ملفات وتقارير

سورية: معارك داعش والثوار بدأت.. فكيف ستنتهي؟

لافتة رفعها متظاهرون في بلدة كفرنبل في ريف إدلب (شمال غرب سورية)
مع اتساع نطاق الاشتباكات بين مقاتلي الكتائب المختلفة في "المناطق المحررة" (الخارجة عن سيطرة النظام) في شمال سورية وعناصر "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وسيطرة الكتائب على عدد من مقرات التنظيم الرئيسية، أُعلن عن العثور على عشرات الجثث لأشخاص تم اختطافهم على يد "داعش"، وبينهم صحفيون، في حلب وريف حماة، كما أطلق سراح عدد من المختطفين في الرقة.

وتوسعت دائرة الكتائب التي تشارك في القتال ضد "داعش" بانضمام "الجبهة الإسلامية" رسميا في المعارك ضد التنظيم. وبعد سيطرة الجبهة على مقر داعش الرئيسي في مستشفى طب العيون في حي قاضي عسكر في مدينة حلب، عُثر على نحو 50 جثة لأشخاص جرى اختطافهم بينهم 4 صحفيين تم حتجازهم بعد اقتحام مكتب قناة "شذا الحرية" في حي الكلاسة في حلب في 26 كانون الأول/ ديسمبر.

وقال الصحفي أحمد العقدة إنه تمكن من معرفة أربعة أسماء لإعلاميين بين الجثث: وهم قتيبة أبو يونس، وأمين أبو محمد، وسلطان الشامي، ومحمد قرانية وهو إعلامي جبهة النصرة تصادف وجوده مع إعلاميي قناة "شدا الحرية" في مكتبهم  في حلب ولقبه "سيف الله". وقالت مصادر أخرى إن جثثا أخرى عثر عليها أيضا قرب دوار الحاووز في المدينة.

والأحد، تمكنت الجبهة الإسلامية من تحرير المصور التركي بنيامين أيغون الذي يعمل لحساب صحيفة "ملييت" التركية بعد اشتباكات مع "داعش". وكان أيغون قد اختطف في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي.

وبدأت الاشتباكات بعدما حاول "داعش" السيطرة على بلدة الأتارب في غرب حلب، التي يسيطر عليها "جيش المجاهدين" المشكّل حديثا.

وقبلها تسلمت كتائب "أحرار الشام" المنضوية تحت لواء "الجبهة الإسلامية"؛ جثة أحد قيادييها في الرقة، وهو الدكتور حسين السليمان (أبو ريان). وحملت الجثة آثار تعذيب عنيف، حيث قطعت إحدى الأذنين كما حملت آثار طلقات نارية. وطالبت الجبهة الإسلامية بتسليم المسؤولين عن مقتل أبو ريان لمحاكمتهم لكن دون استجابة من "داعش". كما سبق أن اتهم داعش بخطف وتصفية عدد من قيادات الجيش الحر الكتائب المقاتلة، كما صعد التنظيم حملته ضد الصحفيين والنشطاء الإعلاميين في حلب بشكل خاص، حيث جرى اختطاف وقتل عشرات منهم خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى اقتحام المراكز الإعلامية وتدمير محتوياتها، مع استهداف الصحفيين الأجانب بشكل مستمر.

وانضمت للقتال ضد داعش القوى العسكرية الرئيسية، وهي جيش المجاهدين وجبهة ثوار سورية ثم الجبهة الإسلامية.

ورغم سيطرة الكتائب المقاتلة على غالبية المقرات الرئيسية لـ"داعش" في الرقة وحلب وإدلب وريف حماة، إلا أن المعارك لم تنته. والثلاثاء، شن مقاتلو "داعش" هجوما على مقر لواء التوحيد (أحد فصائل الجبهة الإسلامية) في مقر الشرطة العسكرية في حي قاضي عسكر في حلب (بجانب مقر داعش)، ثم اندلعت معارك عنيفة في المنطقة، في حين فرضت الكتائب حظرا للتجول في محيط المنطقة. وشمل الحظر أحياء قاضي عسكر، والقطانة، وباب الحديد، والميسر.

وذكر أن تنظيم داعش يستقدم تعزيزات من المقاتلين من دير الزور والمنطقة الشرقية في محاولة منه لاستعادة مواقعه في حلب.

وقالت مصادر حقوقية إن أكثر من 30 من المقاتلين الأجانب في داعش "أعدموا" في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب. لكن لم يتم التثبت من صحة هذه المعلومات.

من جهتها، قالت الشبكة السورية لحقوق الانسان يوم الاثنين؛ إن 71 مقاتلا من داعش و20 مقاتلا من جماعات الكتائب التي تقاتل ضدها و26 مدنيا قتلوا في القتال الدائر منذ يوم الجمعة الماضي.

وفي الرقة، تمكنت الكتائب من إخراج داعش من أغلب مناطق المدينة والسيطرة على مقر رئيسي في إحدى الكنائس. وانسحب مقاتلو داعش من مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، فيما لا تسعى الكتائب لإخراج عناصر التنظيم من المقر الأكبر وهو مجمع المحافظة في المدينة.

وتم تحرير نحو 50 سجينا من سجن كانت يديره التنظيم في فرع المركبات في الرقة. وأظهر تسجيل فيديو عددا من الأشخاص ممن قالوا إنهم تم تحريرهم من السجن. لكن لم يظهر أي أثر حتى الآن لرئيس المجلس المحلي في الرقة المحامي عبد الله الخليل أو رجل الدين المسيحي الأب باولو داليلو المحتجزين لدى التنظيم.

ومن المواقع الرئيسية الأخرى في الرقة التي تم إخراج داعش منها: صوامع الحبوب ومؤسسة المياه.

وخلّفت المعارك في الرقة جثثا لأشخاص يرتدون الزي الأسود المفضل لمقاتلي القاعدة ملقاة في شوارع المدينة ونقلت وكالة رويترز عن ناشط في المدينة يدعى عبد الرزاق شلاس في الرقة قوله: "انقسمت الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى مجموعتين تقريبا.. محليون بدأوا ينشقون ومقاتلون أجانب مصممون على ما يبدو على مواصلة القتال". وقال نشطاء إن مقاتلين من جبهة النصرة شاركوا قتال "داعش" في الرقة.

وفي المقابل، هوّن مسؤول من أحرار الشام من شأن الأنباء التي ترددت عن انسحاب كثير من مقاتلي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" إلى الريف قائلا ان رجال التنظيم ما زالوا يديرون حواجز على الطرق في أنحاء المدينة.

واندلعت اشتباكات بعد أن أقدم عناصر من داعش على قتل قائد ميداني في "الجبهة الإسلامية" في المشفى الوطني بمدينة الرقة حيث كان يتلقى العلاج من إصابة سابقة، ما دعا الجبهة إلى إغلاق الشوارع المؤدية إلى المشفى وتعزيز الحراسة في داخلها.

وفي ما يدلل على استمرار التوترات، قُتل نائب رئيس الهيئة الشرعية في مدينة الرقة على يد مجهولين أطلقوا النار عليه الثلاثاء.

وفي محافظة دير الزور، انسحب مقاتلو التنظيم من مواقع على طريق سريع رئيسي هناك على طول نهر الفرات وانسحبوا من حي في مدينة دير الزور، بعد اشتباكات. كما تخلى "داعش" عن مواقع في غرب سورية، قرب الحدود مع تركيا.

وفي ريف حماة، قال نشطاء إنه عُثر على 12 جثة لمدنيين كانوا محتجزين في مقر "الدولة" في بلدة كفرزيتا في ريف حماة بعد إخراج مقاتليها منه.
    
وخلال الأيام الماضية، تمكنت الكتائب المقاتلة من إخراج مقاتلي داعش من بلدات عديدة في ريف حلب، ومنها مارع وتل رفعت وحريتان.

وكانت "الجبهة الإسلامية" قد أعلنت الانضمام للقتال ضد داعش بعد أن اتهمت هذا التنظيم بالاعتداء عليها.

وجاء في بيان للجبهة التي تضم سبعة من كبرى الفصائل المقاتلة في سورية؛ رداً على بيان للدولة الاسلامية اتهم القوى المناهضة لها بملاحقة "المهاجرين"، في إشارة إلى المقاتلين الاجانب الذين يقاتلون في صفوفها: "نحن نقاتل من بدأنا بالقتال واعتدى علينا ودفعا للصائل ممن كان سواء من الانصار ام من المهاجرين". وتابع البيان "لا نقبل أن يختزل الجهاد بفصيل واحد"، في إشارة إلى داعش "ولا نقبل من أي فصيل التكني باسم الدولة وذلك لان قيام الدولة يحتاج شروطا لقيامها وليس كلمة ملقاة".

والسبت، دعت "جبهة ثوار سورية" التي تشكلت الشهر الماضي وتضم 15 فصيلا، "منتسبي داعش من السوريين إلى تسليم أسلحتهم إلى اقرب مقر تابع لجبهة ثوار سورية وإعلان تبرئتهم من داعش". كما طلبت من "المهاجرين (المقاتلين غير السوريين من الجهاديين) المغرر بهم الانضمام إلى جبهة ثوار سورية أو أي فصيل آخر تابع للجيش الحر بسلاحهم أو تسليم سلاحهم لنا ومغادرة سورية خلال 24 ساعة".

كما أعلن "جيش المجاهين" أنه سيتمر في قتال داعش حتى "القضاء" على التنظيم، وقال إن مقاتلي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" يعملون على تقويض الاستقرار والأمن في المناطق "المحررة" من خلال السرقة والخطف ومحاولة فرض رؤيتهم الخاصة للإسلام وتعهد بقتالهم إلى ان يتم طرد مقاتلي هذه الجماعة من سورية.

من جهته، دعا زعيم جبهة النصرة الاسلامية ابو محمد الجولاني في تسجيل صوتي الثلاثاء؛ إلى وقف القتال وتحكيم لجنة شرعية، متهما "الدولة الاسلامية في العراق والشام" بارتكاب "سياسة خاطئة" أدت الى تأجيج هذا الصراع، محذرا من ان استمراره قد "ينعش" نظام بشار الاسد.

وتشارك جبهة النصرة في القتال ضد داعش في الرقة لكنها لا تشارك في المناطق الأخرى.

ويشار إلى أن محاولة هجوم داعش على بلدات غرب حلب جاء في وقت يحشد فيه النظام السوري قواته شرق وجنوب المدينة.

كيف تنظر مراكز الأبحاث الغربية؟

يقول المتخصص في التيارات السلفية المعاصرة رومان كاييه ان "تلاقي عوامل عدة داخلية وخارجية مهد لقيام هذا "التحالف المقدس" في مواجهة الدولة الاسلامية في العراق والشام".

ويرى هذا الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الاوسط (ايفبو) لوكالة فرانس برس: "العوامل الداخلية هي بشكل أساسي تدهور علاقة الدولة الاسلامية مع مجموع الكتائب الاخرى للمعارضة المسلحة، والتي كانت ترفض رغبة الدولة في السيطرة على مجمل الاراضي المحررة"، في اشارة الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

وتضاف إلى هذا العامل ممارسات الدولة الاسلامية التي تثير حفيظة المقاتلين والناشطين المعارضين. ويقول كاييه ان "مقتل احد قادة الجبهة الاسلامية تحت التعذيب في احد سجون الدولة الاسلامية في العراق والشام، صدم بشكل عميق الرأي العام في منطقة حلب (شمال)، ما وفر شرعية لهذه الحملة العسكرية ضد الدولة الاسلامية". ويشير كاييه إلى أبو ريان.

ويشير توما بييريه، الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية في سورية، الى ان "تصرفات الدولة الاسلامية في العراق والشام باتت لا تحتمل بالنسبة لغالبية المجموعات المسلحة (...) لا سيما محاولات الاستحواذ على المناطق الحدودية، ما يقطع الممرات اللوجستية للمقاتلين المعارضين".

ويضيف هذا الاستاذ المحاضر في جامعة ادنبره ان "العديد من المجموعات أرادت منذ زمن طويل التحرك (ضد الدولة الاسلامية)، إلا انها كانت تواجه بممانعة حركة احرار الشام التي كانت تتعاون في شكل وثيق مع الدولة الاسلامية".

ويعتبر بييريه ان هذه الحركة، وهي احد ابرز مكونات "الجبهة الاسلامية"، "أعطت على الارجح الضوء الاخضر (لهذه المعارك) اثر هجوم الدولة الاسلامية في العراق والشام على إحدى قواعدها قرب حلب وإعدام الطبيب" الذي كان ينتمي الى الحركة.

ويضيف مؤلف كتاب "الدين والدولة في سورية" ان "ما جعل المجموعات المختلفة تخرج عن تحفظها (على مهاجمة التنظيم) الادانات لتصرفات الدولة الاسلامية الصادرة عن عدد من العلماء، ومن بينهم رجال دين قريبون من الايديولوجية الجهادية".

ويقول كاييه ان غالبية القادة العسكريين للدولة الاسلامية هم من العراقيين والليبيين، بينما غالبية قادتها الدينيين من السعوديين والتونيسيين، في حين ان غالبية مقاتليها هم من السوريين.

وحظيت هذه المعارك ضد الدولة الاسلامية بمباركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يتهم هذا التنظيم الجهادي بأنه "سرق الثورة السورية" ضد النظام السور ي بسبب ممارساته. وردت "داعش" بالحديث عن "حملة اعلامية" تستهدفها، وتسعى الى "تشويه صورة رجال الجهاد الحقيقي في الميدان".

ويشير كاييه الى وجود عوامل خارجية خلف هذه الحملة العسكرية، ومنها ان "المعارضة تريد ان تبدو بمظهر حسن لدى الحكومات الغربية" عبر وضع حد لنفوذ "الجهاديين" في الميدان السوري.

ويرى بييريه انه يمكن "لبعض المجموعات المقاتلة من المعارضة ان تكون تحركت على أمل اقناع الولايات المتحدة بمساعدتها، لكن اشك بقوة في ان يؤثر ذلك على استراتيجية فك الارتباط الامريكية" في المنطقة.