمح لأولادهما بالذهاب إلى المدارس، إلا أن البلد أثبت أنه مكان يرحب باللاجئين من سورية". تستدرك وفاء قائلة: "كل ذلك تغير بعد الانقلاب العسكري، الذي قلل من حماس مصر لاستقبال اللاجئين.
قبل شهرين قررت المغامرة، حيث دفعت لمهرّب 3 آلاف دولار، تاركة زوجها وراءها، وركبت مع أولادها الأربعة قاربا مع 150 سوريا حاولوا اللجوء لتركيا". وفي الطريق غرق القارب؛ تاركا وفاء وابنتها البالغة من العمر 16 شهرا بين الحياة والموت، حيث حاولتا تلمس الطريق في الظلام الدامس، فيما أمسك قريبها ابنتها الأخرى البالغة من العمر 4 أعوام. وعندما أخرجهما الصيادون المصريون من الماء، كان ولدا وفاء (3 و 4 سنوات) في عداد المفقودين".
قام الصيادون بعد ذلك بالاتصال بالسلطات التي حضرت واعتقلت وفاء ومن تبقى من عائلتها، والناجين الباقين.
وتضيف الصحيفة "هناك أكثر من 1500 لاجئ فلسطيني وسوري معتقلون منذ آب/ أغسطس، حيث حاولوا الفرار عبر البحر لأوروبا. ومحاولات الرحيل تظهر الوضع الذي صارت فيه مصر غير مرحبة بالسوريين منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بمحمد مرسي".
ورغم إسقاط المدعي العام التهم عن 615 لاجئا، وأمره بالإفراج عنهم، إلا أن الشرطة، وفي "تحرك يظهر الوضع الخطير الذي يعيشه السوريون"، رفضت الإفراج عنهم، وظلت تحتجز المئات منهم في مراكزها المكتظة، وأخذت تمارس الضغوط عليهم لمغادرة مصر، وحتى الآن رحّلت السلطات أكثر من 1200 إلى دول مثل تركيا ولبنان وحتى سورية التي يواجهون فيها إمكانية اعتقالهم وتعذيبهم، مما دفع جماعات
حقوق الإنسان للاحتجاج. وفي يوم الإثنين افرجت الشرطة عن المعتقلين باستثناء 35 منهم. وكانت وفاء وابنتيها ضمن الذين أفرج عنهم".
وتقول الصحيفة إن "أكثر من 2.5 مليون سوري فروا من الحرب المشتعلة في بلادهم، وهناك أكثر من 235 ألفا منهم جاءوا لمصر، ولم يتم تقييد حركتهم في مخيمات، وحتى تموز/ يوليو لم يكونوا بحاجة لتأشيرات دخول، حيث كان بوسع أبنائهم؛ نظريا التسجيل في المدارس المصرية".
وكان مرسي "قبل الإطاحة به أعلن عن دعمه للمقاتلين السوريين، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام، وفتح أبواب مصر للسوريين الهاربين من الحرب"، لكن ومنذ الإطاحة به، "فرضت مصر تأشيرات دخول على السوريين، واتهمتهم عبر الإعلام بالتعاطف مع الاحتجاجات المؤيدة لمرسي، وأنهم مصدر لعدم الاستقرار في البلاد، وفجأة تحول الحنان الذي عوملوا به في البداية إلى عدوانية وغضب؛ وفي بعض الأحيان إلى عنف، كما يقول السوريون في مصر".
وتنقل عن محمد حلاق، وهو لاجئ من حلب ويقيم في شقة خالية من الأثاث تقريبا بمدينة العبور، قوله؛ إنه بعد الحملة الإعلامية ضد السوريين، حاول جيرانه في العمارة إقناع صاحب الشقة بطرده منها. وعندما جاء عمال شركة الغاز الطبيعي لمد أنابيب للبيوت، رفضوا ربط شقته عندما علموا أنه سوري. وشقته اليوم هي الوحيدة التي لا تزال تستخدم عبوات الغاز، بدلا من الغاز عبر الأنابيب. ويضيف حتى "سائقي التوك توك يتحرشون بنا"، قائلين أنتم "مثل الوباء، أنتم سبب المشاكل"، وعندما ناقش حلاق سائق سيارة في طلبه أجرا أكبر من العادي، أخرج السائق من جيبه سكينا "وطعنه".
وتقول الصحيفة: "لعل هذه العدوانية هي وراء محاولات السوريين الهروب عبر مراكب للمهربين متجهة إلى أوروبا، وكانت وفاء واحدة منهم"، فقد جاءت وعائلتها من دمشق بعد تعرض بيتهم للقصف. ولأنها كانت تبحث عن مستقبل أفضل لأطفالها الذين لم يكن بإمكانهم الذهاب للمدرسة بسبب العنف. وتقول إن العدوانية التي تعرضوا لها في مصر كانت وراء بحثهم عن مخرج".
لقد أردنا مغادرة مصر لأن الوضع فيها صعب، لم يكن بإمكاننا الحصول على أعمال، ولا إقامة ولا أولادنا قادرين على دخول المدارس". ويقول تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" إن وكالة الأمن القومي المصرية هي التي طلبت من الشرطة الإبقاء على اللاجئين في الحجز بعد إسقاط التهم عنهم وأمرت الشرطة بإخبارهم بضرورة مغادرة مصر.
وتقول الصحيفة "هذه الأساليب كانت معروفة واستخدمت في عهد مبارك، خاصة ضد اللاجئين السودانيين الذين فروا من مناطق الجنوب ودار فور في الغرب".
وتضيف الصحيفة أنه "من بين اللاجئين الذي رحّلوا 200 فلسطيني عاشوا طوال حياتهم كلاجئين في سورية بدون جواز سفر أو بلد، وليست لديهم خيارات قانونية، وتم ترحيل الكثيرين منهم مرة أخرى إلى سورية. وبحسب هيومان رايتس ووتش، فقد تم اعتقال بعض من الفلسطينيين الذين رحلوا مرة أخرى لسورية بعد وصولهم مباشرة".
وبحسب نسرين التي احتجزت مع وفاء، فقد تعرضت لضغوط من الشرطة المصرية للعودة إلى سورية. وقالت "إنهم يحاولون إجبارنا على العودة لسورية، ولا نريد العودة لأن هذا ليس خيارا". إنه يعني أننا "نسافر نحو موتنا".